العدالة هي حاجة إنسانية واجتماعية : تمسكوا بمعيار العدل وتجنبوا الظلم في سلوكياتكم وأفعالكم

بقلم الدكتور الصدّيق حفتر

يُعدّ العدل معيارا رئيسا في العلاقات الشخصية بين البشر، لنيل الثقة وديمومتها، وتأسيس الصداقات، وحفظ الكرامات وصون الأعراض ، وتعتبر العدالة نبراس الحكم وألاساس المالك،  ومُبدّد الظلم ومعزز الاستقرار كعامل، أثبتت التجارب مدى أهميته في المجتمعات، ويأتي في سلم العوامل المفترض توافرها تنمو المجتمعات وتتطور، فالعدلُ يُصبح رديف البِرّ ، وكلاهُما يُقاس في ميزان الحق الذي منبعُه ومصبُّه الله سبحانه وتعالى .

فالعدلُ هو الفضيلةُ الاخلاقية ، والعدلُ تجاه الله يُدعى ” فضيلة العبادة ” وأمّا اتجاه البشر فهو يُهّيء لاحترام حقوق كل فرد في المجتمع دون إستثناء، ولجعل العلاقات البشرية في انسجام يعزز الإنصاف بالنسبة إلى الاشخاص، وحلول الخير العام .

لقد بَرَع المُجتمع الإنساني من خلال الأديان في إعداد عددٍ وافر من أنظمة مرجعية هي في أكثريتها تكاملية، تحملُ إسماً مشتركاً : الشرائع (أو النظم) وتُشكّل الشرائع مجموعة مراجع ومقاييس موضوعية، تُحدّد المُعالجة الأخلاقية للفعل، وهي تتألف بدورها من مستويات تكامُليةَ ثَلاثةَ : القواعد، والمبادىء، والقيم .

ومن بعض الجوانب، التي يجب أن نَتوقف عِندها أنَّه لا يجوز تقويم منسوب العدالة في علاقة ما، أو في مجال ما ؛ استناداً إلى مجموعة القواعد الواجب إحترامها فقط، لأنَّ من الممكن قيام قواعد موافقة لمبادىء جائزة تضُّر بالقيم، بدل تعزيزها . ولذلك لا بُدّ من تسلق سلم المقاييس صعودا . ويُمكن القول : إنّ مقولة ” إعط كُلّ صاحِب حَق حقّه ” تُشكِّل مبدأً عاماً تُقاس على أساسه العدالة بشتّى أشكَالها ، مع العلم أنَّ مبدأ كهذا يحتاج إلى تحديد مجمل الحقوق المنصوص عليها، في بيئة معينة كبيئة المنزل وبيئة العمل وبيئة المجتمع، والنظرُ بموضوعية إلى مجمل النماذج الواقعة والممكنة والمنطقية في أي بيئة من هذه البيئات، كي تَتِم عملية القياس بين العدل والظلم فيها .

ومن هنا نسأل هل يمكننا أن نتصور الإنسانية والحياة والحرية والحقيقة والحب والخير العام والمجتمع من دون العدالة؟ عندها يسُود الظلم والإجحاف واللاتوازن في التعامل بين البشر كأفراد وكثنائي وكمجموعات. ما يعكسُ ضرورة أن نُدرِكَ جيدّاً أنَّ العدالة هي إحدى قيم الترقي بين الناس والمجتمعات، من خلال كلِّ فعلٍ إنساني حتّى يتوافق من يقوم بالفعل مع قيمته الإنسانية الجوهرية ألا وهي كرامتَه وضميرَه، من أجلِ التأسيس لكلِّ المبادىء الإنسانية الأخرى ، فالعدالة هي التي تُعطي المعنى لهذه المبادىء وتُرسّخ شيوعها بين أبناء المجتمع الواحد .

مُنذ البدء يدعو الله الإنسان الذي خلقه على صورته ومثاله، كي يخضع الأرض والكون كلّه للعدالة، وقد ورد ذكر العدل في القرآن 29 مرة وله عدّة آيات منها: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). [سورة النحل، آية: 90]، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا). [سورة النساء، آية: 58]

آيات تُبّين وتُشدّد على أهمية العدل، وعلى أنّه أساس الحكم بين الناس، وقوام العلاقات في شؤون الحياة .

إنّ من أهمّ المُثل ومكارم الاخلاق التي جاء فيها الإسلام لحمايتها وتتميمها ، العدل ، والعدلُ غاية قريبة ميسورة إذا كان الأمر متعلقاً بإخوة الدين أو النسب ، وغيرها مما يتعاطف له البشر . لكن صدق هذه السمة إنّما يظهرُ إذا تباينت الأديان وتعارضت المصالح وقد أكّد الرسول (ص ) على أنَّ ظُلم غير المسلم موجب لانتقام الله الذي يقبلُ شكواه ودعوتَهُ على ظالمه المُسلم فقال (ص) :” إتقوا دعوة المظلوم – وإن كان كافرا- فإنَّه ليس دونها حجاب “.

أمّا بالنسبة للظُلم فقد حرمَّه الإسلام تحريماً قاطعاً، وأوجب ردّ الحق لكلِّ مظلوم، وتوقيع العقاب على الظالم،  والسند التشريعي بذلك واضح في كتاب الله وسنَّة رسوله (ص) حيث يقول تعالى :” ذلك بما قدمت أيديكم وإنَّ الله ليس بظلام للعبيد “، وقوله تعالى ” وما ظلمناهم ولكن كانوا هم  الظالمين “. وحديثُ الرسول ” المُسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى هنا وأشار إلى صدره ثلاث مرات “.

وهذا كلّه يدل بوضوح على أنَّ الإسلام إنّما يؤكد على إقامة العدل وينهى عن الظلم ، ويُحتّم الأخذ على يد الظالم وإنصاف المظلوم، والعمل على إيجاد القضاء والقضاة الذين يقضون بالحق.

وفي الختام، علينا أن نعمل ما بوسعنا على أن لا نكون ظالمين، وأنْ لا نضع الشيء في غير موضعه، ومجانبة الحق والصواب سواء في الأقوال أو الأفعال التي تخالف الشرع بشكل عام، لأنَّ العدل والإنصاف هما العمادان اللذين يقوم عليهما صلاح الدين والدنيا  .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *