تجلّيات الإبداع في رؤى الشاعرة الأديبة الفنّانة التّشكيليّة الدّكتورة يسرى محمّد الرّفاعي (سوسنة بنت المهجر)
تجلّيات الإبداع في رؤى الشاعرة الأديبة الفنّانة التّشكيليّة الدّكتورة يسرى محمّد الرّفاعي (سوسنة بنت المهجر)
حاورها عبر التّواصل الأثيري الرّقمي: حسين أحمد سليم الحاجّ يونس
إنطلاقا من حالة التّفاعل الفكري والفنّي والتّكامل الثّقافي, وإيمانا بمبدأ نشر الحالات الإبداعيّة والفنّيّة والفكرية… كان لنا هذا الحوار الشّيّق مع الشّاعرة الدّكتورة يسرى محمّد الرّفاعي ( سوسنة بنت المهجر) المقيمة في دولة مسقط، عند شواطيء الخليج العربي الحرّ…
سؤال: الشّعر إحساس الحياة… والشّعراء يتحسّسون معاناة الأيّام… فيجسّدون ويرسمون بالكلمة المموسقة ما يستشعرون به… إلى أي مستوى يتمّ التّفاعل مع شرائح المجتمع بفئاته المختلفة؟
جواب: الشعر كيمياء من نوع خاص باذخ كالعطر خاصة لروح الشاعر يتفاعل من خلالها. وأكسير بقائه ودرة وجوده فإنسانيته تسمو وترتقي به. الشعرإحساس جميل بكل أطيافه يجول ويصول بفكرنا وخاطرنا ليمنح الروح والنفس شفافية خاصة لتشكل من خلاله أجمل اللوحات الفنية وأعذب الألحان الموسيقية لنقف على نهايتها بشكل خاطرة أو قصيدة أو نثرا تعبرعما يجول بأعماقنا من جمال وأحزان على حد سواء فلا شعر بدون إحساس ولا شاعر بدون قافية وموسيقى تترنم عليها القلوب التي تعشق الشعروتتذوقه على أصوله..
فهذا الأحساس الشفاف الفريد الذي يميز بعضنا عن غيره يجعل للأنسان قيمة وقدر ليحقق من خلاله تمازجا مع كل أطياف المجتمع ويقف على فهم قضاياهم ومآسيهم اليومية وظروفهم البيئية والمعيشية المتقلبة والمحزنة في نفس الوقت، ولا ننسى أن للبيئة والحياة وما يحدث فيها من أحداث سريعة الرتم ضاغطة على أعصابنا الدورالأكبرفي صياغة القصيدة التي تلامس وجدان من لهم وجدان وضمير يقظ، فإحساس الشاعر كعين الكاميرا الحساسة التي ترصد الحدث بكل يقين وتنقله لمن يهمهم الأمر فصدق الشاعرفي نقل مشاعر من حوله من قهر وظلم وعشق يمنحه القدرة على صياغة قصيدة لواقعه المؤلم أو السعيد ويجعل اللفيف الأكبرمن المجتمع يلتف حوله لآنه يقف على نبض قلوبهم ويشعر بما يعانونه وما يقتل حياتهم ويسجن أنفاسهم في قوقعة الظلم ..فكلما كان الشاعر صادقا في نقل معاناة أهله ومجتمعه وفيا لبيئته كلما كان شعره وقصائده ترصد أجمل الصور وأصدق التعابير ليتذوقها كل متذوق ..وهذا يمنحة شهادة صدق ووفاء ليلتف حوله جمهور لا بأس به ..
سؤال: الشّعر فنّ من الفنون الأدبيّة المميّزة… ما هو دور الشّعر اليوم؟… مقارنة مع باقي الفنون الأدبيّة… وهل يُحقّق الشّعر طموح الشّاعر في المجتمع؟
جواب: الشعر من أجمل الفنون الأدبية وسيبقى مترأسا رأس الهرم الأدبي لما يمثله من أهمية كبيرة للكثير منا في حياتنا ولما له من إنعكاسات مؤثرة ، والتي لها دور كبيرفي تحفيز العواطف وإثارة الحماس في النفوس والقلوب وتوحيد صفوف كل أطياف المجتمع والتأكيد على انتمائهم للوطن وإعلاء شأنه .
يعتبرالشعراليوم وخاصة الوطني هوإعلامنا الحالي والدعم المعنوي والموجة القوية أمام التحديات وأمام ما يحصل من ضغوط وتموية للحقائق من وسائل الأعلام المتصهينة ، فمن خلال الشعر نشاهد كل قضايا الأمة والمجتمع، وسيبقى سلاح قوي في وجه الهمجية الصهيونية إلى يوم الدين ..
ويبقى الطموح منطقي ومتواضع مقرون بالأصالة والغاية بأن نكتب قصائد جميلة وعظيمة في نظرمن يقرأها ويقف على ضفافها منتعشا، ويكشف عن هموم الطبقة المسحوقة من الفقراء والمظلومين والكادحين والوقوف على قضايا الأمة بمجملها. ومن واجب الشاعر بحق نفسه أن يتطورويكبرعن تفاهة وسخافة المرحلة التي تجعله دنيء يلاحق الشهرة وتذييل قصيدته بأنا الهزيلة المطرودة والمبعثرة بأعماقه لتتبدل القصيدة وتخدم بنيانها الداخلي وتتبدل في أعماق صدرة وتكون غاية نفسها فقط فنا جميلا يتذوقه الجميع وتحلق في سماء الإبداع كنجمة يدغدغ أهدابها نسيم المساء .
فلا أنشد من طموحي الشهرة وإنما الطموح الأكبرأن تبقى إنسانيتنا راضية لنحقق أعظم ما نستطيع من الطموح لنا ولأوطاننا..
سؤال: الكلمة كانت ولم تزل سلاحا ماضيا… والكلمة الشّعريّة هي الأمضى في مواجهة التّحدّيات… هل للشّعر دور في رسم مستقبل الأمم والشّعوب وكيف؟
جواب: حينما كنا نحيا ونتنفس شريعتنا السمحاء كانت الكلمة وقتها سلاحا حادا لها ايما تأثير على النفوس، فعندما كنا نسمع حفيف كلمة الشريعة والدين ترتجف أقدامنا وقلوبنا فتبرق وترعد تكبيرا وإجلالا لمقتضياتها ومتطلباتها . وبعد أن ساءت ظروف الحياة بأيدي الفاسدين والمفسدين وأرادوا اساءة تطبيق الشريعة صرخ الجميع مستنكرين الى ما يراد بالامة من هوان.. فأتمنى اليوم أن تكون الكلمة ما زالت سلاحا فتاكا ماضيا في وجه الفاسدين والظالمين لتحقيق النصروحسم معارك قاهرة وجائرة بحق الأبرياء وأن تكون سلاحا فتاكا بليغا ناجعا في لعب الدور وتأجيج العقول وحثها على الغليان من الداخل وتحفيزها على قول الحق ونصرته .. كما أتمنى من الشعراليوم أن يلملم شتات وبعثرة ما شرخته السياسة وحفرت فيه الأخاديد العميقة وأن يلملم شعث ما كسرته وهدمته سياستنا بلعبة الأقتصاد البائسة .. فمن خلال الشعر القيم نساهم في رسم شكل المستقبل الواعد لآجيال المستقبل ومستقبل الأنسانية جمعاء .. طالما الشعر اللسان الناطق عن ضمير الشاعرالمثقف والواعي والشعب والمجتمع الذي ينتمي إليه . سيبقى الشعر السلاح القوي الموجه في وجه طواغيت الزمن والوسيلة القوية للمقاومة والصمود بتحد وقوة في وجه كل الرياح الفاسدة ورياح القهر والخذلان.. ولا ننسى أن الشعر يكشف مدى ثقافة وحضارة كل شعب بالتعاضد مع باقي الفنون والأداب والعلوم .. ولكن الشعر لكي يصنع جيلا مثقفا فكره جيدا وجب الأقبال عليه بكثافة والإقبال على المفكرين والأدباء الذين يقضون معظم وقتهم في الآلمام بقضايا الأمة وتسليط الضوء عليها بمصابيح الفكر والثقافة ، ومن واجب الجميع المصافحة والأهتمام وخلق التوازن بين الفكر والشعر لآن حياتنا لا تستوي وتستقيم إلا بهما معا ..والشعركان وما زال مصدر تربية وحكمة وتهذيب للأخلاق فمعظم الأقوام السابقة كانوا يربون أقوامهم على الفضيلة والحكمة وزجر الأفعال المشينة التي تحط من قدر القبيلة…
سؤال: أين تقفين في أعمالك الشّعريّة, مع وجود المدرستين, الخليليّة والحديثة؟… وكيف تُقيّيمين أعمالك؟… وكيف تنظرين للشّعر الحديث, شعر التّفعيلة, الحُرّ, وقصيدة النّثر؟
جواب: ان كل مدارس الشعر العربي وجدت للتعبير عن أحوالنا وأفكارنا ومشاعرنا الأنسانية وللتعبير عن طموحنا وآمالنا وعن قضايا الأمة الصغيرة والكبيرة .. أعشق شعر التفعيلة ،أقرأ لآستفيد وأتذوق جمال وجنون معانية ونظمة الجميل ..و لم أكتبه إلا نادرا لآنه يقيدني وأنا بطبيعة الحال وفي كل الأحوال لا أحب التقييد أحب الحرية والأنطلاقة في جميع الأتجاهات ، ولذلك فان روحي تنتمي بل تعشق الحداثة في رسم كلماتي ونقش الحروف لآجعلها تحلق بحرية كطائر في السماء تارة يحط على وردة جورية عطرة يلثم خدها ويرفرف على أكتاف ياسمينة بيضاء نقية وتارة ينقرعلى شرفة العشاق وتارة أحلق مع اقلامي ومحابري لأبعد مدى ..الشعر الحديث يمنحني حرية ويفتح لي نافذة واسعة على العالم الأخر لآنطلق بحرية وأتأمل بعمق وأتعاطف وأرتقي بنفسي وبمن حولي . أما عن تقييم أعمالي ؟! من الصعب جدا أن أقيم أعمالي وما أقدمه وهذا متروك لمن يقرأ ويتابع ويقارن بين الشعراء وأعمالهم ،كما هو متروك للنقاد ومن يقيمون ويقدرون جمال الشعر فيصنفون أعمال الشاعر من قوة ومتانة وجمال وسلاسة ومضمون ويضعونه في المرتبة التي يستحقها .. الأجابة على الجزء الأخير من السؤال .. الشعر هو وجدان الامة وروحها في كل زمان ومكان وكل مدرسة لها دوافع ومكونات تمهد لخلقها ووجودها وتبشر بولادتها. فشعر التفعيلة يلتزم بوزن وقافية ويبقى له وزنه ومحبيه . الشعر الحر يمنح الشاعر مساحة واسعة للتعبير والتألق وينسجم مع روح العصر ومتغيراته ومقتضياته. والابلغ اثرا والاصدق تعبيرا هو من يبقى اثره في النفوس. أما قصيدة النثر .. فهي أحد أشكال الكتابة التي تعتمد على السرد الطبيعي والكلام العادي ، فهي عبارة عن كلمات وجمل منثورة وملقاة على الأوراق بدون وزن أو قافية .. تعتمد على جمال عباراتها ومضمونها بالدرجة الأولى .. وتبقى كلاما خارجا من الأعماق بشكل عفوي وتلقائي .. ولا تكن موزونة ألا إذا كان فيها الكثير من كلمات السجع والمنمقات ..
سؤال: يتردّد من وقت لآخر… أنّ زمن الشّعر إنتهى؟! كشاعرة ما هو رأيك؟ وهل حقّقتِ ما تتطلّعين إليه من خلال القصيدة الشّعريّة؟
جواب: كيف للشعر أن ينتهي وهناك قلوب تنبض بجماله وسحره وهناك عشاق ينتظرون على الشرفات ومحطات الأنتظار وهناك نجوم وقمر يتهامسون من خلف ستائر الليل .. الشعر مشاعر وأحاسيس تتولد وتتجدد في النفس الأنسانية لتسمو بها طالما جميع الكائنات البشرية تتنفس الجمال.. لن يكسر الشعراء أقلامهم ولن تنضب ينابيع الجمال من صدر الشعر ولن تتأذى القوافي ،. فالشعر توأم الروح والأنفاس به تحيا القلوب ويجري فينا مجرى الدماء في العروق . به تتنفس البشرية تنفس الصعداء .. فالشعر باق كقطرات ماء عذبة تتدحرج على بتلات الورد تقبلها بحنان .. فبالشعر تهتدي القلوب وتطل من شرفات الأمل لتحقق ما تصبو إليه يوما . بالنسبة لطموحي فالطموح لا ينتهي طالما انا قادرة على العطاء وممسكة بقلم اشكله بين أناملي بالشكل الذي اريد فيطاوعني. فأنا سابقى في ظل أحلامي الكبيرة وطموحاتي العالية التي تحلق عاليا لتطال عنان السماء تساهر القمر والنجوم ..
سؤال: المنتديات الفكريّة والفنّيّة مُتعدّدة في وطننا والعالم… وهذا ما يعكس حالة نضوج ونهوض في آن… كيف تُقيّيمين الحالة الفكريّة؟ والثّقافيّة؟ والشّاعريّة؟
جواب: ربما كانت المنتديات والمواقع الكثيرة والمدونات وسيلة ذات حدين حسن وسيء.. وسيلة لمساعدة الجميع على نشر نتاج الأدباء والشعراء من إبداعات أدبية وفنية والكثير من الفنون الجميلة والبحوث العلمية والأطلاع على تجارب الآخرين من نجاحات ليتبع أفضلها وأخرى فاشلة ليتجنب الوقوع بمثلها .. وتساعدك في الوصول إلى المسابقات التي تساعدك على تقييم ما تكتب ، كما تساعدك في وصول النقاد والمتابعين للتعرف عليك وقراءتك بالشكل الصحيح ، وتساعدك في الوصول إلى دورالنشرالراقية الصادقة لنشر نتاجك الأدبي لو كان قيما يثري المكتبات الوطنية .. وسيئة برأيي لآنها أضاعت الكثير من المبدعين حقا وتاهوا وسط ثلة من قراصنة الفكر والأدب سماسرة للحرف والأبجدية وضاعت حقوق الكثير أدبيا وفكريا بسبب تلك السرقات والقرصنة في وضح النهار ونسبها لمن لا ضمير لهم ولا مشاعر وبدون وجه حق. وكشفت مدى الأنحلال الأخلاقي لبعض حملة الأقلام وللأسف كشفوا عن أنيابهم وإسفافهم في نشرالكلمة الهابطة وتسويقها وتوثيقها في بعض المجلات والمنتديات.. وهناك نضوجا في طرق التحايل وسرقة فكر الأخرين ونسبها لآخرين .. ومهما يحصل من مهاترات حولنا سيبقى للشعر والأدب بجميع أنواعه أهمية بالغة في تراثنا الأدبي العربي ولكن للأسف أتضح أنه ليس كل ما يقدم على صفحات المواقع والفيس بوك أدب وشعر جاد فهناك مهاترات وخربشات لا يمكن تسميتها بشعرولا تمت لأصناف الشعر بشعرة لآن الكثير مما قدم يفتقرإلى مقومات القصيدة الفعلية الجادة . ولا يخفى على أحد أن هذه المواقع ربما تحفزالجميع على نشر نتاجه الأدبي ليرقى بطموحه ليكون في قائمة أوائل الأدباء والشعراء .. ولكن تبقى مصداقية المنتديات محدودة والمصداقية الأكثرلو كنت شاعرا حقيقيا لملم أوراقك ككاتب وشاعرلآصدارها في ديوان ورقي تثري به الساحة الأدبية . لآن النشر الورقي هو التزكية الحقيقية لما ينشر ويكتب ويدون في صفحات التاريخ المشرق.. هذه المواقع همشت الكثير من أدبنا وأبجديتنا وحرمت الكثير منا من متعة القراءة لقصيدة فيها الكثير من الجمال والإبداع والفن وصور البلاغة والمحسنات البديعية .. ولا أخفي عليكم الأمر أنني بت أجزم أن الكتاب الألكتروني سيقضي يوما ما على الديوان الورقي والطباعة لسهولة ذلك وتناوله في أي وقت أراد الشخص بكبسة زر يكون الكتاب في متناول يده .. أنا شخصيا لا أجد تلك الشاعرية والمتعة حينما أقرأ لآحد الشعراء البارزين والمعروفين مما نشر له في المواقع بقدر ما أستمتع بنفس القصيدة مدونة في كتاب ورقي أشعر بها وأنني في ظل شجرة وارفة الظل عريقة راسخة وبيدي فنجان قهوتي أشعر برائحة وعبق التاريخ والماضي ينبعث من بين أوراقها وتلك المتعة الحقة .. أشعر بمتعة وأنا أقلب صفحات الكتاب الورقي متشوقة للمزيد من صفحاته والقصائد المسكوبة برفق وعناية على صفحاته تشعر بعبق التاريخ يهب عليك كنسمة فجرية وأخرى مسائية .
سؤال: المرأة، كانت ولم تزل ملهمة الخلق والإبداع… فما هو دور الرجل الفعلي في إنتاجك وأعمالك الفكريّة والشّعريّة؟.
جواب: الجميع يدرك أنه خلف كل إبداع مهما كان نوعه هناك حافز بل حوافز خلاقة تولد وتعيش لتدفعه إلى الأمام بالإلهام والتحفيز الدائم والعوامل المحفزة للأبداع بشتى أنواعه.. و كلنا يعلم أن العوامل المحفزة كثيرة ومتنوعة ما بين إنسانية وروحية ونفسية واجتماعية ولكن العامل الأهم والأبرز بينهم جميعا لخلق الإبداع والملهم الأقوى بالنسبة للرجل بالتأكيد الملهمة المرأة والرجل الملهم الأول للمرأة في كتاباتها بغض النظر عن جمال الكون حولها ، كل منهم يكمل الآخر ..وفيهما من الجمال والرقي والشاعرية ما يجعل أي منهم يكتب ويظهر روح وجمال الأخر ليكون مصدر إلهامه وإبداعه على الدوام . فالمرأة هي من توقظ الحواس والمشاعر وتستنهض كوامن الجمال عند الرجل لتنقله بمشاعرها إلى عالم مليء ومفعم بالشاعرية والحركة والحيوية والنشاط المحبب لكل منهما .. والشاعر يستقي إبداعه من حيوية مجموعة من النساء أحيانا ، وأحيانا واحدة تكفيه لتلهمه باقة من الجمال والإبداع الدائم الذي لا يذوي ويدوم كالوردة في حديقة يهتم بها غارسها بشكل خاص المرأة بطبيعة نقائها وجمال روحها تغسل من حولها بمياه المحبة والوجدان وتنثرعبير روحها كالورد في الأرجاء وعلى القلوب التي تستحق أن تكون في قائمة أولوياتها وإلهامها الأبداعي .. فالمرأة حينما تكتب تسترسل في جمال الكون والطبيعة والأمومة والوطن وقضايا الأمة والحرية والعدالة والظلم ولكنها لا تنسى ولا تتناسى نصفها الآخرالرجل مصدر الهدوء والراحة والسكينة لفؤادها ، فكثيرا ما تتخيل نفسها كالفراشة في حديقة إبداعه كنحلة تطير وتهفهف على رياض روحه وأعماقه لتنعش روحها بنسيم محبته وتتذوق رحيق وروده وتغتسل بندى عذوبته .. فكيف لا يكون ملهمها وتكون ملهمته بالدرجة الأولى. والحقيقة لا يمكن الكتابة لكل شيء دون أن تكتب لنصفك الآخر ويكون مصدر إلهامك ولو في بعض أشعارك .. فالمرأة حين يكون ملهمها الرجل تكتب كأنها تعزف على قيثارة خلقت فقط لآناملها ونبضها فأصالة الآنغام تكون مختلفة وثابتة وقوية فيها شجون لا يفهمها إلا ذاك الرجل الذي تراقص يوما على إيقاع فؤادها وأنشدا معا أنشودة الحب الخالد بصفاء الكون . السّؤال الثّامن: قهر الزّمن، يحدّ من تحقيق طموحات الفرد… فما هو وقع هذا الزّمن على مسيرتك الفكريّة والإبداعيّة؟ قديما وقف في وجه المرأة الكثير من العوائق سواء العادات والتقاليد البالية أو السلوك المجتمعي الشرقي والتخلف الحضاري وعدم فهم الدين والشريعة السمحاء على الوجه الصحيح ، فكل هذه السلبيات والعوائق هي عوامل مجحفة بحق المرأة لتقف عائقا وسدا منيعا في وجه إبداعها الأدبي والفني ويدعو بالتالي لإحباطها سواء كانت مبدعة في مجال الأدب أو في بعض الأمور الحياتية التي تتطلب إبداعا ودقة وصبرا بشكل خاص، وأعتقد أن هذا راجع لما يمكن وصفه أيضا بالمجتمعات الذكورية، فالمرأة في المجتمع الشرقي لم تحصل على أدوار قيادية واسعة على مستوى السياسة أو الإقتصاد أو الإدارة المختلفة في بعض المواقع العامة والخاصة التي تهتم بأمور الدولة والحياة إلا الندرة .. أما في الوقت الحالي فقهر الزمن وما يجري من أحداث همجية وعنصرية متلاحقة مزق قلبها الغض الطري ولكن المرأة لم تستسلم للقهر والحزن الذي طالها ففي كل زمان ومكان من حضارات العالم كانت وما زالت موجودة بإبداعها الأدبي والفني وجمال روحها، المرأة وطبيعتها كأنثى ، كإمرأة قد فتح أمامها أبوابا عديدة من الإبداع والفن والآتقان والجمال في شتى المجالات الأدبية والفنية، فهي أكثر من مبدعة في تقديم الواجبات والراحة والسعادة لعائلتها ولا ننسى أن المرأة قديما وحديثا ساعدت في إضافة لمسة جمالية من إبداعها وأتقانها للكثير من التصميم والزخارف والفنون التراثية على أدوات ومحتويات بيتها ليشع بنور بصرها وبصيرتها وجمال روحها .. فالمرأة المبدعة والفنانة والشاعرة والأديبة الأصيلة بروحها وجذورها الممتدة في عمق التاريخ والثابتة على مبادئها خلقت من واقعها المر أنموذجا راقيا يحتذى به، فبأي شكل من أشكال الإبداع هي ترسم لوحة مزخرفة كالربيع لتجعل من سنين عمرها ذاكرة لوطنها حاملة على أكتافها أوجاع السنين فوق أوجاعها وهذا أكبر تجسيد لواقعها الإنساني في الحياة بكل تفاصيلها .. وفي الفترة الأخيرة أستطاعت إختراق الكثير من الحواجزالمانعة لإبداعها فبات حضورها في جميع المحافل ونقشت إسمها واضحا جليا لغزارة نتاجها الأدبي والفني وهذا دليل على رقي حضورها وإنصافها من كافة المجتمعات التي تتعايش فيها وتتعامل معها وتتقبل حضورها الذي يثري الساحة الأدبية بشكل كبير وواضح .. أتمنى أن تبلغ المرأة قدرها ومكانتها المرموقة والتي فطرها الله عليها .. فالمرأة خاضت منذ عقود وما زالت تخوض في العصر الحديث تحديا حقيقيا يندرج تحت مفهوم قوي إحترامها لنفسها وسعة صبرها .. وفصاحة لسانها وسعة فكرها وتحريرها جيدا لكل أدبياتها بشتى الأصناف الأدبية والفنية .. وهذا بحد ذاته إنتصار وتفوق وإثبات وجود .. ولا ننسى أن إبداع المرأة وانتشارها ما هو إلا وسيلة تحرر لها من القيود التي وضعتها المجتمعات كعقبات في طريقها وقيدت بها أنامل الإبداع لديها في القرون الماضية .. الإستمرار في الكتابة ونشر الإبداع يكسر تلك القيود ويحررها لتعيش حياتها المشروعة بحرية ..
سؤال: عادة ما يُكرّم المبدعون في بلدنا بعد فقدانهم إلاّ نادرا؟!… ويُقلّدون الأوسمة التّقديريّة بعد رحيلهم؟!… لماذا؟… وبرأيك، هل يقوم أولو الأمر بواجباتهم الرّسميّة إتّجاه المفكّرين والمبدعين؟
جواب: يؤسفني القول أنها سمة سائدة في دولنا ودول العالم الثالث والدول العربية خاصة. فمن المؤسف حقا أن يختفي شاعرأو أديب وكاتب أو فنان تشكيلي أو مسرحي بهذا القدر من العطاء والبذخ الأدبي بين الزحام والضجة في عتمة الظلم دون أن يقتفي أثره أحد ودون تقدير ومكرمات في حياته ليشعر بقيمة ما قدمه في حياته وما سيتركه من إرث ثقافي وأدبي وفني يثري المكتبات والمسرح والساحة الأدبية والفنية بشكل عام .. ربما المتعارف عليه والغالب والسائد في الأوطان العربية يتم تكريم الشاعر والمبدع في مجال الفنون الأدبية والتشكيلية وغيرها من أنواع الإبداع والتفوق في الحياة بعد وفاته وليس في حياته تهميشا لواقعه وحياته وخاصة هؤلاء المعارضين وبشدة لقوانينهم. وأنا بدوري أعتبر هذا التصرف تقليل من شأن الشاعر والأديب والفنان وما أنجزه في حياته وتقديسا للموت أكثر من الحياة برمتها ولا أدري لماذا يلهثون لتكريم بعض الشعراء وألأدباء بعد الموت.. وربما يهملونه لآنه أغلب المبدعين والناجحين معارضين لحكوماتهم ومؤسساتها ولا يقبلون حياة القطيع وأعتناق شيء لا يؤمنون به .. فتفطن الحكومة ومؤسساتها القائمة على الأدب والفكر بعد مغادرة المبدعين لحياتهم الصاخبة والضاربة بالطول العرض في ظلمهم من المقربين وغير المقربين يفطنون أنه كان ذا فائدة وترك شيئا يحتذى به وقدم للوطن وللمكتبات إرثا أدبيا وثقافيا وفنيا زاخر بالألوان والجمال والفن والإبداع.. وللأسف بعد موته وفقدانهم لأدبه وإبداعه بعض المؤسسات الرسمية والمسؤولة عن الإبداع والأداب والبحوث الأدبية والعلمية تلفت انتباه بعض الجهات الإعلامية لتكريمه والإشاة لمناقبة وإبداعاته الزاخرة وإقامة مأتم بسيط له ..ربما لتسقط عن عنقها رفات ظلمهم له ولتخلي مسؤوليتها من ذلك.. وربما من الأسباب التي لا تدعهم يكرمون الأدباء في حياتهم أن معظم من يديرون تلك المؤسسات الثقافية ليس لديهم الألمام الكافي والثقافة الحضارية والفهم الصحيح والقيمة المعنوية لتك الشهادات والتكريمات المستحقة لهم .. وربما بسبب تراجع المؤسسات الثقافية نفسها وعدم إهتمامها بالجانب الإبداعي والفني وإنشغالهم بالسياسة أكثرمن ذي قبل .. فيهمشون المبدعين ويزدرون إبداعاتهم ولا يقومون على تقديم الخدمات التي تضمن لهم العيش الكريم كنقابات وضمانات حماية في حياته من العوز والحاجة .. للأسف يعيشون ويموتون دون أن يحظون باي أمتيازات تذكر .. أحيانا يتمنى المبدع أنه لو خلق وعاش في الدول الغربية التي لا تهضم حق المبدعين .فالثقافة الغربية المتقدمة تكرم وتحتفي بالمبدعين في مجالات الحياة الأدبية والفنية وحتى من لهم بصمة واضحة في إدارة مؤسسة أودائرة حكومية وغيرها ولا يقتصر التكريم والتقدير فقط للأدباء والشعراء والفنانين فنجد أن كل التقديرات والآوسمة تمنح لهم في حياتهم تقديرا وتشجيعا لهم، ولا يدخل في ذلك اي وسائط أو محسوبيات أو مصالح شخصية من يستحق حتما سيكرم ويقدر ولو كان من أصول عربية .. فهناك الكثير من الجوائز التي منحت لهم على سبيل المثال كجائزة نوبل وغونكور وبوليتزر وغيرها من الجوائز الأدبية التي يمثِّل الحصول عليها تتويجاً واحتفاءً بالمبدع في حياته.. كرامة لإنسانيته وآدميته وإبداعاته؟
سؤال: إذا كنتِ من العاملين في القطاعات التّربويّة، فهل تُشجّعين طلاّبك مثلا على قراءة ونظم الشّعر؟
جواب: كما هو معروف أن الشعر إحساس وموهبة بالدرجة الأولى وكذلك باقي الفنون نجد أن معظمها موهبة ووجب أن تصقل بشكل يظهرها للعلن والنوربالشكل الذي يليق بها وبصاحبها وبالمجتمع الذي تعيش فيه .. ولا يتم ذلك إلا بالدراسة والحث المتواصل من قبل الأهل والمقربين والمعلمين بالدرجة الأولى ، فكلمة المعلم دائما مسموعة لا تثنى عند الطلاب .. وكما هو معروف أنه تقع المسؤولية على عاتق المؤسسة التعليمة ومن ثم المعلم في خلق بيئة تعليمية إيجابية تحبب الطالب وتقربه منه ومن حصته . للمعلم قدرة تفوق قدرة الأهل على الحث والتغيير والتأثير الإيجابي على الطلاب فمن الواجب أن يكون قدوة حسنة ويساعد طلابه الموهوبين بصقل تلك القدرات والمواهب ليخلق جيلا واعيا مثقفا متصالحا مع نفسه أولا ومع العالم من حوله ثانيا. ومن الواجب أيضا حثهم على القراءة منذ الصغر في شتى المجالات ليكون واعيا يعلم ما يدور حوله وينال القسط الوافر من ثقافات العالم على إختلافها، ليصبح لديه مخزون ثقافي وفير.. ولا يمكن فصل القراءة عن الكتابة أنهما توأمان لا تنفصم عراهما . ومن واجب الأهل تشجيع من كان لدية الموهبة الفنية على صقلها وإظهارها لحيز الوجود وليعلم الجميع أن القراءة والكتابة تجعلك تتنفس وتضع قدمك على أولى درجات سلم الإنسانية ..