الوطنُ شجرةُ الجميعِ وأدعو المغتربينَ إلى العودةِ للعيشِ تحتَ ظلالِها الدافئةِ
مهما تطورَتِ البشريةُ، يبقى الإنسانُ النواةَ الأولى، والديناميكيةَ، ونقطةَ التحولاتِ التي يرتكزُ عليها العالمُ اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً، وكلُّ ما يتعاملُ معهُ من أجلِ الإنسانِ نفسِهِ. ولا يخفى على أحدٍ ظاهرةُ الاغترابِ، وخصوصاً عندَ الشبابِ، التي أصبحَتْ مشكلةً اجتماعيةً واقتصاديةً واضحةَ المعالِمِ والأركانِ، وهيَ تفشَّتْ في مجتمعِنا، ولها أبعادُها النفسيةُ والأمنيةُ والسياسيةُ، وجيلُ الشبابِ هو جيلُ العملِ والإنتاجِ، لأنه جيلُ القوةِ والطاقةِ والمهارةِ والخبرةِ.
وتُعتَبَرُ الهجرةُ ظاهرةً عالميةً ودوليةً، وفي العقدِ الأخيرِ بدأتْ تبرزُ بشكلٍ لافتٍ في ليبيا، وفي العديدِ منَ المدنِ الليبيةِ نتيجةً لتردي الأوضاعِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ والاجتماعيةِ لدى فئةِ الشبابِ. ففيما ينتقلُ بعضُهُم إلى دولٍ جديدةٍ لتحسينِ وضعِهِم الاقتصاديِّ، يغادرُ البعضُ لمتابعةِ تعليمِهِمِ الجامعيِّ، أو بحثاً عن فرصٍ لمستقبلٍ أفضلَ، ويغادرُ آخرون ليبيا بسببِ الفقرِ، ويرحلُ كثيرون لمزيجٍ منَ الأسبابِ.
وتُعتَبَرُ ظاهرةُ الاغترابِ في بلدِنا ظاهرةً اجتماعيةً خطيرةً بانعكاساتِها على المجتمعِ أولاً، وعلى حياةِ الأفرادِ فيه، كذلك لها مزايا تعودُ على وطنِنا الأم، ليس على صعيدِ التحويلاتِ الماليةِ فحسب، بل أيضاً على صعيدِ المهاراتِ والمعارفِ الجديدةِ، والأفضلُ من بينِ تلك المزايا هي التي تُستثمَرُ ويُعمَلُ بها في الوطن الأم، وكذلك لها مساوئ.
وما يجدرُ أن نتوقفَ عنده، ارتفاعُ عددِ طلباتِ لجوءِ الليبيين للاتحادِ الأوروبيِّ إلى 2450 في عامِ 2023، وقد قُبِل 36 بالمئة منهم، وفقَ الدراسةِ التي نشرَتْها “وكالةُ الاتحادِ الأوروبيِّ للجوء” (UEAA)، المتخصصةُ في النظرِ في طلباتِ اللجوءِ لأوروبا في 22 فبراير/شباط 2023.
وتتنوعُ المجالاتُ التي تنعكسُ عليها هذه المساوئُ، إذ تُعتبَرُ هجرةُ العقولِ الليبيةِ خسارةً في مجالِ التعليمِ، وخصوصاً في مرحلةِ التعليمِ الجامعيِّ. وبالنظرِ إلى معدلِ الأميةِ في ليبيا، فإنه يشكلُ أحدَ المعوِّقاتِ الرئيسيةِ أمامَ التنميةِ في بلادِنا. كذلك يمثلُ رأسُ المالِ المصروفِ عليهم خسارةً للاقتصادِ الوطنيِّ، إضافةً إلى أنَّ هجرةَ العقولِ الليبيةِ تمثلُ اقتطاعاً من حجمِ القوةِ العاملةِ الماهرةِ المتوافرةِ في ليبيا، ما يؤدي إلى خسارتِها لقسمٍ مهمٍّ من القوى المنتِجةِ في مختلِفِ الميادينِ، وبالتالي إلى زيادةِ التوترِ في سوقِ القوى العاملةِ العاليةِ المستوى.
ومن هنا أدعو جميعَ المغتربينَ للعودةِ إلى أرجاءِ الوطنِ، وأؤكدُ لهم في هذه الأوقاتِ الصعبةِ أنّ الوطنَ غالٍ، والوطنُ على وشكِ الانتهاءِ من تأمينِ كلِّ متطلباتِ البيئةِ التي تناسبُ كلاً منكم في مجالِ عملِهِ. فلتكُنْ قلوبُكُم حاضرةً في كلِّ ما تحبونه وترغبون فيهِ وفي توافرِهِ في وطنِكُم. فالتعليمُ الجامعيُّ يشهدُ الكثيرَ منَ الحداثةِ والعصرنةِ، لأنَ قلوبَنا تأملُ بالأفضلِ، والشيءُ الأكثرُ أهميةً هو أنَّ الوطنَ الأمَّ لا يزالُ يعيشُ فينا، ونحن ملزَمون بتقديمِ التضحيةِ، رداً على تضحياتِهِ العظيمةِ التي قدَّمَها لكلٍّ منا ولعائلاتنا ومجتمعنا.
وتذكروا أنه “عندما يطلقُ الصيادُ طلقةً باتجاهِ الطيورِ الموجودةِ على أغصانِ الشجرةِ، فإنَّ الطيورَ تطيرُ، لكنَّ الشجرةَ تبقى”. ومهما حصلَ، فإنّ وطنَنا هو شجرةُ الجميعِ في الداخلِ والخارجِ.