بين الحروف و الكلمات
صفوت ميخائيل خليل
بين الحروف و الكلمات
صفوت ميخائيل خليل
بين حروف الهجاء توجد حروف تسرسب من كفوف ايادي غناء ، و من بين الكلمات توجد عبارات تنساب من معين الجوارح على وادي القلوب اليانعات ببساتين اليقين و حدائق الأمل و العمل ، و من وسط العبرات هناك مشاعر مختلفات و أحاسيس مرهفات تتسلسب سلسبيلا عذبا يروي عطاش الأرواح و يسقي ضمأ النفوس ، فما انا سوى إنسان عادي يستكشف شغاف الروح من بين ثنايا الجسد ، بل إنما أنا عارف بخبايا الجسد الذي هو وعاء كبير يحوي خوالج لم يفصح عليها لأحد ، فأنا كطائر الرخ الاسطوري الذي يسبح بين كل العوالم و هو يردد تسبيحاته القدسية ، و يرمي بترنيمات العشق الشجية كي يثير مهج الغرام الابدية ، فتفتح أمامه ابواب القبول القلبية ، و ترفع عنه الحجب الكونية .
إن كل ما أكتبه من كلمات و اخطه من عبارات هو ترجمة ما يجول بدواخلي ، و كأني اقر بنفسي عن نفسي ، و افصح لغيري عن نفسي ، كي تكون حكاية نفسي رواية حكيم تروي تفاصيل الوصال لكل الاجيال ، و لربما اختارها البعض لكي تكون له وقودا لأمر لاحق أو يريد الاحتفاظ بها كي يدعو لي باسمي في السماء .
إنني بما اكتب و مهما كتبت فلن أستطيع الإفصاح عن كل ما يجول بخاطري لما انا عليه من مرتبة دانية ، إلا أنني أجد في بحثي الدؤوب عن قربه سبحانه الانس به في حضرته و حضوره .
إنني بكل ما اكتب و مهما كتبت من عبارات الشجن و مهما ألفت من ألحان الوهج فإنني اقر بما دونته يداي أنني ذلك العبد الفقير الذي مهما بلغت من اكتساب العلم و النهل من الفكر النير و الارتشاف من مكامن العلوم و النيل من وحدة المساحات العقلية التي وهبها الله تعالى لامتلكها ، بل إنني اشعر و كأنني منشطر إلى نصفين ، نصف في السماء يلهج ذكرا و نصف في الارض ينهج فكرا .
إنني بكل ما اكتب و مهما كتبت من كلمات و كتابات هادفة و كأنني ما زلت لم أضع قدمي على المسار الصحيح الذي هو طريق ارتقاء العارفين و السالكين نحو الله تعالى الذي على مدماره تحرسهم معيته ، و تمدهم بالعون حضرته ، و بالقوة حضوره ، و يزيدهم بالثبات أنسه ، و على المنهاج القويم معرفته ، و بالتدرج نحوه قربه ، فهؤلاء هم العارفون المخلصون الواقفون المنتظرون على أبوابه التي تفتح لأوليائه .
و كأنني بما اكتب و مهما كتبت من عبارات اقترب من كل العوالم و الأكوان ، و ابحث عن الحقيقة التي تجعلني ارى الحياة جميلة جدا ، و هي مُفعمة بكل الأمل ، بل كأنني اتحسس أن هذه الحقيقة تجعلني أرى أن ما وراء كل شيء يحدث سواء اكتمل ام لم يكتمل ، خير أراده الله فوق كل شئ. ….