الدعاية الصهيونية وأثرها على القضية الفلسطينية

كان تيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية السياسية الحديثة، صحفياً وخلال سعيه لإنشاء دولة لليهود كان مدركاً أهمية الدعاية، لذلك أصدر فى عام 1897 جريدة «العالم» لتكون رأس الحربة لمسيرته لإنشاء الدولة الصهيونية. كتب فى افتتاحية الجريدة «هذه الجريدة ستكون درعاً للشعب اليهودى.. وسلاحاً ضد أعداء الشعب اليهودى».

ركزت الدعاية الصهيونية منذ نشأتها على التأثير على الدول الكبيرة ومراكز الثقل السياسى فى قارة أوروبا، خاصة فى الفترة التى شهدت جهود ومساعى التأسيس لإسرائيل والتى كانت أوروبا ما زالت تسيطر على مقاليد الأمور فى العالم، ثم نقلت جهودها إلى أمريكا الشمالية فاستحوذت مبكراً وحتى قبل تأسيس الدولة اليهودية على الرأى العام الأمريكى من الداخل. فى ذلك الوقت لم يكن العالم ولا العرب بالتأكيد يعرف خطط الحركة الصهيونية العالمية وأهدافها التى تسعى من خلالها إلى تغيير مفاهيم ترسبت وتكرست داخل أعماق الناس فى كل أنحاء العالم عن اليهود، فقد كان النشاط الدعائى متخفياً ومتسللاً ولم يكن زعماء الحركة الصهيونية يظهرون نشاطهم فى الدعاية بل كانوا يتخذون كل الاحتياطات لإخفاء نشاطهم وأعمالهم عن الرأى العام.

عندما طبقت الحركة الصهيونية خططها على الأرض واستولت على أرض فلسطين وقتلت أهلها كان هناك كيان نشيط داخل الوكالة اليهودية يعمل بهمة وفاعلية داخل فلسطين، هو إدارة عسكرية نفسية خاصة وظيفتها خلق حالة من الذعر على أسس مدروسة فى الأراضى المحتلة والحفاظ على هذه الحالة مستمرة ومتجددة. قامت الخطط الإسرائيلية على تصور لسيناريوهات مستقبلية فى الوقت الذى كانت تدعو فيه إلى السلام وهى الدعوة التى صدقها العرب وتعاملوا على أساسها. كانت إسرائيل تتحرك فى مجال الدعاية بخطوات محسوبة فخلقت أمام العالم صورة ومنطقاً جديداً يستند إلى الكذب والمخادعة، وراحت بوسائلها الدعائية تدفع بهذا المنطق إلى الأمام بدون توقف، مدركين أن السلاح لم يعد بنادق ورصاص وإنما أدوات أخرى حديثة مكنتهم بالفعل من إقامة بناء وحاجز نفسى شاهق أمام العالم لا يستطيع أن يتخطاه ليكتشف حقيقة إسرائيل.

بعد إنشاء الكيان الصهيونى طورت إسرائيل نظم دعايتها ولم تكتف بممارستها الدعاية لمساندتها كما كانت من قبل وإنما صارت تتدخل بطرق مباشرة وغير مباشرة للتأثير على الحياة والقرار السياسى فى الدول الغربية خاصة، مدركة أن استمرار وجودها يعتمد على مدى استمرار مساندة تلك الدول لنظامها وكيانها، وصارت تسمى تلك السياسة الدبلوماسية الوطنية التى تطبق من خلال إدارة خاصة بوزارة الخارجية الإسرائيلية وبشكل خاص فى الدول التى بها جالية يهودية، حيث صار السفير الإسرائيلى فى تلك الدول يتصرف باعتباره مسئولاً عن تلك الجالية ويبيح لنفسه التدخل لدى الدولة المقيم بها لأجل هؤلاء اليهود.

واصلت إسرائيل تطوير دعايتها وركزت فى ذلك على ثلاثة محاور، الأول الإعلام الإسرائيلى الداخلى الذى يتعامل مع أفراد الشعب، وكان هؤلاء الذين يمثلون الرأى العام بصفة عامة مساندين للحكومة الإسرائيلية وأهدافها العسكرية وقيامها بالحروب التى أطلقوا عليها الحروب الوقائية. بينما أطلقت على الإعلام داخل الدول الأوروبية «الإعلام المحلى» الذى يخاطب شعوباً صديقة، وكانت سياستها تجاه الرأى العام فى تلك الدول خلق الضوضاء بقصد الإثارة والاهتمام ثم الإقناع بقصد الاستقطاب. ويبقى الرأى العام المعادى وهو الرأى العام العربى المرتبط بمعاداة إسرائيل الصريحة ووجودها فى الأساس، وهى تتعامل مع هذا الرأى العام باستخدام الأساليب النفسية بكل أنواعها لإضعاف ثقته فى نفسه وبلبلة أفكاره وفقده القدرة على الثبات ومواصلة العداء والقتال خاصة بعد هزيمة يونيو 1967.

كانت إسرائيل تدرك أن الدعاية تقوم على الإغراء والإقناع، وغالباً ما يكون جوهر الدعاية كاذباً ومخادعاً فى جميع عناصره، والمنطق الدعائى يسعى للحصول على أكبر قدر من الإقناع حتى لو كان ذلك على حساب الحقيقة. لذلك كان القائمون بالدعاية الإسرائيلية على قدر كبير من الاهتمام والإلمام بتقاليد وعادات المجتمعات التى تبث فيها الدعاية، ومعرفة كبيرة بتاريخ تلك البلاد والظروف الثقافية وسيكولوجية الجمهور الذى تخاطبه. كان القائمون بالدعاية الإسرائيلية مثقفين ممن عاشوا فى تلك المجتمعات منذ عدة أجيال، ولذلك كانوا امتداداً طبيعياً للمجتمع الذى يخاطبونه حتى من حيث إجادة اللغة التى يتحدثونها.

وفى هذا نجحت الدعاية الإسرائيلية بصورة فائقة، على عكس الدعاية العربية التى واجهت الفشل، فالقائم بالدعاية ليس من نفس المجتمع ويتحدث لغة ركيكة لا تحقق التواصل السليم مع أفراد ذلك المجتمع، كما أن مفاهيمه وثقافته متناقضة مع الحضارة التى يخاطبها، وحتى لو كان هؤلاء ممن درسوا فى الخارج أو عاشوا فى تلك الدول لفترة فإنهم لا يندمجون بسهولة فى المجتمعات الغريبة، ولا يكون احتكاكهم بحضارتهم إلا سطحياً ومؤقتاً ولا يكون عميقاً وراسخاً.

يبدى كثير من الخبراء والمراقبين إعجابهم بالدعاية الإسرائيلية التى يرونها قد وصلت إلى أعماق المجتمعات الغربية، وأثرت تماماً فى قناعات الرأى العام، حيث استهدفت مبكراً أن تستحوذ على الرأى العام الذى يقرر فى الديمقراطيات الغربية مواقف الحكومات وقراراتها.

بعد هزيمة يونيو 1967 استيقظ العرب على التأثير الهائل للدعاية الصهيونية، وتقرر أن يقوم قسم أو إدارة الإعلام فى الجامعة العربية بإعادة النظر والتخطيط من جديد لإعلام عربى يواجه إعلام إسرائيل المفترس، الذى تمتد أذرعه لكل أنحاء العالم، لكن لم يصدر عن تلك الخطوة دراسات أو خطط، كما أن التقارير التى كانت ترد من مكاتبنا الإعلامية العربية فى دول أوروبا وغيرها كانت ذات قيمة محدودة بل يمكن وصفها بأنها عديمة الأهمية، فهى لا تستند إلى أسس علمية.

الآن وبعد أن صار العالم مجرد جهاز موبايل يحمله أى شخص فى أى مكان ويعرف من خلاله كل ما يريد، سواء إعلام أو غيره، هل تغير الوضع بيننا وبين إسرائيل؟

رفعت رشاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *