الانتخابات البريطانية المقبلة.. هل سيخسر المحافظون؟

يقاوم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، حتى الآن إجراء انتخابات مبكرة، لكن الوضع الاقتصادي البريطاني، متأثرا بالدعم المالي الذي تقدمه البلاد للحرب في أوكرانيا، إلى جانب السياسات المتطرفة في حرب غزة، قلب رأي الناخبين البريطانيين ليسحب البساط من تحت أقدام سوناك وحزبه.


كشفت أحدث البيانات الصادرة عن مركز الإحصاء الوطني البريطاني، والتي صدرت يوم الخميس المنصرم، أن الاقتصاد البريطاني دخل فترة من الركود نهاية العام الماضي (2023)؛ وهي قضية أضرت بشدة بمصداقية الحزب المحافظ الحاكم عشية الانتخابات الوطنية.

وأعلن مركز الإحصاء الوطني في المملكة المتحدة (ONS) أن مؤشر الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة 0.1% في الربع الثالث من عام 2023 وبنسبة 0.3% في الربع الرابع؛ وبهذه الطريقة، دخلت بريطانيا رسميًا في حالة ركود.

ويحدث الركود الاقتصادي عندما ينخفض ​​مؤشر الناتج المحلي الإجمالي لفترتين متتاليتين. وفي الوقت نفسه، لا تزال حالة التضخم في بريطانيا في وضع حرج. إذ تشير الإحصائيات الجديدة إلى أن أزمة أسعار الطاقة أدت إلى زيادة مدى الفقر المدقع في البلاد إلى أعلى مستوى خلال الثلاثين عامًا الماضية. وارتفع هذا الرقم إلى 12 مليون نسمة في 2022-2023، أي بزيادة 600 ألف نسمة أو 0.78% عن الفترة الإحصائية السابقة.

وأعلنت وزارة العمل والمعاشات البريطانية في تقرير رسمي أن عدد الأطفال الذين أصبحوا فقراء في البلاد ارتفع. وقالت الوزارة إنه وفقا للإحصاءات، يعيش 4.33 مليون طفل في بريطانيا في أسر منخفضة الدخل. وكان أعلى رقم تم تسجيله من قبل يتعلق بالـ 12 شهرا المنتهية في مارس 2020، حيث بلغ عدد هؤلاء الأطفال 4.28 مليون طفل. وكان هذا الرقم حوالي 4.22 مليون في مارس 2022. وتشير هذه الإحصائيات بوضوح إلى أن الحكومة فشلت في حماية الشرائح الضعيفة من أزمة غلاء المعيشة.

في الوقت نفسه، كتبت صحيفة أوبزرفر الأسبوعية في تقرير لها أن الفقر بين الأطفال البريطانيين خرج عن السيطرة وأن المدارس في هذا البلد تحولت حتما إلى سكنات للاستحمام وغسل ملابس الطلاب. وكتبت “الأوبزرفر”: “يقول مدراء المدارس إنهم بالإضافة إلى مساعدتهم في التخفيف من حدة الجوع، فإنهم يتعاملون مع زيادة عدد الأطفال الذين يعيشون في منازل ليس لديها أسرة كافية أو غير قادرين على النوم بسبب الطقس البارد”. ويحذرون من أن الفقر تسبب في مشاكل سلوكية وتغيب مزمن ومشاكل في الصحة العقلية بين الطلاب.

رداً على هذا الوضع، طالب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر، بينما حذر الحكومة البريطانية من انتهاك القوانين الدولية في مجال التخفيف من حدة الفقر في هذا البلد، بزيادة تكاليف مساعدات الرعاية الاجتماعية للشعب البريطاني.

وشدد أوليفييه دي شوتر على أن مستوى الفقر في بريطانيا غير مقبول وأن حكومة البلاد تنتهك القوانين الدولية في هذا المجال، وطلب من الوزراء البريطانيين زيادة تقديم مساعدات الرعاية الاجتماعية. وشبه نظام الرعاية الاجتماعية البريطاني بثقب الدلو، وفي مقابلة مع صحيفة الغارديان، في إشارة إلى تقرير فيليب ألستون، الممثل السابق للأمم المتحدة، بشأن الإذلال الممنهج لجزء كبير من سكان البلاد من قبل الحكومة البريطانية المحافظة، وقال: “لقد تفاقم الوضع”.

وعشية الانتخابات، تسبب هذا الوضع في تصاعد الضغوط داخل الحزب المحافظ البريطاني الحاكم لإقالة ريشي سوناك من منصب رئيس الوزراء. وتظهر معظم استطلاعات الرأي تقدم الحزب المنافس (العمال) بزعامة “كير ستارمر” وتشير إليه وسائل الإعلام البريطانية بـ”رئيس الوزراء المنتظر”. وأعلنت صحيفة “ديلي ميل” اليمينية في تقرير لها عن عقد اجتماعات سرية لممثلي الجناح اليميني في حزب المحافظين وكتبت أنهم يناقشون إقالة سوناك وتعيين “بيني موردانت”.

ويشكل مجال البيئة تحديًا آخر للحزب الحاكم في بريطانيا، وبحسب إعلان وكالة البيئة البريطانية، فقد قامت شركات المياه والصرف الصحي في بريطانيا بتصريف أكثر من 6.3 مليون ساعة من مياه الصرف الصحي في الأنهار والبحار العام الماضي، وهو ما يمثل نحو الضعف مقارنة بإحصائيات عام 2022.

إن السياسات المتطرفة لرئيس الوزراء البريطاني الحالي تجاه طالبي اللجوء، وقمع المناصرين لفلسطين تحت مزاعم مواجهة معاداة السامية، والتعاون مع أمريكا في جرائم غزة، تسببت بشحن الأجواء لدى مجتمع التصويت البريطاني لريشي سوناك والحزب الداعم له.

تجرى الانتخابات العامة كل خمس سنوات لانتخاب أعضاء البرلمان في بريطانيا. وفقا لتقليد طويل الأمد، يقام هذا الحدث في الربيع أو الخريف. وكان سوناك قد أعلن في وقت سابق أنه يعتزم إجراء انتخابات عامة في النصف الثاني من عام 2024. وبموجب القانون فإنه ملزم بإجراء الانتخابات في موعد أقصاه 28 يناير 2025.

ولم يحدد بعد الموعد الدقيق للانتخابات ومن غير المرجح أن يحدد موعد هذا الحدث السياسي خلال الشهر أو الشهرين المقبلين. وفي نهاية مارس/آذار الماضي، رفض سوناك التكهنات بشأن إجراء انتخابات مبكرة في هذا البلد، وأعلن أن ماراثون الانتخابات سيعقد في النصف الثاني من عام 2024 كما هو مخطط له. لكن حزب العمال يصر على إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن. وعلى أية حال، فإن الشعب البريطاني سوف يتوجه إلى صناديق الاقتراع هذا العام ليقرر المصير السياسي لهذا البلد. وما يبدو واضحاً وفقاً لمعظم استطلاعات الرأي هو أن الحزب المحافظ الحاكم ليس لديه حظوظ كبيرة في الانتخابات المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *