الصين بين الداءِ والدواءِ
ما هي علاقة الأدوية التي نتناولها يوميًا بالصين ؟
هناك إحتمالٌ أن أي دواء تناولته خلال السنوات العشر الماضية مصدره الأساسي من الصين حتى لو كان مدونٌ على علبة الدواء “صنع في سويسرا”، ولكن مصدر المكونات الأساسية المصنوع منها هذا الدواء هو الصين.
في نهاية شهر يوليو / تموز من عام ٢٠١٩ عقدت لجنة المراجعة الإقتصادية والأمنية الأمريكية إجتماعاً مهماً في مقر مجلس الشيوخ الأمريكي لمناقشة موضوع حساس جداً وهو إعتماد الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير على المنتجات الصيدلانية الصينية، وأول من تحدثَ في هذا الإجتماع هو كريستوفر بريس كبير الموظفين في وكالة الصحة الدفاعية الأمريكية وهي الوكالة المسؤولة عن توفير الخدمات الطبية لكافة أفرع القوات المسلحة والعسكرية الأمريكية.
وأشار بريس إلى وجود مُشكلة كبيرة وهي هيمنة الصين على قطاع الأدوية العالمي، إذ لا تقوم وزارة الدفاع في البنتاغون بشراء الأدوية إلا من الصين، وفي الوقت عينه تأتي المكونات الرئيسية للأدوية الباقية التي تشتريها وزارة الدفاع من الدول الأخرى من الصين كذلك.
لذلك أعرب بريس عن قَلقه من أن تتحكم الصين في الولايات المتحدة من خِلال إستغلال هذا القطاع وأن تحرمها من الحصول على مواد صيدلانية مهمة قد تحتاجها الوزارة كقوات مسلحة في ساحات القتال.
وكان من نتيجة تصريحات بريس أنه لفت إنتباه العديد من المسؤولين ليس في أمريكا وحدها بل في العالم أجمع إلى الهيمنة الصينية على قطاع الأدوية، حيث أن معظم شركات الأدوية العالمية أيًا كانت جِنسيتها تعتمد على الصين في تزويدها بإحتياجاتها من المكونات الفعالة، وقد ظهر تأثير هذا الإعتماد جليًا حينما تم إغلاق الحدود الصينية من خلال أزمة الوباء كورونا حيث توقَفت المصانع ، مما خلقَ أزمة شديدة في شركات الأدوية العالمية وأثّر ذلك على أسعار الدواء في كل مكان.
والشيء المدهش أن هذا الأمر يُعدّ وضعًا جديدًا؛ فإن الصين لم تكن عنصرًا مؤثراً في هذا القطاع.
– فما الذي تغير؟
– وكيف حدثت تلك القدرة الجبارة للصين في قطاع الأدوية على مستوى العالم؟
– وما هي حكاية المواد الفعالة الصينية التي تدخل في تصنيع الكثير من الأدوية على مستوى العالم؟
– وما سبب عدم وجود منافس للصين في هذا المجال؟
في عام ٢٠٢٠ تأخرت إحدى شحنات للمواد الخام الدوائية التي طلبتها إحدى شركات المستحضرات الدوائية اليابانية كاتسورا كيميكال من الهند مما أقلق رئيسها تارو كاتسورا لأن التأخير كان من دون سبب منطقي، وإستمر رئيس الشركة الدوائية اليابانية يتصل ويستعلم عن سبب تأخر الشحنة من الشركة الهندية مستخدمًا كل وسائل التواصل مثل الهاتف والبريد الإلكتروني، وفي كل مرة كان يسمع نفس الرد من الشركة الهندية (no worth) أي لا تقلق إن الشحنة قادمة لك، ولكن في الحقيقة لا شيء يصل.
وفي النهاية إكتشفت الشركة اليابانية أن المادة الخام الدوائية التي تشتريها شركته من الهند يدخل في تصنيعها مادة كيميائية أخرى لا تصنع إلا في الصين في شركة معينة، وهذه الشركة الصينية كانت متوقفة في ذلك الوقت بسبب إجراءات الإغلاق التي إتخذتها الحكومة الصينية للحد من إنتشار فيروس كورونا، فكان الوضع بإختصار هو أن الشركة اليابانية في إنتظار المادة الخام الدوائية من الهند، والشركة الهندية في إنتظار المكون الهام الذي يدخل في تصنيع المادة الخام الدوائية ، وهذا المشهد البسيط يوضح دور الصين الحيوي في صناعة الأدوية العالمية.
إن الصين لا تقوم بتصنيع الأدوية كلها ولا جزء كبير منها إلا أن معظم الأدوية في العالم يدخل في تصنيعها مكونات كيميائية صينية، وهذا ما يسميه العلماء تحديدًا بـ “Active Pharmaceutical Ingridients
” أي المكونات الصيدلانية الفعالة، والتي يسميها العديد من الناس “المادة الفعالة”.
– ولكن ما أهمية المواد الفعالة تلك؟
وكيف يتم تصنيعها من الأصل؟
إن هذه المادة الفعالة تصنَّع بشكل أساسي من مواد خام كيميائية تسمى (Key Starting Materials) أو مواد بادئة رئيسية والتي تسمى إختصارًا (SKMS)، وهذه المواد البائدة تَخضعُ لتفاعلاتٍ ومواد كيميائية معينة حتى تُنتج في النهايةِ مادةً فعالة لعلاج أعَرَاض أو أمراض معينة، ولكن ينبغي الإنتباه أن المادة الفعالة ليست هي الدواء، ولكنها هي أهم عنصر في أي دواء.
ومثال على ذلك فإن أي مسكن فعال مكوّن بشكل أساسي من عنصرين أساسين:
1. (ABI) – المادة الفعالة المسؤولة عن تخفيف الألم.
2. (Excipients) – أو السواغات وهي مواد مساعدة عديمة الفاعلية يتم إضافتها إلى المادة الفعالة.
وفي الغالب فإن شركات الأدوية لا تقوم بتصنيع المواد الفعالة للأدوية التي تقوم ببيعها بإسم لشركة، ولكن هناك شركات أخرى متخصصة في تصنيع تلك المواد الفعالة مثل شركة ديفيز الهندية أو كاتسورا كيميكال اليابانية التي سبق وأشرنا إليها، وهناك العديد من الشركات الأخرى المسؤولة عن إنتاج الـ (SKMS) أو المواد الكيميائية البادئة التي تصنَّع منها المادة الفعالة.
إن صناعة الدواء تمر بثلاث مراحل أساسية:
أولاً: يتم إنتاج المواد البادئة.
ثانيًا: يتم صنع المادة الفعالة منها.
ثالثًا: يتم صنع الدواء النهائي من المادة الفعالة ثم يباع في الصيدليات.
وفي أغلب الأحيان تقوم شركات الأدوية بشراء المادة الفعالة بصورة جاهزة من غيرها من الشركات وتقوم بإضافة السواغات وتبيعها في السوق تحت أسماء تجارية مُختلفة، وهذا هو السبب في وجود أكثر من دواء في الأسواق بنفس المادة الفعالة ولكن بأسماء تجارية مختلفة.
عند ملاحظة أساسيات سوق الأدوية نُلاحظ أن الصين تُعتبر أكبر منتِج ومصدِّر للمواد الفعالة في العالم كله.
إن الصين وحدها تُسيطر على ما يقرب من نصف سوق المواد الفعالة العالمي، وهو ما يمنحها سيطرة كبيرة على كل شركات الأدوية العالمية، وهذا وضع جديد لأنه ومن منتصف التسعينيات كان الغرب واليابان ينتجونَ حوالي ٩٠ % بالمئة من المواد الصيدلانية الفعالة، ولم يكن للصين أي وجود يُذكر في هذا القطاع الحساس، ولكن الوضع تغير في السنوات العشرين الأخيرة.
وبحسب تقديرات الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية في بريطانيا فإن الصين قد أنتجت ما يقارب من ٤٠ % بالمئة من المواد الفعالة في العالم، ونسبة ال ٦٠ % بالمئة المتبقية ليست ببعيدة عن الصين أيضاً، فعلى سبيل المثال يقوم بإنتاج المادة الفعالة الخاصة بالمضاد الحيوي العام “ليفوفلوكساسين” ثلاث شركات ، واحدة في الصين وشركتان من اليابان، ولكن المفاجأة هي أن الشركتين من اليابان تشتري المادة الفعالة في صورتها الأولية قبل مرحلة التنقية من الصين، أي أن الشركات اليابانية لم تقم إلا بعملية تنقية للمادة الفعالة التي تم تصنيعها أساسًا في الصين.
وكذلك الحال في الهند التي تفخر بإمتلاك أحد أكبر قطاعات تصنيع الأدوية في العالم إلا أنها في الحقيقة تعتمد على الصين في إنتاجها، وبحسب بيانات المفوضية الأوروبية، فإن الهند تستحوذ على ٢٠ % بالمئة من المعروض العالمي من الأدوية الجنيسة أو المكافئة مما يؤهلها لأن تكون أكبر مورِّد لهذا النوع من الأدوية في العالم، وتُعتبر الهند عملاق كبير في هذا المجال، ولكنها تعتمد على الصين في إستيراد حوالي ٧٠ % بالمئة من إحتياجياتها من المواد الفعالة والتي بدونها لن تنتج الهند أية أدوية ولن يكون هناك قطاع دوائي في الهند أصلاً.
وأمام هذا الواقع ثمة سؤال يُطرح: هل تقوم الهند بتصنيع مواد فعالة بنفسها؟
نعم تقوم الهند بتصنيع المواد الفعالة ولكن في الحقيقة هي تقوم بتصنيع مواد فعالة بإستخدام (SKMS) أو مواد بادئة من الصين، ومثال ذلك تقوم الهند بتصنيع المادة الفعالة (لاميفودين) التي تستخدم في تصنيع أدوية ذات علاقة بالمناعة البشرية، ولكن تصنيع هذه المادة يعتمد بشكل كبير على مادة بادئة تسمى (سايتوسين) من الصين، أي أن الصين هي المصدر الأساسي للأدوية.
ونتيجة لهذا أعلن رئيس جمعية تجار الأدوية اليابانية إيشيرو فوديكاوا أن تتبع سلسلة التوريد الخاصة بصناعة الأدوية يؤدي في النهاية إلى الصين، مما يؤدي لطرح سؤال منطقي وهو
كيف وصلت الصين إلى هذه المرحلة؟
في بداية الألفية الجديدة بدأ الصينيون في الإنتباه لأهمية المواد الفعالة ودورها الحيوي في صناعة مهمة وحساسة وهي صناعة الأدوية والتي تَعتبرها جميع الدول جزءًا من أمنها القومي، فبدأ الصينيون في ضخ إستثمارات ضخمة في صناعة المواد الفعالة.
وفي الوقت نفسه قدمت الحكومة الصينية تسهيلات كبيرة للشركات التي تعمل في هذا المجال حتى تُساعدها على التوسع فيه ، من خلال إقرار بعض اللوائح والقوانين التي تجذب الشركات الدوائية العالمية، ومن ضمن هذه القرارات قانون إجراءات إدارة تسجيل الأدوية وتم العمل به إعتبارًا من الأول من مايو / أيار من العام ٢٠٠٥ ، حيث سَمح هذا القانون للشركات المُنتجة للمواد الفعالة بالحصولِ على موافقاتٍ بصورةٍ أسرع من الجهات المختصة.
وكان من نتائج التوسع في هذا المجال تميز الصين بإنخفاض التكلفة الخاصة بالمواد الدوائية، والسبب هو أنه كلما زاد حجم الإنتاج كلما كان هناك توفير في التكاليف، ومثال ذلك فإن الصين تمتلك طاقة تصنيعية تسمح لها بإنتاج ١٤ ألف طن من المضاد الحيوي المعروف بإسم (أموكسيسيلين)، في حين أن قدرة الهند على إنتاج نفس المادة الدوائية هي ٥٠٠٠ خمسة الآف طن فقط، وهذه النتيجة كانت بحسب بحث أجرته شركة (KPMG INDIA) بالتعاون مع إتحاد الصناعة الهندي (CII).
كذلك من الأسباب في إنخفاض تكاليف المواد الخام البادئة (SKMS) في الصين هو أن المواد الخام التي تدخل في تصنيع المواد الفعالة متوفرة في الصين بكميات كبيرة وبأسعارٍ رخيصة ، وهذه ميزة مهمة جدًا؛ وسبب ذلك أن تكلفة هذه المواد الخام يمثل ثلثي تكلفة إنتاج المادة الفعالة، ولذلك على سبيل المثال يمكن لمصنع في الصين أن ينتج الكيلو الغرام من المضاد الحيوي المعروف بإسم (لاميفودين) بمبلغ ١٢٠ دولارًا، في حين ينتج المصنع المنافس له في الهند نفس المادة الفعالة بسعر ١٣٧ دولارًا على الأقل.
إن إنخفاض تكلفة المواد الخام الدوائية في الهند ساعَدَ الشركات الصينية المصنّعةِ للمواد الفعالة على منافسة الأوروبيين والأمريكيين واليابانيين، ومكَنت الصين من إمتلاك حصة مُتنامية في سوق الدواء العالمي مما جعل شركات الأدوية الغربية تعتمد على المنتج الصيني رغبةً منها في توفير كل دولار ممكن، وهذا بالإضافة إلى أنه عند إعتماد الشركات الغربية على الصين في توفير المواد الفعالة فإنها تتخلص من الإجراءات الوقائية المُشددة التي تُفرض عليها من الحكومات الغربية بسبب التفاعلاتِ الكيميائية الحادثة أثناء تصنيع المواد الفعالة والتي قد ينتج عنها مواد سامة في بعض الأحيان.
لذلك فإن الشركات الغربية واليابانية نفَضتْ يدها عن تصنيع المواد الفعالة وإعتمدت على الصين بشكلٍ كبيرٍ، وقد نقلت هذه الشركات مصانعها إلى الصين أو أوقفت تصنيع المواد الفعالة وإعتمدت على الصينيين عوضًا عن ذلك، والصين قد إحتكرت تصنيع بعض المواد الفعالة ولا تقوم أي جهة أخرى بتصنيعها سواها.
وفي العام ٢٠٠٨ صدر كتاب ذاع صيته وأحدث ضجة عند صدوره وهو بعنوان “الصين RX, وفضح مخاطر إعتماد أمريكا على الدواء وهذا” بقلم روزماري جيبسون، وفي هذا الكتاب ذكرَت الكاتبة بأنّ شركات الأدوية الغربية قد أسهمت بشكل أو بآخر في توسع صناعة المواد الفعالة في الصين، وضربت عدد من الأمثلة كان من ضمنها أن شركة الأدوية الأمريكية الشهيرة فايزر فتحت مركزًا ضخمًا من الأبحاث والتطوير في شنغهاي في العام ٢٠٠٥، ثم بعدها بعامين قامت بإغلاق مركز التطوير التابع لفايزر بمدينة آن البور بولاية ميتشغان الأمريكية، ثم بعدها بعامين قامت بإغلاق المعامل البحثية الخاصة بها في برنستون في نيوجيرسي ونيويورك ونورث كارولينا، وفي العام ٢٠١١ قامت فايزر بتسريح أكثر من ألفي ٢٠٠٠ باحث في الشركة كجزء من خطة لتخفيض الإنفاق، وكان من ضمن هؤلاء الباحثين ١١٠٠ باحث يعملون في أكبر موقع بحثي تابع للشركة في ولاية كاناتيكا.
إن فايزر كانت تَعمل على تصفية نشاطها البحثي في الولايات المتحدة الأمريكية وتستثمر وتضخ أموالاً أكثر في نِشاطها البحثي في الصين، وهذا هو أحد الأسباب في أن الشركة الأمريكية تعتمد مثل غيرها من الشركات على الصين في توفير جزء كبير من إحتياجياتها من المواد الفعالة.
وفي شهادة الباحثة أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في مارس / أذار من العام ٢٠٢٠.
قالت:
إنّ الصين تُنتِج وحدها ٩٠ % بالمئة من المكونات الكيميائية التي تدخل في تصنيع أدوية مهمة جدًا مثل المهدئات والمضادات الحيوية ومضادات الإلتهاب وأدوية ضغط الدم، وهذه أدوية ظهرت أهميتها في منتصف أزمة كورونا، لذلك عندما ظهر الوباء منذُ ثلاثة أعوام ، إنتبه عدد من الدول إلى خطر إعتمادها على الصين في تصنيع المواد الخام.
وفي مارس / أذار من العام ٢٠٢٠ فرضت الحكومة الهندية قيودًا على صادراتها من المواد الفعالة البالغ عددها ٢٨ مادة والتي تدخل في تصنيع عدد من الأدوية مثل مادة (باراسيتامول) ومادة (كليندامايسين)، وسبب ذلك هو أن الحكومة الهندية قررت إستبقاء هذه الأدوية في الهند لصالح شعبها في ظل أزمة كورونا والتي لم يكن يُعرف متى تنتهي.
ولم تقم الهند بزيادة الإنتاج على سبيل المثال بدلًا من وضع القيود على الصادرات بسبب أن هذه المواد الفعالة يدخل في تصنيعها مواد كيميائية بادئة تأتي من الصين، ولم يكن هناك رؤية واضحة بشأن حصول الهند على المزيد من المواد البادئة من الصين أثناء أزمة كورونا.
ويُعدّ الأستاذ المشارك في معهد دراسات التنمية الصناعية في الهند ريجي جوزيف بأن الأمن القومي الهندي في خطر بسبب إعتماد الهند على البادئات الدوائية الصينية، وضرب جوزيف مثالاً بالمضاد الحيوي (البنسيلين) الذي تُصنعه الهند إعتماداً ًعلى المواد الخام الصينية.
فكيف يكون الوضع إن أوقفت الصين الصادرات للهند لأي سبب من الأسباب، مما يؤدي إلى حدوث مشكلة دوائية خطيرة، وأضاف جوزيف أن هناك مشكلة كبيرة في الهند وهي عدم وجود شركة تصنّع المواد البادئة لمادة البنسيلين، وفي نفس الوقت ليس من السهل إيجاد بديل للمورّد الصيني لأن الجميع يعتمد على الصين.
إن الصين تقوم بإنتاج مواد فعالة لأكثر من ألفي دواء ٢٠٠٠ ، وقد تم إغلاق مصنع آخر لتصنيع البنسيلين في أمريكا عام ٢٠٠٤ تحديدًا، وبحسب بيانات وزارة التجارة الأمريكية أصبح الأمريكيون يوفرون إحتياجاتهم من البنسيلين من الصين حيث إستوردت أمريكا ما يقرب من ٤٥ % بالمئة من وارداتها من البنسيلين في العام ٢٠١٨، وكذلك إستوردت أمريكا من الصين ٩٥ % بالمئة من وارداتها من مادة (إيبوبروفين)، و ٩١% بالمئة من واردات الهيدرو كورتيزون، و ٧٠ % بالمئة من ورادات الأسيتامينوفين.
أما في الهند فبعد حدوث أزمة كورونا قامت في مارس / أذار من العام ٢٠٢٠ بوضع خطة لتشجيع الإنتاج المحلي من المواد الفعالة والمواد البادئة بقيمة ٩٠٠ مليون دولار، وهو ما قام الفرنسيون بفعله كذلك بعد قرار الهند بثلاثة أشهر وتحديدًا في يونيو / تموز من العام ٢٠٢٠ ، عندما قام الرئيس الفرنسي ماكرون بزيارة موقع تابع لشركة الأدوية الفرنسية “سانوفي” حيث أعلن ماكرون عن خطة هدفها إعادة توطين صناعة المواد الصيدلانية الفعالة في فرنسا وأوروبا.
وكانت خطة الفرنسيين ببساطة هي الرجوع مرة أخرى لتصنيع (ABI) أو المادة الفعالة الخاصة بـ “باراسيتامول” في خلال مدة ثلاث سنوات، وسبب إختيار هذه المادة هي أن الباراسيتامول هو من أكثر الأدوية التي تُباع في فرنسا، وكان الفرنسيون يصنِّعون تلك المادة الفعالة الخاصة بمركّب الباراسيتامول في مصنع في جنوب فرنسا ولكن تم إغلاقه في العام ٢٠٠٨ .
.
وهنا يطرح سؤال نفسه وهو :
أين نحن كعرب من هذا التنافس العالمي؟
إن الدول العربية تمتلك الكفاءات ورؤوس الأموال الكافية، فما الذي يمنع من أن تسير الدول العربية على خطى الصين وتدخل هذا القطاع الحساس والمهم مثل قطاع المواد الصيدلانية الفعالة ؟
وهل أصبحت الصين المُنقذ الدوائي الحصري للعالم ؟
وهل إذا نشبت الحرب بين الصين وتايوان سنٌعاني من فقدان الأدوية وإرتفاع أسعارها كما نُعاني اليوم من فقدان الطاقة وأسعارها المُرتفعةِ بسبب الحرب الروسية الأوكرانية؟
وهل ما يحصل يمكن أن يكون درساً للدول للإستيقاظ من غفوتها وإعتمادها على الصناعات الوطنية في كافة المجالات ؟
أم أننا سنشهد المزيد من المعانات ونقص المواد مع كل أزمة وكل حرب ؟
كل ما طرحناه يحتاج لوقت لنجد الإجابة عليه ولكن ما نحن على يَقين مِنه بأن العالم بعد الحروب والأزمات والأوبئة لن يكون كما قبلها.
خالد زين الدين.
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية.
عضو إتحاد الصحفيين الدوليين في بروكسل.
عضو نقابة الصحافة البولندية