لجنة الحقيقة والمصالحة : لجنة المهام الصعبة ونموذجا لإرادة التغيير الحقيقية

يعد مخرج المصالحة الوطنية أحد أهم المخارج الآمنة، التي كانت المخرج الأقوى للعديد من الدول الإفريقية للخروج من أزماتها الوطنية، أزمات كادت أن تعصف بالعديد من هذه الدول وبوجود الدولة الوطنية فيها، ومع ذلك فخيار المصالحة الوطنية لم يكن في أغلب الأحيان وليد القرار السياسي لقيادات هذه الدول فحسب، وإنما وليد ظروف دولية محيطة بالدولة الوطنية كذلك، ووليد تداعيات أمنية واقتصادية وسياسية واجتماعية خاصة تمر بها كل دولة من هذه الدول على حدا .

تختلف هذه التداعيات باختلاف عمق الأزمـة وتجذرها، وباختلاف الظروف الدولية المحيطة بهذه الدول كذلك،  لكن في معظم هذه الأزمات اعتمدت في ترسيخ نموذجها في المصالحة الوطنية على آلية لجنة الحقيقة والمصالحة، والتي أثبتت قدرتها كآلية للوصول بالدولة إلى مرحلة ترسيخ المصالحة الوطنية .

هذا عامل لا يمكن تجاهله في المصالحة التي أطلقنا بشائرها منذ أشهر قليلة ، لا بل أكثر نحن نعول على دور هذه اللجان في حمل راية المصالحة الوطنية كل منها في المنطقة التي يمثلها ضمن إطار جدول العمل الذي سيتم إقراره من قبل اللجنة العليا للمصالحة الوطنية في الأشهر المقبلة .

المسألة ليس مسألة نشاط عادي تقوم به هذه اللجان بل هي مسؤولية وطنية يجب أن يتمتع كل عضو فيها بحس المسؤولية الوطنية الحقيقية ومن هنا تأتي تسميتها ب” لجنة الحقيقة والمصالحة ” فهذا الدور في قلب التحولات الديمقراطية ، لكنه لن يتحقق إلا نتيجة لمجموعة من العمليات والإجراءات الكفيلة بإبراء جراحات الماضي ومعالجة الآثار الجسدية والنفسية والمجتمعية لللإنتهاكات التي حصلت ، الأمر الذي إلى حتمية تكوين لجان للكشف والحقيقة ، حيث سيتوافر لها الاستقلال الإداري والمالي بما يمهد لمصالحة وطنية حقيقية تتماشى مع الذاكرة الوطنية في المقام الأول .

ومن الشروط الأساسية لإحداث مثل هذه اللجان ضرورة توفر إرادة سياسية للقيام بإصلاح أو مواصلة الإصلاح ، وقد تتخذ مبادرات للبحث عن الحقيقة أشكالا عديدة كالتحري عن المعلومات ، ورفع السرية عن المحفوظات والتحقيقات في مصير المفقودين ، وتأسيس لجان تحقيق غير قضائية ، الأمر الذي جعل هذه الجان جزءا أساسيا من جهود العدالة الانتقالية عبر العالم .

وعلى الرغم من تعدد هذه الأشكال، لابد لها من أن تدور في فلك العناصر التالية:

-السعي إلى احترام الثوابت الوطنية والعمل على الارتقاء بالوطن الموحد.

– الابتعاد عن صراعات الماضي التي تعمل على التفرقة والتنافر.

– العمل على تحقيق الأمن والاستقرار والتضامن ونبذ الفرقة والصراع.

– تعزيز مفاهيم الصفح والاحترام المتبادل والعيش المشترك وبناء جسور التواصل .

– تعزيز الشعور بالانتماء والإرادة للعمل الجماعي والمواطنة الفعالـة والتوافـق حـول القضـايا المصـيرية .

من هنا يأتي رهاننا على لجان الحقيقة والمصالحة أنموذج اللجنة القوية التي يمكن أن تسهم بفعالية في تجاوز إنتهاك جسيم وكثيف لحقوق الإنسان، بسبب النزاعات والانقسامات التي يعاني منها المجتمع الليبي، لأنها تمتلك إختصاص البحث والتحري، وإصدار أوامر لمثول الشهود والمتهمين واتخاذ إجراءات تضمن الحق لأصحابه وتعمل على إعادة الحقوق إلى أصحابها من الجهات التي وضعت اليد عليها ولم تجد من رادع لهذا التصرف.

بالطبع لن يكون هناك استعجالا في عملة إصدار التقرير النهائي الخاص بكل لجنة من هذه اللجان ، إلا بعد أن نكون على ثقة أنه سيكون عادلا منصفا للمظلوم ومحاكمة الظالم ، لدرجة أننا سنعمل على تدريس الأداء المتوقع منها ، أداء حاصل على الدعم الكافي الكفيل بنجاحه،  هذا الدعم برأينا يتحقق من خلال عدة طرق كبناء نصب وجداريات تحاكي الشعور الوطني وتعزيزه في النفوس ، وإصدار طوابع بريدية تخلد تواريخ تحقيق المصالحة ، وتسمية ساحات ومؤسسات ثقافية .

علينا أن لا ننسى الاستقلال وهو أحد أبرز العوامل المطلوبة لنجاح هذه اللجان ، والذي يتطلب إيمان واقتناع أجهزة الدولة خاصة الحكومة بحيوية عمل هذه اللجان وضرورة إنجاحه عبر عدم التدخل في أعمالها بل وتقديم كل التسهيلات والالتزام بتنفيذ التوصيات والمقترحات التي تصدرها اللجان في تقريرها الختامي .

كما وان هذا النجاح مرهون بعمل بأبعاد مختلفة تقوم به الحكومة ومنظمات المجتمع المدني أولا لوضع اللجنة حيز التنفيذ ومراقبة مدى تحقيقها ، وثانيا مواجهة المسائل المتعلقة بالسلم والمصالحة التي لم تتطرق لها اللجان بوضع سياسات وبرامج المعالجة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *