الصدّيق حفتر ومعالجة النزوح الليبي الداخلي
مما لا شك فيه، أنّ مسيرة المصالحة الوطنية الليبية ستكون طويلة ومعقَّدة، نظراً لحجم الملفات والتدخلات التي شهدَتها الساحة الليبية، وبالتالي هناك العديد من القضايا الملحّة التي تحتاج إلى بحثٍ ومعالجة قبل وخلال وبعد إنجاز المصالحة.
ومن هذه القضايا، ملف النزوح الداخلي الذي برز نتيجة الأحداث، وتحديداً منذ عام 2012.
فقد ظهرت فئة جديدة على الساحة الاجتماعيّة الليبيّة بعد عام 2012، وهي فئة النازحين والمهجَّرين بسبب الحروب والاقتتال، الذين يواجهون مصاعب متعدّدة نتيجة فقدانهم لمصادر الدخل، وتردّي أوضاع معيشتهم، وصعوبة حصولهم على
خدمات التعليم والصحّة اللازمة.
وبلغت أعداد النازحين في عام 2016 ما يقارب 435,000 شخص داخليّاً، كذلك هاجر نحو 125,000 شخص إلى الخارج، علماً أنّ بعض التقديرات تشير إلى أنّ نحو 200,000 شخص عادوا إلى ليبيا في السنوات الماضية، إلا أنّ غالبيّة هؤلاء
واجهت تحدّياً في إعادة الاندماج بالمجتمع، وإعادة بناء الحياة الطبيعيّة واللائقة.
وفي بداية عام 2017، كان أكثر من 1.3 مليون شخص، بمن فيهم النازحون داخليّاً والعائدون والمهاجرون واللاجئون وطالبو اللجوء والضعفاء من غير النازحين، بحاجة إلى المساعدة الإنسانية.
ووفقاً للمفوضية السامية لشؤون النازحين، فقد بلغ عدد النازحين جرّاء الحرب التي جرت جنوبيّ طرابلس 425,714 نازحاً.
هذا الواقع، وتلك الأرقام التي قد تزيد أو تنقص هنا أو هناك من المناطق، لا شك في أنها تفاقمت أيضاً بعد كارثة الإعصار دانيال الذي ضرب مدينة درنة وبعض المدن شرقيَّ ليبيا، وبالتالي فإنّ أزمة النزوح الداخلي تفاقمت وباتت بحاجة إلى
تدخلات سريعة.
وانطلاقاً من موقعه ودوره رئيساً للجنة المصالحة الوطنية، فإنّ الدكتور الصدّيق خليفة حفتر، يسهر على متابعة هذا الملف مع غيره من ملفات المصالحة، وهو يُشدد على ضرورة إيجاد حلول دائمة لجميع المتضررين، ووضع خطة وخريطة طريق شاملة، من شأنها أن تحدد الأدوار والمسؤوليات بين الوزارات والهيئات المختصة، مع أهمية التنسيق بين المجموعات الإنسانية والإنمائية التي تواكب هذا الملف من الداخل والخارج.
ويلفت الدكتور حفتر إلى أنّ أزمة النزوح في ليبيا شديدة التعقيد، وتفاقمت نظراً للإمكانات المحدودة لتلبية احتياجات النازحين، كذلك لم تتمكن وكالات الأمم المتحدة من الوصول إلى جميع النازحين بسبب المخاوف الأمنية.
ودعا الدكتورالصدّيق المجتمع الدولي إلى إيلاء اهتمام أكبر لهذه القضية ومعالجة مواطن الضعف التي تواجه النازحين.
ويعتبر الدكتور حفتر أنّ الأمن والعدالة وإعادة بناء الثقة داخل المجتمع الليبي، هي من العوامل الأساسية التي تُساهم في حلّ هذه المعضلة التي تحتاج أيضاً إلى الكثير من الإجراءات القانونية، إلى جانب مواكبة المبادرات التي تقودها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في هذا المجال.
إنّ بناء الثقة بين المجتمعات النازحة وبين قطاعَي الأمن والعدالة، قد يُسهّل أيَّ مبادرة مزمعة لعودة النازحين في ليبيا وإعادة الإدماج، ويُجنّب الواقع الليبي مجتمعات نازحة جديدة.
كذلك يقتضي الأخذ بتوصيات لجان الأمم المتحدة التي عملت على هذا الملف، والمقترحات التي قد تتوصل إليها لجنة المصالحة الوطنية التي قد تُشكل لجاناً فرعية متخصصة في الملفات الشائكة، كملفّ النزوح وملفّ العفو وغيرهما.