تحدي بناء الدولة يستدعي معالجة ظاهرة العنف بشكل جذري لإقامة مجتمع وطني موحد

يعاني عالم اليوم بصفة عامة من انتشار عدد من الظواهر الاجتماعية الخطيرة ومنها : انتشار المخدرات والاغتصاب والعنف بكافة أنواعه وأسبابه، ولا شك أن هذه الظواهر ماهي إلا أعراض لأمراض أكبر منها مثل: الضياع العقائدي، والخواء الروحي،  والانحدار الخلقي، والتفكك والأسري،  وطغيان عالم المادة والقيم المرتبطة بها على القيم الروحية والمعايير الأخلاقية، وتعد ظاهرة العنف واحدة من هذه الظواهر الاجتماعية العالمية التي لم تعد تقتصر على دول أو مجتمعات بعينها بل على العكس،  فقد تم تصديرها إلى مجتمعاتنا الإسلامية عبر مجموعة متشابكة من العوامل منهــا: وسائل الإعلام التي تركز على العنف وتنميته في الإنسان ، العنف الفكري ، العوامل الداخلية التي تساهم في وجود العنف في مجتماعتنا الاسلامية ، الخلط بين الثوابت والمتغيرات ، وضعف الخطاب الديني وافتقاده للمنطق والموضوعية .

وإذا ما انطلقنا من ديننا الاسلامي الحنيف لوجدنا سورة النحل ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” مما يعني أن صفة العنف  لا تنسجم مع المنهج الإسلامي الذي يرفض أسلوب القسوة والفرض.

ومن المؤسف أن بلادنا شهدت حالة من عدم الاستقرار السياسي نتيجة تزايد أعمال العنف المسلح ، ونحن في كل الأحوال نرفض أن تبقى لغة السلاح والعنف هي السائدة في الميدان ، فالدراسات الحديثة أثبتت أن الإنفلات الأمني والصراع المسلح لا يؤديان إلى نتيجة، وأن الحوار هو السبيل الوحيد لبلورة الحلول لمشاكل وطننا وإن كانت مزمنة ومعقدة ، ومن أبرز ما تتضمنه استراتيجية بناء الدولة والمصالحة الوطنية هو وضع حد نهائي وحلول جذرية مع كل الأفرقاء على امتداد تراب الوطن لموجات العنف التي إزدادت بشكل متسارع منذ ثورة 2011 .

وتؤمن استراتيجيتنا في ما يتعلق بنبذ أعمال العنف والأعمال القتالية على ثروة التركيبة السكانية في ليبيا المتعددة، حيث سنعمل على خلق التجانس والانسجام في الخليط القائم في هذه التركيبة، من الأعراق والقبائل والعائلات العربية والأمازغية والفينيقية والأفريقية والأتراك والشركس والإيطاليين، ويدين الأغلبية  بالديانة الإسلامية ، ونؤكد أن العمل جار على جعل هذه التركيبة تنصهر في قالب واحد ، ينبذ التفرقة والعنف، ويؤمن بوحدة الصف والكلمة، ويعيش في كنف الدولة الواحدة الموحدة للجميع .

إن تنامي العنف، إضافة إلى معرفة الشكل الجماعي والفردي للعنف، وارتباط وظيفة العقل بالعنف بنوعيه الواعي واللاواعي ، كلها حالات تجسدت في الماضي في مظاهر وأنواع العنف اليومي، وحالات الواقع اليومي للعنف بمختلف مظاهره والذي عانى منه المجتمع الليبي منذ لأكثر من 10 سنوات، لذلك فإني أؤكد للجميع أن المتخصصين في دراسة مظاهر العنف وأسبابه ومظاهره ونتائجه باشروا بدراسة كل العوامل الداخلية التي تغذي العنف في مجتمعنا الإسلامي، قبل معرفة العوامل الخارجية، خصوصا الأسباب والعوامل الآنفة الذكر .

ومن هنا، فإن الحوار يمكن أن يلعب دورا حيويا وهاما في خفض مثيرات العنف، والتقليل من احتمالات لجوء أبناء الوطن الواحد إلى العنف كوسيلة للتعبير عن أنفسهم أو كطريقة لحل مشاكلهم،  أو التخلص من احباطاتهم ، وسنبقى نحمل راية رفض العنف واحلال الحوار والتفاهم والانسجام مكانه، والحوار لن يكون فقط كوقاية من العنف وعلاج له، وإما لتحسين نوعية وجود المواطن الليبي الفردي والاجتماعي والإنساني في مجتمع موحد ومنسجم .

أنّ وتيرة التنافر الحالية بين الليبيين وتحوله إلى صراع مسلح ودامي لن يكون لها مناخا مناسبا لها بين الليبيين ، فالتهدئة ستكون سيدة الموقف، وسنحارب صفا واحدا كل حالات الفوضى والاقتتال التي سادت في بعض المدن والأقاليم الليبية .

وفي الختام، فإنّ العمل سيكون أيضاً – في الصورة  الأشمل – على بناء مؤسسات سياسية تعمل على التنشئة السياسية الصحيحة ، التي تقوم على ضرورة غرس قيم الولاء للدولة الوطنية ، مع ضرورة تعديل مناهج الدراسة التي تشجع على الإيمان فكرا وروحا بالوطن الواحد الموحد، وستكون الدولة الوطنية هي الجامعة لكل الاختلافات وهي الضامنة لأمن واستقرار الفرد. والمُحاربة للمنظمات الإرهابية وأفرادها التي لجأت إلى ليبيا من عدة بلدان عربية تشهد معارك وحالات من القتال . وذلك بالتزامن مع العمل الجاد من أجل الاستيعاب التدريجي للفوارق الثقافية واللغوية والدينية من أجل تكوين هوية قومية وطنية موحدة.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *