رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية. د. خالد زين الدين
رحمك الله أيها الإمام محمد عبده عندما ذهب لمؤتمر باريس عام ١٨٨١ ثم عاد من هناك إلى مصر، وقال قوله الشهير: ذهبت للغرب فوجدت إسلامًا ولم أجد مسلمين.. ولما عدت للشرق وجدت مسلمين ولكننى لم أجد إسلامًا…!
وهكذا نستدل كيف تصنع الدول حاضرها ومستقبلها وتحمي ماضيها دائما وأبداً من خلال العناية بالإنسان، فالإنسان كنز وطني تُسخَّرُ كل الإمكانات لخدمته وراحته والإرتقاء به…
أما الدول التي يقودها الإستبداد وأنظمة الحكم الشمولي فتهدم حاضرها وتدمر مستقبلها وتمحق الجميل في ماضيها بإهمالها للإنسان والتفريط به…!
ومن خلال المقارنة بين الدول التي تحترم إنسانها والتي لا تفعل، يمكننا أن نسلط الضوء على التباين الهائل بين الحالتين وما نجم عنه من آثار، وذلك من خلال أولى المؤسسات التي تعنى بالإنسان بعد أسرته:
أي المدرسة…
في دول متقدمة جداً عالمياً في مجال حقوق الإنسان كالغرب مثلاً: في بداية كل يوم مدرسي يقف المدير ومعاونيه ليستقبلوا الطلاب عند مدخل المدرسة الخارجي بالبسمة والحضن كي يطمأنوا لدخولهم الطلاب بأمن وآمان وحماية مطلقة…!
وهذا الجو الذي يسوده البسمة والمحبة والإسترخاء مع التوجيه اللطيف والتواصل المستمر مع الأهل، والتشجيع الدائم للصغار في كل ما يفعلونه…!
أما في بلادنا يقف في إستقبال البراعم مديري المدرسة ومساعديهم بوجه الخوف والرعب…! حيث يراهم الطلاب كما الخارجين من أفلام الرعب…!
تفتتح عامها مع الطلاب الصغار كبراعم الورد التي ما زالت لم تتفتح، بالعصا أو السوط وما تيسر من ألفاظ الشتائم والسباب والصراخ…
ترى هل هذه لزوم التربية والتعليم…!
تلك الشخصيات المرعبة التي تكررت في قصص الأطفال في عالمنا العربي وخصوصا الأيتام منهم وللأسف تتكرر في واقعنا كثيرا…!
حيث تعقد المديرة أو المدير وعدد من الإداريين والموجهين والمدربين حلفاً أبدياً مع العنف وإحتقار الأطفال والسخرية من براءتهم، وتحطيم أمنهم وأحلامهم وفرض القسر بالعنف عليهم…!
كيف كان سيتسنى لشخصيات سادية مريضة كتلك أن تتسلم مسؤوليات بناء الجيل الجديد، ما لم يكن من فوقها في هرم السلطة ساديّاً مريضا ًمؤذياً مثلها ويهدف لدمار الجيل… !
أي طفولة تبقت لأولئك الأطفال الذين تربوا تحت أيدي أولئك الوحوش، وهم يعايشون القسوة وقمع الإبداع والسخرية مِن الطموحات المزهرة والمنتظرة من أجيالنا الصاعدة التي تعطينا الامل بيوم جديد لوطن قوي لانهم أسس الوجود والعز والافتخار…
وهنا ننتقل من أسلوب المعاملة في المدرسة إلى أسلوب التعلم ونظم التعليم حيث إن من أهم الملاحظات في نظام الغرب في التعليم:
الحرص على القراءة في غير الكتب المدرسية، فإنهم منذ الصف الثاني وحتى ما بعد المرحلة الثانوية يقررون أن على كل الطلاب أن يقرأوا كتاباً ويقدموا عنه نقداً كل أسبوعين…
لذلك تقوم المعلمة بأخذ الطلاب لمكتبة المدرسة ليختاروا كتباً جديدة ويعيدوا القديمة التي أنهوها وناقشوها ونقدوها أمام رفاقهم كل أسبوعين…
هكذا يتعود الطالب أن يقرأ وينتقد ما يقرأ، فلا يكون دماغه مبرمجاً على حفظ كتب المدرسة فقط، ويتعود أن يطور تفكيره النقدي دوماً لما يقرأه ويشاهده ويعيشه من خلال عملية تغذية أفكاره من خلال ما يتلقاه بحواسه الخمس ويتفاعل معه…!
وهو بذلك أيضا ينقد ذاته والمحيطين به، فلا يأخذ كل ما يحيط به ويجعلها مسلمات في حياته…!
إن تطوير ملكة التفكير النقدي عند الإنسان، وقدرته على المرونة الفكرية ومن ثم العملية التفكرية تكاد تكون الغاية العليا لأعلى نظم التعليم في العالم، والقراءة هي أول أدواتها…
لذلك قال: أنا أفكر يعني أنا موجود…
إن نتاج تلك النظم التي تحاول أن تستخرج في الإنسان أفضل وأرقى ما فيه، يتباين تباينا هائلاً عن تلك الأنظمة التي قامت على القسر والحشر والحشو والتلقين وتحطيم المواهب وتكميم الأفواه وتنييم العقول وتعطيل الحواس…!
عندها لا نتفاجأ بعدها وبسببها أن تسقط دولنا فريسة للوحوش المستبدة في كل ميادين السياسة وذلك من خلال المجتمع والأسرة…!
لا نتفاجأ بعدها أننا من أقل الشعوب نتاجاً فكرياً وثقافياً وعلمياً…!
لا نتفاجأ بأن الدول الإسلامية والعربية هي أقل الدول تطبيقاً لقيم الإسلام وأن أكثر الدول تطبيقاً للإسلام هي دول الغرب التي إرتقت بوعي إنسانها..!
لا نتفاجأ فمسخ الإنسان وبعده عن نهج إقرأ يمكن أن يصنع كل هذا وأكثر…!
لا نتفاجأ بذلك لأن أغلب معلمي أطفالنا ومديريهم أصلاً لم يقرأوا حرفاً خارج مقررات المدرسة أو المعهد أو الجامعة، بل لم يمسكوا بيدهم كتاباً ربما لسنوات خارج تلك المقررات!
ليس العيب في سوء الظروف فقط وفساد رأس الهرم ولكن العيب فيمن إرتضى الجهل والذل والدون وارتضى الفساد والجهل سبيل للحياة…!
نعود إلى حيث يحترم الإنسان فبعد أن ينهي الطلاب دروسهم وقراءتهم في نهاية الدوام المدرسي ينصرف كل صف في توقيت لوحده بحيث يخرج كل صف منفرداً على دفعتين، بمنتهى السلاسة في أوقات متفرقة وبرعاية معلماتهم اللاتي يكن على تواصل مستمر مع الأهل بشكل شبه يومي ومتابعة أدق التفاصيل النفسية والجسدية والتعليمية التي تتعلق بالطفل الإنسان…
في حين كان يترك الطلاب في بلادنا ليتضاغطوا في دخول المدرسة والخروج منها، ليتحول وقت الإنصراف إلى شيء يشبه المطحنة البشرية بسبب التدافع الذي أدى إلى وفاة بعض الطلاب دهساً بين الأقدام من شدة الازدحام…! وهنا الغريب بأن الإداريين غير مبالين بهم، وحتى لم نرى بناصح للإداريين لتنظيم وقت الإنصراف حماية لأرواح أطفالنا…!
بل أصبحت أرواح أطفالنا الطاهرة التي تعاونوا على إنهائها مادياً ومعنوياً من خلال القهر والعنف…؟
ماذا رأى أطفالنا من طفولتهم…؟ وأي جيل سيكون لدينا…؟
بذلك خسرنا كل شيء…! وبذلك تربح تلك الدول انتماء إنسانها وولاءه…!
وهنا نؤكد بأن تلك الدول ربحت حب إنتماء أطفالها لها هكذا تكسب الدول إنسانها وبغير ذلك تدمر إنسانها وأوطانها وتتحول إلى قوة دفع خارج الوطن…! وَكما قال عدنان الصائغ: إذا كان هذا وطناً فما شكل الزنزانة…!
الوطن هو حيث يعيش المواطن بأمان…
لم تقدم تلك الدول المتقدمة كل هذا لإنسانها إلا لأنها تعلم أن ما تقدمه له باليمين سوف تأخذه باليسار، تقدماً وازدهاراً وتطويراً وعماراً…!
وتكرم الطالب وتعطيه حقه وتعطي الجميع حقوقهم، فيتعايشون بسلام وود ويعطون مجتمعهم أفضل ما عندهم…!
أما عندنا فلا الطفل يأخذ حقه من الرعاية ولا المعلم يأخذ حقه المادي الذي يكفل له العيش الكريم والأمان النفسي والمجتمع يدفع ثمن كل هذا ويشارك فيه…!
حينها لقد سلمنا رقابنا للمستبدين وتركناهم يعيثون بنا وبالوطن فساداً بل تواطأنا معهم على ما استحدثوه من فساد واستبداد وظلم وتقصير واستبعاد للأكفاء الشرفاء واستخدام للسفلة معدومي الضمير ودفعنا لهم بأموالنا ومنحناهم ولاءنا ولو كنّا مكرهين عندها وقّعنا معهم عقد دمار كل شيء…!
يقول علي عزت بيغوفتش في كتابه هروبي إلى الحرية تفهم الأنظمة الشمولية أن الأغبياء و غير المؤهلين والخائفين لا يشكلون خطراً، لذلك يساندونهم ويشجعونهم…!
إحدى الوسائل التي ينتصر فيها الشر في البلدان، هي أن يصمت الأخيار ولا يفعلوا شيئاً…!
لم تخلُ أوطاننا من المدرسين الأكفاء والنبلاء وأصحاب اللطف والأخلاق والإتقان والتفاني، بل يوجد الكثيرين منهم…!
أي أمة نحن ومن بعد خروج الطلاب من المدارس يعتمد الأهل على من يقدمون الدروس الخصوصية في منازل الطلاب علما من الممكن أن يكونوا نفس المدرسين هنا يدلنا على عدم إعطاء الطلاب دروسهم في المدارس بل يهتمون بالضغط عليهم من أجل أن يسجلوا عندهم في الدروس الخصوصية…!
وأخيراً: فالعلم نور وهو يحارب ظلمة الجهل والتخلف، وهذا ما يجب أن يستمر في عالمنا العربي والإسلامي…!
كما قال الله عز وجل في كتابه الحكيم: بسم الله الرحمن الرحيم
الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيه مصباح… إلخ
صدق الله العظيم.
أيها القابضون على رقاب الناس يكون الوطن حيث يأخذ الجسد والروح والعقل والقلب حقه…!
وفي كل مكان تنقص فيه حقوق البشر من الأمن والأمان المادي والجسدي والتطور العقلي والتقدير والعمل الروحي لإراحة الضمير والارتقاء بالبشر، فذلك المكان لا يمكن أن يكون وطناً…!
سلام عليك يا أمة الوطن وسلام عليك أيها الإنسان…!
ومن أراد أن يعود إلى أمة الوطن فليبدأ في إعادة بناء الإنسان والعمل الجاد من أجل إعطاء كل ذي حق حقه.