حرب الروايات ، بين التبرير الصهيوني والعجز العربي
سمير السعد – في كل مرة يشن فيها العدو الصهيوني عملية عسكرية أو ضربة موجهة، يتكرر النمط ذاته في صياغة المبررات والتبريرات الإعلامية. تُربط هذه العمليات بمفاهيم محددة مثل الدعم العسكري للأعداء، تهديد أمن المنطقة، دعم عمليات تستهدف أمن العدو المحتل ، أو تعريض مصادر الطاقة الدولية للخطر. هذه العبارات ليست مجرد تعليقات عابرة؛ بل هي جزء من استراتيجية مدروسة تندرج ضمن ما يُعرف بـ”الدفاع الاستباقي”، الذي يهدف إلى امتصاص ردود الفعل الدولية، سواء الرسمية أو الشعبية.
ما يلفت الانتباه أن هذه التبريرات تكون جاهزة ومُعلبة قبل أن يتم حتى تجهيز الصواريخ أو إطلاق العمليات العسكرية. وتدعم وسائل الإعلام الموالية هذه التصريحات بخطاب أحادي الجانب يفتقر إلى التحليل العلمي أو الموضوعية. تعمل هذه الوسائل كأداة لترسيخ رواية رسمية موجهة إلى الداخل الصهيوني ، حيث تستند إلى “سايكولوجيا الجماهير”، التي تنتظر أخباراً وأفعالاً تتماشى مع سردية الانتقام ممن “يتجرأ” على العدو الصهيوني . هذا النهج الإعلامي لا يهدف فقط إلى تبرير العمليات، بل أيضاً إلى خلق حالة ذهنية داخلية تُبرر العنف مسبقاً وتدعم استمراره.
في المقابل، نجد الإعلام العربي يعاني من ضعف في مواجهة هذه الاستراتيجيات. إذ يكتفي بالتفاعل مع الأحداث عبر بضع تعليقات سطحية ومواجهات كلامية لا ترتقي إلى مستوى “حرب الذكاء” المطلوبة. بدلاً من تحليل السلوك الصهيوني وكشف استراتيجياته النفسية والإعلامية، ينشغل إعلامنا بصناعة نجوم من بعض الشخصيات السياسية أو الإعلامية، مغرقاً الجمهور في جدل حول قضايا حزبية وشخصية هامشية.
الصراع الإعلامي والسياسي اليوم يحتاج إلى أدمغة قادرة على فهم اللعبة وإعادة صياغة خطابها، بعيداً عن شخصنة الأحداث أو تهميش القضايا الكبرى. ضرب محطات الكهرباء في اليمن، على سبيل المثال، يُبرر بأنه دعم لعمليات عسكرية ضد الممرات الدولية، وهو تبرير يتطابق مع نفس النمط الصهيوني في تسويغ الجرائم تحت ستار الأمن والمصلحة الدولية. إن الصراع الحقيقي يحتاج إلى توظيف “الذكاء الإعلامي”، وليس فقط الاكتفاء بتلقين الجماهير سرديات جاهزة تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية.
في ظل هذا المشهد، يصبح من الضروري أن نعيد التفكير في طريقة إدارة الإعلام العربي للصراعات الكبرى. المعركة اليوم ليست فقط على الأرض، بل أيضاً على العقول، حيث الإعلام هو السلاح الأكثر تأثيراً في تشكيل وعي الجماهير وتوجيه مواقفها. لذا، لا يمكن الاستمرار في الاتكاء على ردود فعل متأخرة أو على التحليل السطحي للأحداث. المطلوب هو بناء خطاب إعلامي استراتيجي يتسم ، بكشف التناقضات الصهيونية بذكاء و تسليط الضوء على تناقض الخطاب الصهيوني العدواني الذي يدّعي الحفاظ على الأمن والسلام بينما يرتكب أفعالاً تُصنف بوضوح كجرائم حرب، مثل استهداف البنية التحتية والمدنيين. كذلك تقديم رواية بديلة قوية ،
يجب أن يعمل الإعلام العربي على صياغة رواية مضادة تعتمد على الأدلة، توضح الحقائق وتفكك الأكاذيب التي تُسوّق دولياً. هذه الرواية يجب أن تكون مدعومة بمواد مرئية ومكتوبة تسهّل إيصال الرسالة إلى الرأي العام العالمي.
و الاستفادة من وسائل الإعلام الجديدة ،
ايضا منصات التواصل الاجتماعي أصبحت أداة فعالة في التأثير على الجمهور، خاصة الشباب. بدلاً من التركيز على الإعلام التقليدي فقط، يجب أن تُوجَّه الجهود نحو إنتاج محتوى إبداعي واحترافي يواكب العصر ويصل إلى أكبر شريحة ممكنة. و بناء تحالفات إعلامية دولية ،
كذلك التعاون مع المؤسسات الإعلامية والنشطاء الدوليين الذين يدعمون قضايا المنطقة يمكن أن يعزز الصوت العربي ويكسبه شرعية أكبر على الساحة الدولية. و التعامل مع الجمهور بوعي عالٍ . بدلاً من توجيه خطاب عاطفي يركز على تمجيد الأفراد أو الأحزاب، يجب التركيز على مخاطبة العقول، وتقديم تحليل علمي ومنطقي يوضح أبعاد الصراع وآثاره الحقيقية.
الإعلام الصهيوني أثبت قدرته على السيطرة على الرواية الدولية من خلال استراتيجياته المتقدمة. وفي المقابل، يتوجب على الإعلام العربي أن ينهض بمسؤولياته بعيداً عن العشوائية أو التبعية للأجندات الداخلية. إن بناء إعلام ذكي ومتطور ليس رفاهية، بل هو ضرورة استراتيجية لتغيير قواعد اللعبة، وإعادة تشكيل الرأي العام بما يخدم قضايا المنطقة ويحد من هيمنة الدعاية الصهيونية على المشهد الدولي.
“المعركة ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى وعي وإرادة، وإلى خطاب جريء وذكي لا يكتفي برد الفعل، بل يبادر ويقود” .