استراتيجيات مبتكرة لدعم المشاريع الناشئة في ليبيا

بقلم الدكتور الصدّيق حفتر:

تلعبُ المشروعاتُ الصغرى والمتوسطةُ دوراً إيجابيّاً في توفيرِ فُرَصِ العملِ والتقليلِ مِن معدلاتِ البَطالةِ، وتُعتبَرُ أيضاً المصدرَ الرئيسَ لتوفيرِ السِّلعِ والخِدماتِ التي تحتاجُ إليها المشروعاتُ الكبرى، وهي تساهمُ في التنميةِ المكانيةِ للمناطقِ الريفيةِ والنائيةِ، كذلك فإنها الحاضنةُ للأفكارِ الرياديّةِ والمتميّزةِ، ولتبادلِ الخِبراتِ والاستشاراتِ.

تشيرُ إحصاءاتُ المنظمةِ العربيةِ للتنميةِ الصناعيةِ والتعدينِ إلى انخفاضِ عددِ المشروعاتِ الصناعيةِ الصغرى والمتوسطةِ في ليبيا، مقارَنةً بإجماليِّ عددِ المشروعاتِ الصناعيةِ، ويرجِعُ ذلك إلى أسبابٍ عدّةٍ، منها انخفاضُ الدَّعمِ الماليِّ الحكوميِّ لقطاعِ المشروعاتِ الصغرى والمتوسطةِ، وتضمُّنِ الميزانياتِ مبالغَ محدودةً لتمويلِ مشاريعِ المبادراتِ الفرديةِ في مجالِ الصناعةِ والزراعةِ والثروةِ الحيوانيةِ.

غالباً ما يصطدمُ أصحابُ المشروعاتِ الناشئةِ بعدمِ حصولِهِم على تمويلٍ منَ المصارفِ، ولعلَّ أبرزَ أسبابِ عُزوفِ المصارفِ عن قَبولِ طلباتِهِم، ضَعفُ التخطيطِ، وعدمُ توافرِ معلوماتٍ وبياناتٍ كافيةٍ عنِ المشروعاتِ الصغرى والمتوسطةِ، إضافةً إلى القيودِ المفروضةِ على تلك المصارفِ في مجالِ التعاملِ مع مشروعاتٍ كهذه.

تكمنُ الدوافعُ الرئيسيةُ وراءَ الاهتمامِ بالمشروعاتِ الناشئةِ، في قدرتِها على توفيرِ فُرَصِ عملٍ للباحثينَ عن عملٍ، من خريجي جامعاتٍ ومعاهدَ تقنيّةٍ، ولأصحابِ الدخلِ المحدودِ ممَّن يرغبونَ في إقامةِ مشاريعَ اقتصاديةٍ ترفعُ من مستوى دخلِهِم، وخصوصاً أولئكَ الذين لا يملِكون التمويلَ الكافيَ لها. وتكمنُ أيضاً في تشجيعِ روحِ المبادرةِ والابتكارِ لتبنّي مشروعاتٍ تزخرُ بأفكارٍ جديدةٍ. من هنا، نسعى لتنميةِ المشروعاتِ الصغرى والمتوسطةِ في ليبيا، لكونِها “تُساهمُ في تنويعِ مصادرِ الدخلِ للاقتصادِ الوطنيِّ بدلاً منَ الاعتمادِ فقط على النِّفطِ، الأمرُ الذي يُساهمُ في تنميةِ المناطقِ الريفيةِ والنائيةِ وتوفيرِ السِّلَعِ والخِدماتِ التي تحتاجُ إليها المشاريعُ الكبيرةُ واستغلالِ المواردِ المحليةِ”.

خطواتٌ عدةٌ اتُّخِذَتْ في ليبيا من أجلِ دعمِ المشاريعِ الصغرى والمتوسطةِ، مثلُ إنشاءِ “مصرِف التنمية” و”صُندوق التحوّل للإنتاج” و”المجلس الوطنيّ للتطويرِ الاقتصاديِّ”، وغيرُها كثيرٌ دعمَ المشاريعَ الرياديةَ في مختلِفِ المجالاتِ، لكنّ العائقَ الأبرزَ أمامَ عملِها كانَ دائماً عدمَ وجودِ إطارٍ قانونيٍّ متكاملٍ ينظمُ عملَ تلك المشروعاتِ.

يوجَدُ في ليبيا جهازٌ حكوميٌّ يُعنى بشؤونِ المشروعاتِ الصغرى والمتوسطةِ، لكن تبقى مشكلةُ الحصولِ على التمويلِ اللازمِ المشكلةَ الرئيسيةَ التي تواجهُ تلك المشروعاتِ. ومن هنا تأتي ضرورةُ العملِ على سنِّ قانونٍ خاصٍّ بها ينظّمُ إطارَ عملِها ويحدِّدُ الجهاتِ التي تتعاملُ معها. ونرى أنه “ينبغي إعادةُ تنظيمِ البرنامجِ الوطنيِّ للمشروعاتِ الصغرى والمتوسطةِ، بحيثُ يكونُ الجهازَ الحكوميَّ الوحيدَ الذي يمثلُ قطاعَ المشروعاتِ الصغرى والمتوسطةِ، مع عدمِ إشراكِ أيِّ جهةٍ أخرى، كي لا يحصُلُ نوعٌ منَ التداخُلِ أوِ التعارُضِ في الصلاحياتِ، على أن يكونَ الهدفُ هو النهوضَ بهذا القطاعِ، سواءٌ من جهةِ تقديمِ المعلوماتِ، أو تقديمِ الاستشاراتِ والخِبراتِ”.

 

ثمّةَ مسارٌ لا بدَّ من سُلوكِهِ لتحقيقِ هذه الأهدافِ، لذلكَ نُشدّدُ على “أهميةِ إيجادِ خُطةٍ متكاملةٍ تُدرَجُ ضِمنَ أولوياتِ الحكومةِ للنهوضِ بالمشاريعِ الرياديةِ الناشئةِ وتقديمِ الدَّعمِ الماليِّ لها من قِبَلِ الدولةِ عبرَ المؤسَّساتِ الماليةِ والربطِ بينَ الحاضناتِ والجامعاتِ والمعاهدِ من أجلِ تبنّي الأفكارِ الإبداعيةِ ومنحِها الخِدماتِ اللازمةِ من كهرُباءَ وماءٍ وغازٍ وأراضٍ وعَقاراتٍ بأسعارٍ منخفضةٍ، وخصوصاً في السنواتِ الأولى من بدايةِ المشروعِ، وتخصيصِ جُزءٍ من مُشترَياتِ أعمالِ الحكومةِ للمشاريعِ الصغرى والمتوسطةِ، كنوعٍ منَ الدَّعمِ التسويقيِّ لها من قِبَلِ الدولةِ”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *