المشهد السياسي المغربي بين سلطة الحاضن وصمت المحضون  

رغم التحولات الشكلية التي عرفها المشهد السياسي المغربي خلال العقود الأخيرة، إلا أن عمق الأزمة لا يزال يُعيد إنتاج نفسه بطرق مختلفة، فالانتخابات تتكرر والوجوه تتبدل أحيانًا، لكن الإحساس العام لدى المواطن يظل مشوبًا بالخذلان واللامبالاة، وما يُقدَّم كمشاركة سياسية غالبًا ما يكون محصورًا في واجهات شكلية لا تُمكّن المواطن من الفعل الحقيقي داخل المنظومة.

في ظل المشهد السياسي المغربي الراهن يبرز سؤال جوهري لا يتوقف عند الأشخاص أو المؤسسات، بل يطال طبيعة العلاقة بين المواطن ومن يحتضنه سياسيًا:
هل يمكن انتظار التغيير من منظومة محكومة بالولاء والخضوع، أكثر مما تحكمها إرادة الإصلاح والجرأة في اتخاذ القرار؟

فعندما يُختزل المواطن إلى مجرد “محضون” داخل بنية متشابكة تُفقده شروط الفعل والمشاركة، وتُقصيه عن المبادرة والقرار، يصبح من العبث انتظار مخرجات حقيقية للتنمية أو للديمقراطية والمقاربة التشاركية المنشودة، فكيف لمحضون لا يملك سلطة فعلية أن يغيّر واقعًا تقيده منظومة قانونية غير منصفة، وتتحكم فيه مصالح فوقية لا تُحاسب، بينما الحاضن ذاته يتبنى منطق الضبط بدلا من منطق الاحتضان؟

هذا الواقع يتعمق أكثر وسط تشتت مجتمعي واضح، واختلافات حادة في الرأي والتوجهات، حيث تغيب الأرضية المشتركة حتى في أبسط مطالب الإصلاح، سواء تعلق الأمر بالتعليم، الصحة أو العدالة الاجتماعية، والأخطر أن هذا التنافر المجتمعي يُستغل لتغذية العزوف الشعبي وتعويم النقاش العام مما يخلق بيئة مثالية لتمدد الرداءة السياسية واستمرار الوجوه نفسها دون مساءلة.

مما يثبت أن الأزمة ليست فقط في اختيارات الأحزاب أو محدودية الأداء، بل في بنية تُفرغ العمل الديمقراطي من مضمونه، وتحاصر كل إرادة تغييرية حقيقية داخل دوائر مغلقة محكومة باعتبارات لا تعكس إرادة المحضونين، كما تبرز سؤال آخر حول طبيعة المؤسسات ودورها في تمكين المواطن: هل تؤدي هذه المؤسسات فعلاً وظائفها التمثيلية والتشاركية، أم أنها تكتفي بأداء شكلي لا يمنح المواطن موقعًا فاعلًا في القرار؟

وفي هذا السياق اصبح المواطن اليوم يرى أن ما يعيشه ليس انتقالًا ديمقراطيًا، بل تعليقًا ممنهجًا وطويل الأمد لإرادة التغيير، فالمؤسسات تمارس أدوارها، لكن دون أن تمنح المواطن موقعًا فاعلًا، وفي ظل هذا الوضع يبدو أن الحاضن لا يزال خائفًا من منح المحضون حقه الكامل في أن يكون شريكًا حقيقيًا في صناعة القرار، لا مجرد تابع ينتظر ما يُمنح له، والتغيير لن يأتي من فوق، بل من لحظة وعي جماعي تفرض القطيعة مع الخضوع وتطالب باحتضان فعلي لا رمزي.

ومن هنا، يصبح من المشروع طرح تساؤل عميق: هل فعلاً يعيش المواطن تجربة انتقال ديمقراطي؟ أم مجرد واجهة مؤسساتية تغطي اختلالات بنيوية أعمق؟
والإجابة عن هذا السؤال لا تكمن في المؤسسات وحدها، بل في إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، على أساس الشراكة لا التبعية.

المصطفى اخنيفس : المملكة المغربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *