لماذا إيران؟ و ما البديل في سورية إن خرجت؟
كما يعلم الجميع فإن دخول الإيرانيين جاء بطلبٍ و تنسيقٍ من الحكومة الشرعية المنتخبة في الجمهورية العربية السورية برلماناً و حكومةً و رئيساً و لا تزال كل تحركات الإيرانيين منذ ثلاث عشرة سنة مع تنسيق كامل مع دمشق و بترتيب و احترام و تحطّ طائراتهم في مطارات سورية مثلهم مثل كل الطائرات التي تهبط في مطارات سورية المختلفة دون اختصاص مطار دون آخر أو تسمية مطار بعينه للإيرانيين.
في ظل وجودالاحتلالين التركي و الأمريكي في الميدان السوري و بعد مايزيد على ثلاثة عشر شهراً من بدء معركة طوفان الأقصى يكثر الحديث إعلامياً من جهات معروفة عن إخراج القوات الإيرانية من سورية في توقيت مشبوه بكل تفاصيله فهل يمكن فعلاً إخراج إيران؟ و هنا لابد من الإجابة على الأسئلة المهمة التالية:
من يستطيع ملء الفراغ العسكري في سورية بعد خروج إيران؟
من يستطيع تحمل الأعباء الإقتصادية التي يتكبدها الإيراني شهرياً في سورية؟
من يضمن لسورية الاستقرار و عدم تواطؤ أطراف معينة في العودة لعام ٢٠١١ و أعني هنا الموقف العربي و الموقف الدولي؟
في ظل وجود الاحتلالين الأمريكي و التركي و تقليص الوجود الروسي في سورية بعد حرب أوكرانيا، ماذا يمكن أن يقدم الانسحاب الإيراني لسورية و لشعبها؟
الإيراني كحليف لسورية و شخصياً لللرئيس بشار الأسد لم يفكر و لو للحظة خلال عقد و نصف من الزمن بالتخلي عن الأسد و لم يكن يوماً مصير الأسد مطروحاً على طاولة النقاش بين إيران و أمريكا أو إيران و العرب أو إيران و الغرب، و الكل يعرف تماماً حجم الضغط الذي تحمله الإيرانيون داخلياً و إقليمياً و دولياً في سبيل الدفاع عن سورية.
الدعم السياسي و العسكري: منذ بدء الاجتماعات العربية و الإقليمية و الدولية ضد سورية بدأ الحراك المكوكي الإيراني لتحشيد دعم سياسي للأسد و توضيح ما يجري في الداخل السوري من خلال وثائق أمنية عن مجريات الواقع في سورية و محاولة الإيرانيين و نقل صورة عن الرواية الرسمية السورية و تخفيف الاحتقان السياسي الدولي ضد الحكومة السورية في المحافل الدولية و الرسمية التزاماً برد الجميل للرئيس حافظ الأسد و الشعب السوري الذي وقف مع الشعب الإيراني في الحرب المفروضة. لقد كانت الطائرة الإيرانية يتيمةً وحيدة على طول ثمان سنوات تحط حاملةً الوفود السياسية من ساسة و وزراء و مدراء و مستشارين تحط في مطار دمشق الدولي الذي لم تكن غير شركة سورية خاصة تحط فيه و بعض طائرات الشركة السورية للطيران و كنا نسمع جيداً من على متن الطائرة صوت المضادات التي تنطلق من غوطة دمشق باتجاه الطائرة أو على الأقل في سماء دمشق إرعاباً و إرهاباً للطائرات و لكن بدون أدنى خوف أو تردد كان الساسة الإيرانيون يحطون رحالهم في دمشق و يجرون اللقاءات في كل مكان مع نظرائهم دعماً لسورية و قيادتها و شعبها.
من جهة أخرى، منذ انطلاق العمليات العسكرية و انخراط الإرهابيين في أعمال إرهابية استفزازية تخريبية دخل المستشارون الإيرانيون الميدان إلى جانب رفاقهم في الجيش العربي السوري لمواجهة الإرهاب المدعوم تركياً و عربياً و دولياً. بينما كانت صفوف الجيش السوري تشهد فوضى عارمة و انشقاق و فرار ضباط و أفراد بتمويل إقليمي و تهديد المجموعات المسلحة لعوائل الجنود السوريين بالقتل و الذبح و التنكيل بهم و بأبنائهم مالم يتركوا صفوف الجيش العربي السوري.
المطارات كتائب الدفاع الجوي و كتائب المشاة و مراكز الأمن و الشرطة و مؤسسات الدولة كلها كانت أهدافاً للهجمات الإرهابية و خلال عامين من بدء المعارك فقد الجيش السوري سيطرته على مايقارب سبعين بالمئة من الأرض السورية و سقطت محافظات و مدن بأكملها كالرقة و إدلب و محافظات أخرى لم يبقى منها إلا جزء صغير من مركز المدينة كدرعا و دير الزور و حلب و حمص و حتى العاصمة دمشق. دخل الإيرانيون المعركة على كامل الجغرافيا السورية و قدموا آلاف الشهداء و بحسب تقریر نشرته إرنا الإيرانية العام الماضي نقلاً عن رئيس مؤسسة الشهداء السيد قاضي زاده هاشمي أن هناك في البلاد ٧٣٠٨ بين شهيد و مصاب حرب سقطوا في سورية ناهيك عن شهداء القوات المدعومة من إيران كحزب الله و غيرهم.
ملايين الدولارات من الأسلحة التي نقلت إلى سورية التي كانت بحاجة لتسليح و التي لم تتمكن من ترميم ترسانتها منذ أن انهار الاتحاد السوفييتي بينما كانت هذه الأسلحة تصل من إيران بمواعيد محددة لتدعيم صمود القوى الأمنية و الجيش و كذلك الدعم اللوجستي و تقنيات الحرب الإلكترونية الحديثة و آلاف المسيرات الحربية المقادة و الانتحارية و الصواريخ الحرارية و الأسلحة المتوسطة و تقنيات التتبع و التشويش الباهظة الثمن و كلها قدمتها إيران في الحرب دون أن تقبض سنتاً واحداً من دمشق حتى تاريخه.
تدريب الضباط السوريين في الأكاديميات العسكرية الإيرانية و تنمية قدراتهم القتالية و استكمال دراساتهم العسكرية الأكاديمية كانت من الجوانب المهمة الأخرى للدعم الإيراني اللامحدود لسورية و الذي لم يشهد له التاريخ مثال.
الدعم الإقتصادي و الإجتماعي:
لقد تكبدت إيران الكثير إقتصادياً في سورية و أهم ما تكبدته الخطين الإئتمانيين الذين تم تفعيلهما مع دمشق و كذلك مليوني برميل من النفط الخام شهرياً تصل بوقتها لدمشق دعماً للشعب و الحكومة السورية و هذه الشحنات النفطية لم تتوقف منذ ثلاث عشرة عام بشكل دوري و منتظم لتصب في سورية دون أن تدفع سورية منها سنتاً واحداً حتى هذه اللحظة. و بالمقابل فإنه لا يزال يغمر السوق السورية المنتجات التركية التي تعود عائداتها لجيوب رجالات تركية الذين كانوا السكين الذي حزّ رقاب هذا الشعب و دمر صناعته و سرق خيراته. بينما لم تقدم الدول التي تدعي حرصها اليوم على سورية برميل نفط واحد و هي دول تشكل نسبة مهمة من نفط العالم كله و تتحكم بأوبك كلها و هي التي لم تقدم حتى الآن متراً من الغاز لسورية و تقف عاجزة متحيرة من عصى العقوبات الأمريكية على سورية.
الاتفاقيات العلمية الجامعية و الصحية و الخدمية بين الجانبين و تدريب الطلاب و الأساتذة و الأطباء في البلدين و تأمين منح دراسية لأعضاء الهيئة التدريسية السورية من معيدين طيلة فترة الحرب دون أي مقابل و خاصة في الفترة بين عامي ٢٠١٢ و ٢٠١٧م و لقد تخرج الآلاف منهم من الجامعات الإيرانية حالهم حال الطلاب الإيرانيين و لقد نالوا عناية و اهتماماً خاصاً لم يلقاه أي طالب في إيران من جنسيات أخرى.
من ناحية أخرى حافظت إيران على إلغاء الفيزا مع سورية و كانت ملجأً للسوريين على اختلافهم إذ كانت النافذة الوحيدة لسورية على العالم و بينما ألغت عدة دول هذه الميزة مع سورية كتركية و السودان و غيرهم بقي الشعب السوري يدخل طهران عزيزاً مكرماً، بينما كان دخول الإيراني لسورية يحتاج لتنسيق مسبق و موافقةٍ أمنية و كان العشرات أو المئات شهرياً يدخلون إيران و ينتقلون منها إلى العالم و هذا ما يدل على عمق الأخوة بين البلدين.
الكثير و الكثير من الدعم الذي يعرفه السوريون و الإيرانيون جيداً تم بذله بكل سخاء دعماً لسورية و صمودها و ما إن شارفت الحرب على الانتهاء حتى بدأت بعض الدول الحديث عن إخراج إيران من سورية و أنها تشكل عائقاً للتطبيع العربي و نقطة لا استقرار. عجباً لما نسمع إذ لا نسمع حديثاً عن إخراج المحتل الأمريكي و المحتل التركي و القوات الكردية غير الشرعية القادمة من جبال قنديل، بينما يتم الحديث عن الشريان و المتنفس الوحيد لسورية الأسد في ظل الحصار الخانق الذي يمارسه الجميع على سورية و ذلك لإخضاع سورية و شعبها و قيادتها و إجبارها على تسوية ذليلة لا يرضاها الرئيس الأسد الذي انتصر على كل أعدائه صامداً عزيزاً واثقاً.
و إن كان البعض ينقلون و يرسلون النُذُر و الرسل للأسد فهم لايملكون زمام أمرهم حتى يملكوا زمام غيرهم فلا يستطيعون رفع الحصار و إلغاء العقوبات و لا يقدمون شيئاً في سبيل الإعمار. إيران و بالرغم من الإغراءات التي تلقتها من الأمريكيين و بعض العرب لا تزال صلبة بموقفها حيال سورية و لم تتراجع قيد أنملة، و لكن على الساسة في دمشق أن يعوا جيداً خطورة الموقف و حساسية المرحلة و أن يتخذوا موقفاً واضحاً لا لبس فيه بكل شفافية. فلا إيران قبلت على مر التاريخ التخلي عن حلفائها و لن تتخلى اليوم أيضاً و لمن يظن أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تصل للعجز يوماً و لمن لا يعرف إيران أن يسأل كم تستغرق من وقت حياكة سجادة أعجمية، و كم يستغرق قطاف كيلو غرام من الزعفران، فصبرهم استراتيجي و ضرباتهم موجعة.