وداعا أبا مسلم
سمير السعد – في رحيله، فقدنا إحدى القامات الفكرية والأدبية والإسلامية التي تركت بصمة عميقة في الساحة الثقافية والفكرية والإسلامية . حسين جلوب الساعدي، المعروف باسم “أبا مسلم”، كان من أبرز المفكرين الإسلاميين والصحفيين والمثقفين الذين كرّسوا حياتهم لخدمة الكلمة والقلم، مستنيرًا بقيم الإسلام ومبادئه، ومبديًا اهتمامًا خاصًا بقضايا العدالة الاجتماعية، الثقافة الإسلامية، وأهمية الحوار الثقافي.
ولد حسين جلوب الساعدي في بيئة تقدر العلم والثقافة، وكان نهجه الفكري منذ البداية مبنيًا على المزاوجة بين الدين والفكر، ليصبح من أبرز الشخصيات التي كانت تطرح قضايا العصر من منظور إسلامي حداثي. تميز بفهمه العميق للأحداث الجارية وبقدرة فذة على تحليلها في إطار تاريخي وديني متكامل.
إلى جانب فكره الواسع، برز الساعدي كأديب يمتاز بأسلوبه الرشيق والمعبر، حيث خط العديد من المقالات والكتب التي تناولت قضايا أخلاقية واجتماعية وإسلامية . كان يؤمن بأهمية الكلمة في تغيير الواقع الاجتماعي، وكان صوتًا جريئًا يصدح بالحق في زمن أصبح فيه قول الحقيقة تحديًا.
في مسيرته كصحفي، كان حسين جلوب الساعدي لا يكتفي بنقل الأخبار، بل كان دائمًا يبحث عن جوهر الأمور، مقدّمًا رؤية شاملة ومستقلة عن الأحداث. عمله الصحفي كان امتدادًا لفكره، حيث كان يطرح تساؤلات جريئة ويناقش قضايا شائكة، متسلحًا بمبادئه الراسخة في الدفاع عن المظلومين ودعم الإصلاحات المجتمعية. لم تكن مواقفه منصفة فقط بل كانت نابعة من إيمان عميق بضرورة تحقيق العدل والكرامة الإنسانية.
كانت قلمه الحر سلاحًا في وجه الظلم والتطرف، ودوره كصحفي لا يُنسى في تغطية القضايا الحساسة التي تواجه الأمة الإسلامية والعربية، مما جعله مرجعًا للعديد من الشباب الطامحين إلى دخول مجال الإعلام والفكر.
رحيل حسين جلوب الساعدي ترك فراغًا كبيرًا في الساحة الفكرية والإعلامية والإسلامية . كان مفكرًا عميقًا، صحفيًا نزيهًا، وأديبًا حساسًا تجاه هموم مجتمعه وأمته مفكرا اسلاميا أغنى المكتبات بكتب كثيرة وثرية . سيبقى أثره في الأجيال القادمة، ليس فقط بما قدمه من أعمال، ولكن أيضًا بما تركه من قيم ومبادئ يجب أن تظل حية في عقولنا وقلوبنا.
خسارته فادحة، لكن ذكراه ستبقى حية، ليس فقط في قلوب من عرفوه، بل في كل من قرأ أفكاره وتأثر بها.
بعد رحيل حسين جلوب الساعدي “أبو مسلم”، يبقى السؤال عن كيفية الحفاظ على إرثه الفكري والأدبي حيًا. فقد كان لا يكتفي بالكتابة فقط، بل كان صاحب مشروع نهضوي يسعى لإحياء الروح الإسلامية في المجتمع من خلال الفكر والإبداع. ترك بصمة لا تُنسى في المجالات التالية:
أبو مسلم لم يكن مجرد ناقل للأفكار الدينية، بل كان يطرح رؤى تجديدية، تعكس فهمه العميق للعصر ولتحدياته. كان يؤمن بأن الإسلام دين حيوي ومرن، يمكنه التكيف مع التغيرات الاجتماعية والسياسية، إذا ما تم تفسيره بشكل عقلاني ومنفتح. دافع عن فكرة أن النهضة الإسلامية تحتاج إلى تجديد شامل، يشمل التعليم، الفكر، والاجتماع، ودعا دائمًا إلى إعادة قراءة النصوص الدينية بما يتناسب مع مستجدات العصر.
من خلال مقالاته وأعماله الأدبية والفكرية والإسلامية ، كان حسين الساعدي من أبرز المدافعين عن الحوار بين الثقافات. كان يرى أن الحوار هو السبيل الأوحد للتغلب على سوء الفهم المتبادل بين الأمم، ودائمًا ما كان يدعو إلى التفاهم والتسامح كأساس لبناء مجتمع سليم. كان يرى في الحوار بين الإسلام والحضارات الأخرى فرصة لإبراز القيم الإنسانية في الإسلام، وتشجيع الآخرين على فهمه بعيدًا عن الصور النمطية.
أما في الأدب، فقد تميز أسلوب حسين الساعدي بصدق المشاعر وعمق الأفكار. كانت كتاباته تعكس اهتمامه بالقضايا الأخلاقية والإنسانية. كتب عن معاناة الإنسان، وعن البحث المستمر عن الحقيقة. وكانت أعماله الأدبية دائمًا ما تتناول قيم العدل والمساواة، والتأكيد على أهمية عمل الخير في حياة الفرد والمجتمع. كان يسعى من خلال الأدب إلى إيقاظ الضمير الجمعي، وتحفيز الناس على التفكير والتأمل.
عمله في الصحافة كان نموذجًا يُحتذى به في النزاهة والشجاعة. كان يدرك جيدًا أن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل رسالة سامية يجب أن تُحمل بأمانة ومسؤولية. لقد اتسمت مقالاته بالدقة والموضوعية، وكان دائمًا ما يلتزم بالحقائق، حتى وإن كانت مواقفه تعرضه للانتقاد أو الضغوط. كان يؤمن بأن الصحفي يجب أن يكون صوت المظلومين، وأن يكون شاهدًا على الحقائق، لا متحيزًا لمصالح شخصية أو أجندات سياسية.
رحيل حسين جلوب الساعدي الإنسان لا يعني نهاية أثره. فالأجيال الجديدة من المفكرين والصحفيين لا تزال تستلهم من فكره وقلمه. لا سيما في وقتنا الحالي، حيث يعاني العالم الإسلامي من العديد من التحديات، فإن الحاجة إلى مفكرين يحملون رسالة الساعدي باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى. كان يرى أن الأمل في مستقبل أفضل يكمن في الجيل الصاعد، وفي قدرتهم على إعادة بناء المجتمعات بالاستناد إلى قيم الحق والعدل.
وفي الختام رغم أن حسين جلوب الساعدي “أبو مسلم” قد رحل عن دنيانا، إلا أن إرثه سيظل خالدًا. سيظل فكره حيًا في قلوب من قرأوه وتأثروا بكتاباته. وإن كان هذا الفقد مؤلمًا، فإن عزاءنا يكمن في الأثر الذي تركه، وفي الأجيال التي ستواصل طريقه، حاملة رسالته في نشر القيم الإسلامية الإنسانية ونصرة الحق.
(إنا لله وإنا إليه راجعون .. )