دراسة بعنوان:”عمالة الأطفال في ظل قانون العمل”
بسم الله الرحمن الرحيم
دراسة بعنوان:
“عمالة الأطفال في ظل قانون العمل”
إن عمالة الأطفال غالباً ما تُهدِّد سلامة الطفل وصحته ورفاهيته، لأنها تضع أعباءً ثقيلة عليه، وتحرمه من طفولته، كما تؤثِّر سلباً على مستواه العلمي، إذ أن الطفل الذي يندمج في سوق العمل، يتخلى عن دراسته ويُصبح أمياً، ويُحرم من حقوقه ورفاهيته، لأن مُعاملة الأطفال في ميدان العمل عادة ما تكون قاسية، بسبب ضعف الطفل وعدم قدرته على الدفاع عن حقوقه، في ظل تسلُّط بعض أرباب العمل عليهم بحُجَّة ضبطهم وإلزامهم على الإنتاجية.
وقد ألقت الأزمات المُتلاحقة في لبنان بثقلها على طبقات المُجتمع، ووضعت غالبية الشعب دون مستوى خط الفقر، مما إضطر عدداً من أولياء الأمور لصرف النظر عن تسجيل أبنائهم في المدارس، بسبب عدم قدرتهم على تسديد الأقساط المدرسية، وشراء الكتب والقرطاسية التي فاق سعرها الخيال، ودفعهم لإلحاق إبنائهم في ميدان العمل دفعاً للعوز والجوع.
وأمام هذا الواقع الأليم الذي حلَّ بمُجتمعنا، كان لا بُدَّ من تسليط الضوء على مسألة عمالة الأطفال، وبيان أحكام قانون العمل التي ترعى ذلك.
المبدأ: حظر تشغيل الأحداث: فقد نصَّت المادة 22 من قانون العمل (المُعدَّلة بالقانون رقم 536 تاريخ 24 تموز 1996) على ما يلي:
“يُحظَّر بصورة مُطلقة إستخدام الأحداث قبل إكمالهم سن الثالثة عشرة، ويجب ألا يُستخدم الحدث قبل إجراء فحص طبي للتأكد من لياقته للقيام بالأعمال التي يُستخدم لأدائها.
تُعطى الشهادات الطبية مجاناً من وزارة الصحة العامة، وتُجدَّد سنوياً حتى إكمال الحدث سن الثامنة عشرة. ويُمكن إلغاؤها في أي وقت إذا ثبت بعد ذلك عدم لياقة الحدث للقيام بالعمل الذي إستخدم من أجله”.
وحظَّرت المادة 23 من قانون العمل تشغيل الأحداث في بعض الصناعات والأشغال الشاقة بشكل مُطلق، في حين فرضت إستحصال الحدث على شهادة طبية مجانية من وزارة الصحة العامة، تُثبت مقدرتهم الجسدية للعمل في بعض الصناعات والأشغال الأُخرى، وأجازت إسترجاع هذه الشهادة
مؤقتاً، إذا أصبح الحدث عاجزاً عن القيام بها. وحدَّدت المادة المذكورة عدد ساعات العمل وأوقات الراحة والإجازات وفقاً لما يلي:
– عدم تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات يومياً.
– حصوله على ساعة إستراحة إذا تجاوزت ساعات العمل اليومية 4 ساعات. في حين يحصل الأجير على ساعة إستراحة بعد كل 6 ساعات عمل، والأجيرة بعد كل 5 ساعات عمل.
– منع تشغيل الحدث في الفترة المُمتدة بين الساعة السابعة مساءً والسابعة صباحاً.
– منح الحدث فترة من الراحة لا تقل عن 13 ساعة مُتعاقبة بين كل فترتي عمل.
– عدم تشغيله أي عمل إضافي خلال فترات الراحة اليومية والإسبوعية أو خلال الأعياد والمُناسبات التي تُعطِّلها المؤسسة.
– منحه إجازة سنوية مُدَّتها 21 يوماً بأجر كامل، شرط أن يكون قد مضى على إستخدامه في المؤسسة سنة على الأقل، على أن يستفيد من ثلثي الإجازة دفعة واحدة، وأن يستفيد من المُدَّة المُتبقية خلال السنة نفسها.
وعلى أصحاب العمل أيَّاً كانت الفئة التي ينتمون إليها، التثبُّت من سن الأولاد والأحداث على مسؤوليتهم من خلال الإطلاع على تذكرة هويَّتهم، وفقاً لأحكام المادة 24 من قانون العمل. وقد منعت المادة 15 من القانون المذكور رب العمل ذكراً كان أم أنثى، عازباً أو هاجراً أو مطلقاً أو أرمل، أن يُسكن معه قاصراً مُستخدماً عنده.
الإستثناء: على حظر تشغيل الأحداث:
يجوز في المؤسسات المُعدَّة لتعليم الحرف، أو في المؤسسات الخيرية أن تُخالف أحكام قانون العمل، إذا تحقَّقت الشروط الثلاثة التالية مُجتمعة(المادة 25 من قانون العمل):
– أن لا يقل سن الحدث عن 12 سنة كاملة.
– أن يُبيّن في منهاج هذه المؤسسات نوع الحرف، وساعات العمل وشروطه.
– أن يُصادق على هذا المنهاج من قبل وزارة العمل ودوائر الصحة معاً.
كما عرَّفت المادة الأولى من المرسوم رقم 11019 تاريخ 7 تشرين الأول 1968 عقد التدريب بأنه العقد الذي بموجبه يلتزم رب العمل في المؤسسة التجارية أو الصناعية أو الحرفية أو المهنية، تأمين إعطاء تدريب مهني كامل يتفق وأصول المهنة، إلى شخص آخر أتمَّ الثانية عشرة من عمره على الأقل، يلتزم بدوره أن يعمل لحساب رب العمل ضمن شروط وزمان يتفق عليها.
ومنعت المادة 10 من قانون العمل كل رب عمل لم يتم الحادية والعشرين من العمر، أن يستخدم متدرِّبين دون السادسة عشرة من العمر.
وبمُقتضى المادة 30 من قانون العمل، يكون مسؤولاً جزائياً عن تنفيذ الأحكام المُتعلِّقة بإستخدام الأولاد والأحداث كلٌ من:
– أرباب العمل وعملائهم.
– الأهل أو الأوصياء الذين يكونون قد إستخدموا أو سمحوا بإستخدام أولادهم أو أحداثهم، أو الأولاد أو الأحداث الذين هم بعهدتهم خلافاً لأحكام القانون العمل.
هذا من حيث القانون، أما من حيث التطبيق، فإننا أمام مُخالفة فاضحة ومستمرة لأحكام قانون العمل، في ظل تقصير السلطات المعنيَّة بأداء واجبها، وغياب أجهزة الرقابة والتفتيش، ورزوح غالبية الناس دون مستوى خط الفقر، نتيجة الأزمات الإجتماعية والإقتصادية القاسية التي عصفت بالبلاد والعباد، ودفعت الأحداث للإنصراف إلى تحصيل لقمة عيشهم المجبولة بالقهر والذل.
في الختام، نرى أن على الوزارات المعنية في الدولة واجب التحرُّك السريع، لإيجاد الحلول المُناسبة لمسألة عمالة الأطفال، لأن تدمير الأجيال وحرمان الأطفال من فرص التعليم والرفاهية، يُرتِّب أثاراً قاسية للمُستقبل، لأننا سنكون أمام مُجمتعٍ أميٍّ تشوبه النزاعات، ويفتقر إلى أدنى مقوِّمات الحياة والعيش الكريم.
بيروت في: 12 تشرين الثاني 2020
علي محمد علي دروبي
دكتور في الحقوق