ثروات الإتحاد الضائعة
في منطقةٍ يُمكن وصفها بالبقعة المظلمة في إفريقيا يعيش مائة مليون نسمة، عشرةٌ بالمئة منهم تحت خط الفقر، وعشرون بالمائة من البطالة، وديونٌ خارجيةٌ تتخطى حاجز المئة مليار دولار.
إنَّها دول المغرب العربي، ولكن دعونا نتوقف قليلًا، هل المغرب العربي يفتقر للثروات? بالطبع لا، لكنها ضائعةٌ منذ سنين، ولم يجدها أحد، بالأرقام والتفاصيل المغرب العربي وقصة الثروات الضائعة.
تعيش دول المغرب العربي منذ سنواتٍ تدهورًا اقتصاديًا مستمرًا، وتُسجَل فيها أعلى معدلات الفقر والبطالة في العالم، مع متوسط دخلٍ للفرد من الأقل في العالم أيضًا، إلَّا أن تلك البقعة التي تعصف بها الأزمات تعيش على بحرٍ من الثروات النفطية والبحرية والمعدنية وأبرزها الزراعية، فأين تلك الثروات إذًا?!
ثروات الجزائر المدفونة، يعتمد الاقتصاد الجزائري بشكلٍ رئيسيٍ على الثروة النفطية، فهي تُقدر بسبعة وتسعين بالمئة من صادرات البلاد، وما يُقارِب ستين بالمئة من الميزانية العامة للدولة، وفي ذات الوقت تتصدر الجزائر في مجال النفط، فيُقدر الاحتياطي الذي تملكه بخمسةٍ وأربعين مليون طنًا، وتقع في المرتبة الثامنة عشر من حيث الإنتاج، والثانية من حيث التصدير.
كما أنَّها تملك ميزانية كبيرة؛ حيث تقوم بتكرير نصف موادها النفطية، ومع النفط تتمتع الجزائر بمخزونٍ كبيرٍ من الغاز الطبيعي، فهي تحتل المرتبة الخامسة من حيث الإنتاج، والثالثة في التصدير، بالإضافة لذلك تملك الجزائر ثرواتٍ معدنيةً متنوعة مثل الحديد والزنك والرصاص، ومعادن ثمينة مثل الماس والذهب، لكنَّها لا تُستَخدَم بالشكل الصحيح حتى الآن.
وأحد أبرز الثروات الضائعة فيها هي الثروة الزراعية؛ حيث تقدر الأراضي القابلة للزراعة في البلاد بنحو ثلاثة فاصل خمسة بالمئة من إجمالي مساحتها، لكن أكثر من ربعها لا يتم استخدامها، وهي النقطة التي تُشكِل حاجزا أمام تنمية القطاع الزراعي.
بحر ليبيا النفطي، ليبيا التي اعتقد العالم أنَّها من أفقر الدول تعيش على بحرٍ من النفط، فالاقتصاد الليبي منذ عهد القذافي وبعده يعتمد على النفط بشكلٍ رئيسي، فهو يُشكِّل ستين بالمئة من العائدات المالية لها، إذ تمتلك ليبيا احتياطيًا نفطيًا يُقدَر بأكثر من واحدٍ وأربعين مليار برميل، وتُنتِج يوميًا حوالي مليوني برميل، كما أنَّها تملك احتياطيًا كبيرًا من الغاز الطبيعي يُقدَّر بأكثر من اثنان وخمسين تريليون قدمٍ مكعب، أمَّا إنتاجها اليومي يقدر بأحد عشر مليار متر مكعب، وأحد أبرز الثروات التي لم يتم استغلالها هي الموارد البتروكيماوية، بالإضافة للحديد والصلب.
بهذه الثروات الهائلة وبتعداد السكان الذي لا يتجاوز سبع ملايين، من المنطقي أن يكون دخل الفرد عالٍ مقابل الدول الثانية، لكن الواقع يقول غير ذلك في ليبيا، فمنذ عهد القذافي لم يحصل الليبيون على تلك الثروات وعقب سقوطه لم تهدأ البلاد أبدًا لتدخل صراعاتٍ عدة مستمرة حتى اليوم، حولت أموال تلك الثروات إلى وقودٍ لاستمرار الحرب.
تونس الضائعة، قد تعتبر تونس أحد أقل دول المغرب العربي من حيث الثروات، فهي تملك كمياتٍ ليست بالكبيرة من النفط، ما يُقدر إنتاجها اليومي بأكثر من سبعةٍ وتسعين ألف برميل، في حين تتمتع بثروةٍ جيدةٍ من الغاز الطبيعي، إذ تبلغ احتياطات الغاز فيها خمسة وستون بليون سنتيمتر مكعب، أمَّا احتياطي النفط فيًقدر بأربعمائة وخمسين مليون برميل فقط.
وأحد أبرز الثروات التي تمتلكها تونس هي الثروة المائية، التي تقارب الخمسة بالمائة من مساحتها الإجمالية، ومعها تمتلك أراضٍ صالحة للزراعة تقدر بأكثر من سبعة عشر بالمئة من مساحتها، وتتمتع بواجهتين بحرية على البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة لسنوات ٍجيدةٍ من الحديد والذهب وغيره ورغم ذلك لا يزال مردودها ضعيفًا جدًا، وتعيش أزمة بطالة متفشية في البلاد، في حين يتوقع محللون أن اقتصادها قابلٌ للتطور خلال سنوات قليلة، إذا تم استثمار تلك الثروات بشكلٍ صحيح، خصوصًا أنَّها لا تملك تعدادًا سكانيًا كبيرًا،.
مغرب الفوسفات، المغرب يتصدر العالم في احتياطي الفوسفات، ويحتل المرتبة الثالثة عالميًا في إنتاجه، والذي يُقدر بأكثر من تسعة وعشرين مليون طنٍ سنويًا.
يدر للدولة المغربية مليارات الدولارات، ويُقال: أن فوسفات المغرب تضم في مكوناتها معدن اليورانيوم، والذي يعتبر مادة ثمينة جدًا يتم استخدامها في الصناعات النووية، لكن المغرب لا يستغل تلك المادة الثمينة، لأنَّه ببساطة يصدر الفوسفات كمادةٍ خام، ومع ثروات الفوسفات يعتبر من أهم الدول المنتجة للثروة السمكية، حيث يملك سبعة عشر ميناءً مخصصًا للصيد، تُنتِج أطنان الأسماك سنويًا، وتُدر على الدولة أيضًا ملايين الدولارات.
كما أنَّها تتمتع بأراضٍ خصبةٍ وفيرة تقدر مساحتها بخمسة وتسعين ألف كيلو متر مربع، وعلى الرغم من ذلك يشتكي المغاربة من البطالة دائمًا، ونرى المظاهرات في الأرياف تتكرر بين الحين ؛ مطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية وتوزيع تلك الثروة بالعدل.
موريتانيا الفقيرة، أحد دول المغرب العربي هي موريتانيا والتي تعتبر أفقرها، وقد تكون أفقر دولة في الشرق الأوسط، لكن تلك الدولة التي يُعاني ما يُقارِب تسعين بالمئة من شعبها الفقر، تملك ثروة كبيرة قادرةً على انتشالها من الفقر.
فهي تملك احتياطيًا من النفط يُقدَر بستمائة مليون، لكنها لا تستخرج يوميًا أكثر من ثمانية آلاف برميل، ولا يُمثِل ذلك الكثير من نتاجها الداخلي، مع النفط تمتلك مصادر أُخرى للطاقة، منها احتياطات الغاز الطبيعي التي لم يُستَخرَج منها شيءٌ حتى الآن، بالإضافة لمناخها الشمسي الدائم الذي يُمكِّنها من استغلال الشمس في توليد الطاقة، وهو الأمر الذي لم يُنفَذ حتى اليوم.
كما أنَّها تُعتبر من أغنى الدول بالموارد المعدنية، لكنها لا تستخرج سوى القليل منه فقط، وتصدر أيضًا الذهب والنحاس، لكن كل تلك الثروات تستخرج بنسبٍ قليلة؛ والسبب الأول والرئيس لذلك هو فقدانها للموارد البشرية، ما يجعلها عاجزةً عن تحقيق القفزة الكبرى.
قد ينظر العالم للمغرب العربي على أنَّهُ من أفقر المناطق، لكنَّهُ في الحقيقة يتمتع بثرواتٍ مبهرة، قادرةً على إعدام الفقر والبطالة، لكنه يبقى بحاجة عملٍ جادٍ ومتقن، وهو الأمر الذي يفتقده المغرب العربي حتى اليوم، فهل سيأتي يومٌ نرى دول المغرب العربي تُحقِّق النهضة بفضل استثمارها لتلك الثروات؟!!
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية
د خالد زين الدين