المطلقة وصمة عار أم قرار وخيار
قضية جديدة تستحضرها الدكتورة ماريز يونس رئيسة شبكة دراسات المرأة “صون” عبر الأثير، لتناقش واقع المرأة المطلّقة في مجتمعاتنا، والوصمة المشينة التي ترافقها على مستويات متعدّدة طرحتها مع ضيفاتها الدكتورة سوزان عبد الرضا، أستاذة العلوم التربوية في الجامعة اللبنانية ورئيسة الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، والإعلامية والشاعرة ناريمان علّوش من لبنان، والدكتورة رؤى درويش، رئيسة جمعية رؤية للتنمية الاجتماعية الشاملة من العراق.
المسألة … القضية
طرحت دكتورة يونس هذه القضية بأبعادها وزواياها الظاهرة والمخفية في آن من خلال عرضها لقصّة مطلّقة شاركتنا تفاصيل حياتها، محاولة منها إعادة تصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح، وكسر الصورة النمطية والدونية للمرأة المطلقة التي صنعها المجتمع عبر التاريخ، لتصبح وصمة تضع حياتها وتصرفاتها تحت أجهزة المراقبة المجتمعية المستمرة، وتعاقبها بإطلاق أحكام معيبة، مجحفة ومسيئة لسمعتها دون رحمة، تحرمها من استكمال حياتها كإنسانة كاملة الحقوق.
الحصار بين مثلّث الإدانة والتحرّش والشفقة
اكتشفت صاحبة القصّة أنّ ورقة طلاقها ترافقت مع سجل من الأحكام. فالمطلّقة هي عند كُثُر، ليست فقط امرأة غير صالحة وغير محترمة وغير “مستورة”، إنما هي الجانية على أولادها كونها غير مدركة لآثار الطلاق وانعكاساته عليهم. وتزداد الأحكام قسوة عندما تصل إلى صناعة روايات عن سلوكيات مشينة ارتكبتها بحق زوجها فدفعته إلى تطليقها. فهي: الفايعة والفلتانة والأنانية، والخائنة، ولو كانت قديرة للملمت الأمور وحفظت بيتها. ويمتلئ السجل بلائحة تكاد تصل إلى ما لا نهاية، وليس آخر المطاف عندما يُضاف أنّ التحرّر من القيود الآسرة يأتي بخراب البيوت.
أضف إلى ذلك، تحرّش الرجال وسريان عروض عقود الارتباط المؤقّتة باعتبارها سهلة المنال، ما دفعها إلى الهروب ووأد النفس والمشاعر والرغبات المشروعة، تجنبا للإحساس بالعار أمام ديمومة تقديم براءة ذمّة تُثبت الطهارة والقداسة للقريب والبعيد على حد سواء.
بيّنت القصّة أنّ المطلّقة تدفع أثمانًا كبيرة لأشياء لا علاقة لها بها، والغريب أنّها تحمل مع ورقة طلاقها سجل من الأحكام كتبه آخرون فتسدّد فاتورة لم تسهم في تحديد مضامينها. يرسم المجتمع مسار حياتها متغافلاً عن صبرها وتحمّلها ومعاناتها ونضالها ومقاومتها وإصرارها ومكاسبها كما خسارتها.
بين حقوق المطلِّق وحقوق المطلّقة مسافات ضوئية
سؤال محوري تناول مسألة الحقوق، من يمنحها ومن يحجبها، وبالتالي من يحطّم القيود ومن يرزح تحتها. وبحسب الإعلامية ناريمان علّوش “نحن بحاجة إلى مسح الغبار عن هذه القضية، لكشف الخبايا الملازمة لهذه المرحلة الصعبة من حياة الشريكين كما الأبناء”. قد يكون الزواج المبكر أحد الأسباب المؤدّية إلى الانفصال، وقد يكون فارق العمر بين الزوجين، وقد يكون هناك فوارق ثقافية أو اجتماعية تحدّد مصير كلا الشريكين والأسرة ككل. وفي كل الحالات على المرأة أن تدرك موقعها وقدراتها، وأن تتمكّن من تحديد مصيرها وخياراتها، ورسم حدود علاقاتها مع الآخرين، لا سيّما الرجال منهم.
الطلاق بين النضج والتسرّع
طرحت دكتورة يونس المعاناة التي تعيشها المطلّقة بخصوص اتخاذ قرار الطلاق خصوصًا مع عدم القدرة على تحديد المشاكل ومواجهة المجتمع. فترة يجب أن تعبر فيها المطلّقة إلى مرحلة التعافي بعد خوضها صراعات ذاتية وعائلية ومجتمعية في آن. كما تطرّقت دكتورة سوزان أبو رضا إلى الوحدة المتمثّلة بالقطيعة التواصلية والروحية بين الزوجين، بغض النظر عن الخلافات الحادّة أو حالات العنف التي قد ترافق العلاقة بين الزوجين بشكل أو بآخر. وبيّنت دكتورة سوزان أهمية دعم الأهل والبيئة المحيطة، وتفهّمهم لظروف المطلّقة ولدوافع قرارها كي تبلغ مرحلة التعافي.
ما بين حماية الأسرة وحماية الذات
لم تتغافل دكتورة ماريز عن أهمية الصحّة النفسية للأبناء ضمن الأسر التي تعيش مخاض الطلاق، فأكّدت على أهمية تجنيب الأبناء التبعات السلبية لهذا القرار، من خلال أسلوب التحاور الذي يراعي الآليات المعتمدة في هذا المسار. وهو ما شددت عليه دكتورة سوزان من خلال تجنيبهم عوامل القلق والتوتّر، معتبرة أن “أكبر كذبة يوهمون بها المرأة عندما يقولون لها ابقِ في بيت واحد مع الزوج كي لا يتأثر الأولاد”. إذ كشفت، من خلال تجربتها الشخصية، أن المعاناة التي يعيشها الأبناء جرّاء خلافات أبويهم، مهما حاولا إخفائها، هي أقسى عليهم وعلى شخصيتهم ونموهم الذاتي من قرار الانفصال نفسه، بل أن الطلاق، في هذه الحالة، قد يوفّر لهم السلام الداخلي والاستقرار النفسي والعلاقة السويّة مع الأبوين، تبعات افتقدوها أثناء العيش مع ذويهم قبل الطلاق.
الطلاق: تحرّر أم مصالحة مع الذات
تعتبر الخبيرة التربوية دكتورة سوزان أنّ وسائل الإعلام تروّج لثقافة خاطئة عندما تضع الطلاق في خانة التحرّر. فهي ترى أنّ للتحرّر معان كثيرة، وفي حقيقة الأمر تتمحور هذه القضية برأيها حول وعي المرأة، ونضجها وحكمتها في التعامل مع الآخرين، بما يوصلها إلى بلوغ المصالحة مع ذاتها.
المفاضلة بين الأرملة والمطلّقة
صعوبات كثيرة تواجهها المطلّقة في مجتمعاتنا بعد حصولها على ورقة طلاقها، ليس أقلّها وصمة الخجل والعار من الأهل والأطفال والمجتمع على حد سواء. أمر تطرّقت إليه دكتورة رؤى عندما تكلّمت عن المطلقات في العراق، فأشارت إلى عبارة شائعة تقول “كوني أرملة ولا تكوني مطلّقة” نطرًا لتبعات هذا الفعل. ولفتت من خلال عملها مع الشرطة المجتمعية إلى الحالات الكارثية التي يتابعونها، فوضّحت أنّ المطلّقة تمر بعنف أسري، ونفسي، وجسدي، واجتماعي واقتصادي قبل أن تصل إلى مرحلة الطلاق المصحوب بالمساومة من قِبل المطلِّق على مبالغ مالية كي يُقدم على فك أسرها. فمخاطر مواجهة المرأة للطلاق في العراق جد كبيرة في المجتمعات المحافظة، كون هذه المجتمعات لا تتقبّل أن تعيش المرأة في ظل الطلاق، وبالتالي يكبّل هذا الأمر حركتها ونشاطاتها وكل حياتها.
مفتاح الحل: محاولات وتحوّلات
مع تأكيدها على ضرورة وأهمية العمل على بناء علاقة متوازنة تحفظ كلا الزوجين والأسرة ككل، قدّمت معدّة ومقدّمة برنامج “لأنّي أنثى” الدكتورة ماريز يونس طروحات للقفز فوق كل التحدّيات التي تواجه المطلّقة في حال باءت محاولاتها بالعيش الآمن مع شريك حياتها. طروحات تهدف إلى التغلّب على الوصمة التي يجب تحويلها إلى تجارب ينتج عنها كتابة تاريخ جديد للمطلقة. تاريخ يجمع تجارب المطلّقة بفشلها ونجاحاتها، من خلال التعلّم والعمل للتمكّن من تحقيق ذاتها، لتحيا حياتها التي تختارها وتسعى لخوضها كي تبلغ ما تريد، وما ترغب أن تكون، ولو كانت مطلّقة.
يُعرض برنامج #لأني-أنثى كل ثلاثاء الساعة الواحدة ظهرًا على شاشة تلفزيون مريم.
يُمكنكم متابعة الحلقة من خلال الرابط التالي