كن مع الحق تكن منتصرا ولو بعد حين
إن الصراع بين الحق والباطل ليس وليد اليوم، بل ولد منذ بداية الخليقة، وهو مستمر إلى أن يرث الأرض ومن عليها. نراه يزداد في بعض الأزمنة ويخفت في بعضها ولكنه يبقى قائما، وتثبت التجارب التي مرّ فيها ديننا الحنيف أنّ التعاون والإتحاد في الكلمة والموقف ( قولا وفعلا ) ومناصرة صاحب الحق على الظالم هي من أهم المفاتيح وأكثرها فاعلية في الإنتصار على الباطل.
فالله سبحانه وتعالى يخاطب النبي (ص) فيقول له : ” وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ “، ويقول الله في محكم كتابه آية يجب ان يحفظها الصغار قبل الكبار : ” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” .
من هنا ، فإنَّ التعاون مع الخّيرين، جميع الخيرين هو واجب علينا، من دون أن يغيب عن بالنا أن الكثير من الأمور الجوهرية في الحياة تحتاج إلى الصبر، ومن لا يتمتع بنعمة الصبر أي ” الشخص الإنفعالي ” فإنه سيكون الضحية الأولى لعدم صبره والناس المحيطين به الضحية الثانية، على هؤلاء أن يهدأوا ويعتمدوا سياسة إحتواء الناس، ولنتوقف عند تفسير الآية السابعة عشرة من سورة لُقمَان يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ” .
فالأمر هنا يركز على النهي عن المنكر بلطفٍ ولينٍ وحكمة بحسب جهدك، وتحمَّل ما يصيبك من الأذى مقابل أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر، واعلم أن هذه الوصايا مما أمر الله به من الأمور التي ينبغي الحرص عليها، وهذا شيء مما تحتاجه عند خوضك معركة الدفاع عن الحق بوجه الباطل .
ف”الحق حق ولو لم يعتنقه احد والباطل باطل ولو اعتنقه كل الناس”، ومهما زيّفنا الواقع، يبقى الحق حقا والباطل باطلا، فالأول لا يحتاج للدفاع عنه، لأن قوته من ذاته، والباطل يحتاج الدفاع عنه، واللجوء إلى الكذب والتلفيق، وعندما تتوقف عملية تغذية الباطل، سنلاحظ كيف يبدأ بالانهيار، لأنه يحتاج إلى طاقة كي يستمر .
واستنادا لذلك، علينا أن نؤمن أن الحق في العمق لا يُسلب، لأن النظام الكوني الذي خلقه الله، هندسه بطريقة لا يمكن إختراقه ، وفي لعبة الحق لا يمكن إلا أن نتحدث عن المحارب المستنير القادر على إحداث تغيير حقيقي وهو ” تغيير حق “.
وأرى أن المقاربة الأفضل في هذه الحالة أن نعمل بأسباب الحق، ونُظهر نتائجه على الأرض من مكان قوة وليس من مكان ضعف، لأن من ” مكان ضعف ” يعني أنك اقتنعت روحيا أن حقك سُلب، وإنك فقدت الإيمان، فقدت بذرة الإمان، فقدت الايمان بخالق الحياة والكون ، بالعدل الكوني، بالتوازن الذي هو أساس الطبيعة على الأرض، فقدت الايمان بشيء هو أكبر من الشر والظلم والفساد والظلام، وأكبر من كل التخبطات الإنسانية الحاصلة اليوم، ستصبح “مُستضعف” على الأرض وحتى حركتك على الأرض ستصبح “مستضعفة”.
لذلك، أُكرر رؤيتي لكل المسلمين حول العالم ” كلما تقدمنا في العلم والمعرفة، كلما فهمنا كتاب الله وتأكدنا أنه الحق “، وأن جدلية الخطأ والصواب لا تكون إلا في الحق، وأنه ما دمت من أهل الحق فتهَيَّأ لمواجهة أهل الباطل والرذيلة والفساد.
والله إنّ النصر فوق الرؤوس ينتظر كلمة ” كن ” فيكون، فلا تشغلوا أنفسكم بموعد النصر، انشغلوا بموقعكم بين الحق و الباطل