رعايةُ المسنّين واجبٌ دينيٌّ وأخلاقيٌّ

تمرُّ معظمُ الدولِ العربيةِ، ومن بينِها ليبيا، بتحوّلٍ ديموغرافيٍّ، إذ منَ المتوقَّعِ أن يزيدَ عددُ الأشخاصِ الذين تبلغُ أعمارهم 60 عاماً وما فوق، بين عامَي 2020 و2050 ثلاثةَ أضعافٍ، أي أن ترتفعَ النسبةُ من 7.3٪ الى 20.2٪ من إجماليِّ السكانِ.
هذا ما لحظَتْهُ آخِرُ الدراساتِ الأمميةِ على مجموعةٍ من الدولِ العربيةِ، مركّزةً على إعطاءِ الأولويةِ لمجموعةٍ من العناصرِ، ولا سيّما الرعايةُ الصحيّةُ والغذاءُ والاحتياجاتُ الضروريةُ للمسنين، وشدّدَتْ هذه الدراساتُ على ضمانِ قدرةِ كلِّ شخصٍ مهما اختلفَتْ سنُّهُ على العيشِ حياةً مستقلةً كريمةً في أيِّ مكانٍ من أقطارِ الأرضِ، على أن تتناولَ السياساتُ والأنظمةُ الوطنيةُ الرفاهَ للأفرادِ وحقوقِهِم عبرَ مسارِ الحياةِ.
في ليبيا، تُعتَبَرُ رعايةُ كبارِ السنِّ مسؤوليةً مجتمعيةً مشتركةً بينَ الأُسَرِ والقطاعاتِ الحكوميةِ ومؤسساتِ المجتمعِ المدنيِّ كافةً، وتُشكّلُ حمايةُ هؤلاءِ تحدّياً لكلِّ دولِ العالمِ، بِحُكمِ التحولاتِ الديموغرافيةِ. ولأنَّ ليبيا تمتلكُ استراتيجيةً وطنيةً من أجلِ شيخوخةٍ نشطةٍ وصحيةٍ ولرعايةِ المسنين (2009)، يرى الدكتور الصدّيق حفتر “ضرورةَ العملِ على تطبيقِها، مع توفيرِ الدعمِ اللازمِ لدُورِ المسنين والعددِ الوافي منَ الاختصاصيين الاجتماعيين في مجالِ رعايتِهِم، على أن يكونَ تعيينُهم على أساسِ الكفاءةِ والخبرةِ، وإخضاعِ كلِّ العاملينَ في دُورِ الرعايةِ لدوراتٍ تدريبيةٍ لتطويرِ تعامُلِهِم مع كبارِ السنِّ”. ويشددُ على أهميةِ “العملِ مع أفرادِ أُسَرِهم أيضاً من أجلِ توعيتِهم في مساندةِ ذويهم وإعطائِهم كلَّ ما يحتاجونهم من دعمٍ ومساندةٍ، وعقدِ دوراتٍ تأهيلية لكبارِ السنِّ لمساعدتِهم إنسانيّاً ونفسيّاً، وإشعارِهم بالحُبِّ والأمانِ وإبقائِهم في حالةِ نشاطٍ مستمرةٍ عبرَ ممارسةِ بعضِ الأنشطةِ الرياضيةِ الملائمةِ لصحتِهم وسنِّهم وقدرتِهمِ الجسديّةِ”. ويرى الدكتور حفتر ضرورةَ “تدريبِ المسنِّ على الاعتمادِ على نفسِهِ وعلى متطلباتِ الحياةِ الأساسيّةِ الصحيةِ والشخصيةِ والغذائيةِ والمجتمعيةِ، إن سمَحَتْ قُدرتُهُ الجسديةُ والعقليةُ بذلكَ، والاستفادةِ من وسائلِ الإعلامِ لنشرِ الثقافةِ المناسبةِ للتعاملِ معَ المسنينَ ورعايتِهم”.
ويشدّدُ على أهميّةِ مسؤولياتِ المجتمعِ في إيلاءِ الأهميةِ لدُورِ الرعايةِ التي تُعنى بالمسنينَ، فإنَّ وُجهةَ نظرِ الدكتور حفتر، تقولُ إنه “لا بدّ منَ اعتمادِ الدولةِ سياساتٍ لتمكينِ كبارِ السنِّ ومنحِهم تسهيلاتٍ خاصةً وحصولِهِم على تخفيضاتٍ في أسعارِ الخِدماتِ الطبيةِ المساعدةِ، وتيسيرِ فُرَصٍ أفضلَ لهم للاستفادةِ منَ الخِدماتِ العامةِ والاستفادةِ بها، ومراعاةِ احتياجاتِهمِ الصحيةِ عند تصميمِ المُدُنِ الحديثةِ والمرافقِ العامةِ وتخطيطِها، بما يسهِّلُ حصولَهم على تلكَ الخِدماتِ، ويوفرُ لهم الارتياحَ النفسيَّ والأمنَ الاجتماعيَّ والصحيَّ أُسوةً بغيرِهم من فئاتِ المجتمعِ”.
لا تقفُ رؤيةُ الدكتور حفتر عندَ هذا الحدِّ، لا بل يدعو إلى “تطويرِ مؤسساتِ الرعايةِ ودُورِ المسنين في إطارِ شراكةٍ بينَ الحكوماتِ ومنظماتِ المجتمعِ المدنيِّ ومؤسساتِ القطاعِ الخاصِّ، بحيثُ يكونُ هذا النوعُ منَ الإيواءِ الخيارَ الأخيرَ والمريحَ للمسنِّ، مع حتميّةِ وضعِ معاييرَ صارمةٍ لضمانِ جَودةِ الخِدماتِ في تلك الدُّورِ وتجهيزِها بوَحَداتٍ ومعداتٍ طبيةٍ، وصالاتٍ تُمارَسُ فيها أنشطةٌ ترفيهيةٌ وفُسُحاتٍ خضراءَ لممارسةِ الرياضةِ والتنزُّهِ، ليشعُرَ المسنُّ بأنّه في دارِهِ ومع أهلِهِ”.
رُغمَ الحاجةِ الى دُورِ المسنينَ في ليبيا، كما في أيِّ مكانٍ في العالمِ، يرى الدكتور حفتر أنَّ ذلك لا يُسقطُ المسؤوليةَ عن أبنائِهم، ولا يكونُ سبباً للانقطاعِ عن الوالدين، وهو من أعظمِ درجاتِ الطاعةِ، امتثالاً لقولِهِ تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *