مبادئِ القانونِ الإنسانيِّ الدوليِّ

بقلم الدكتور الصدّيق حفتر

يُعَدُّ القانونُ الدوليُّ الإنسانيُّ أو ما يُسمّى “قانونَ الحربِ” من أقدمِ فروعِ القانونِ الدوليِّ العامِّ، وظلَّ يتطورُ بتطوُّرِ آلةِ الحربِ والدمارِ وانتشارِ النزاعاتِ المسلَّحةِ الدوليةِ والداخليةِ والمختلطةِ، حتى أصبحَ اليومَ أهمَّ فروعِ القانونِ الدوليِّ العامِّ وأبرزَها، لارتباطِهِ الوثيقِ بعلاقاتِ الدُّولِ وحقوقِ الإنسانِ والشعوبِ. كذلك أصبحَتِ انتهاكاتُ هذا القانونِ موضعَ اهتمامٍ، ومنَ اختصاصاتِ المحاكمِ الجنائيةِ الدوليةِ، وأضحى موضوعُ هذه الانتهاكاتِ وتأثيرِها في الإنسانِ والإنسانيةِ والسِّلمِ والأمنِ الدوليَّين، بنداً أساسياً في معظمِ اجتماعاتِ مجلسِ الأمنِ الدوليِّ والأجهزةِ الأمميةِ الأخرى.

يخاطبُ هذا القانونُ بصفةٍ أساسيةٍ المقاتلينَ والعسكريينَ وأفرقاءَ النِّزاعِ، لذلكَ فإنَّ أهمَّ مبدأ في القانونِ الدوليِّ الإنسانيِّ هو المبدأُ الذي يُلزِمُ المقاتلينَ بالتمييزِ بينَ المدنيين والعسكريين، وكذلكَ ما بينَ المنشأةِ العسكريةِ أو الهدفِ العسكريِّ، والمنشأةِ المدنيةِ، أو المؤسَّساتِ المدنيةِ، وهذا ما أطالبُ بالتزامِ تطبيقِهِ من قِبَلِ الأفرقاءِ الذين يخوضونَ حروباً في ما بينَهُم في وقتِنا هذا.

قد يكونُ هذا المبدأُ أهمَّ مبدأ من مبادئِ القانونِ الدَّوليِّ الإنسانيِّ. يأتي بعدَ ذلكَ مبدأٌ آخرُ، وهوَ مبدأُ التناسبِ، أي إنه حتى لو تبيَّن للمقاتلِ أنَّ منشأةً مدنيةً تحولَتْ إلى هدفٍ عسكريٍّ بسببِ -مثلاً- إخفاءِ سلاحٍ أو ذخيرةٍ أو مقاتلينَ، هنا يطلبُ القانونُ المذكورُ من المقاتلِ أن يحترمَ المبدأَ الثانيَ، وهو التناسُبُ، حيث يطلبُ منَ المقاتلِ أن يوازنَ ما بينَ الميزةِ العسكريةِ التي ستتحققُ من جرّاءِ العملِ العسكريِّ، وبينَ الاعتباراتِ الإنسانيةِ الأخرى، والخسائرِ البشريةِ التي قد تُصيبُ المجتمعَ المحيطَ بالهدفِ العسكريِّ، أو المنشأةَ المدنيةَ التي تحولَتْ إلى هدفٍ عسكريٍّ.

لئن كانَ القانونُ الدوليُّ لحقوقِ الإنسانِ من خلالِ آلياتِهِ الدوليةِ والداخليةِ قد توصلَ -ولو نسبياً- إلى فرضِ احترامِهِ على العديدِ منَ الدولِ، فإنَّ مسألةَ فرضِ هذا الاحترامِ لصالحِ القانونِ الدوليِّ الإنسانيِّ لا تزالُ بعيدةً، وخصوصاً في النزاعاتِ الداخليةِ، حيثُ لم تَعُدْ هذه الآلياتُ، كلجنةِ التقصّي الخاصةِ باللجنةِ الدوليةِ للصليبِ الأحمرِ، ولا الدولةِ الحاميةِ، ولا حتى المحكمةِ الجنائيةِ الدوليةِ الدائمةِ، كافيةً في كفالةِ تنفيذِ أحكامِ القانونِ الدوليِّ الإنسانيِّ، ما استدعى المجتمعَ الدوليَّ إلى تأكيدِ ضرورةِ تفعيلِ أحكامِ القانونِ الدوليِّ الإنسانيِّ، ضمنَ التشريعاتِ الداخليةِ للدولِ، وذلكَ لاعتباراتٍ واقعيةٍ وتعاهديةٍ.

وفي الختامِ، لا يسعُنا سوى مطالبةِ كلِّ الأفرقاءِ مجدَّداً -من دولٍ أو منظماتٍ أو حركاتٍ تحرريةٍ كأفرقاءَ متخاصمةٍ تدورُ حروبٌ دمويةٌ في ما بينها- بمسألةِ الاحترامِ والتزامِ القانونِ الدوليِّ الإنسانيِّ، وهي مربطُ الفرسِ بالنسبةِ إلى كلِّ الفروعِ القانونيةِ، ومنها القانونُ الدوليُّ.

ومن هنا لا بدَّ من نشرِ قواعدِ القانونِ الدوليِّ الإنسانيِّ وإدماجِها ضمنَ المنظومةِ القانونيةِ الوطنيةِ في كلِّ بلدٍ عربيٍّ وإقليميٍّ ودوليٍّ، وضمنَ برامجِ التعليمِ والتكوينِ في المؤسَّساتِ الرسميةِ والأهليةِ كافةً، قصدَ الوصولِ إلى أكثرِ احترامٍ وامتثالٍ للقواعدِ الإنسانيةِ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *