بناءُ الإنسانِ حجرٌ أساسٌ للارتقاءِ بليبيا نحوَ التطوّرِ
تُعتبَرُ قيمةُ الإنسانِ والاستثمارُ فيهِ السبيلَ الأسرعَ لبناءِ أيِّ مجتمعٍ حضاريٍّ، فالدولُ لا تُقاسُ بثرواتِها فحسب، بل باهتمامِها ببناءِ الإنسان. لا يتحققُ بناءُ الإنسانِ إلا من خلالِ بناءِ شخصيتِهِ وتربيتِهِ تربيةً صحيحةً مبنيةً على القِيَمِ والأخلاقِ، وتزويدِهِ بالمعارفِ والعلومِ.
إنّ بناءَ الإنسانِ هو اللَّبِنةُ الأولى للمشاركةِ في المنظومةِ العالميةِ، وأهمُّ طريقٍ لخَلقِ نماذجَ مثاليةٍ للإنماءِ الإنسانيِّ تكونُ عبرَ التربيةِ القويمةِ وتنميةِ الإمكاناتِ الجسديةِ العقليةِ. ولبلوغِ هذه الغايةِ، يُعوِّلُ الدكتور الصدّيق حفتر على “عواملَ عدّةٍ لا بُدَّ أن توفّرَها الحكوماتُ ومؤسَّساتُها المتفاعلةُ من أجلِ أن تجعلَ للفردِ قيمةً، سواءٌ في صِغَرِهِ، شبابِهِ أو شيخوختِهِ”. وهو يرى أن “يكونَ ذلك من خلالِ التعليمِ الجيدِ والمُستدامِ الذي يساعدُ في تنميةِ مهاراتِ الإنسانِ الفكريةِ والعلميةِ، ويُعزِّزُ من قدرتِهِ على اتخاذِ قراراتٍ مستنيرةٍ، وغرسِ القِيَمِ والأخلاقِ والمبادئِ الإنسانيةِ منذُ الطفولةِ، والعملِ على تنميةِ المجتمعِ وتعزيزِ الشعورِ بالقيمةِ الذاتيةِ”. لا يُغفِلُ الدكتور حفتر “الاهتمامَ بالصِّحةِ النفسيةِ للأفرادِ وتقديمِ الدعمِ النفسيِّ لهم لمساعدتِهِم على تخطي ضغوطاتِ الحياةِ اليوميةِ، فعمليةُ بناءِ الإنسانِ في المجتمعِ يجبُ أن يتكاتفَ فيها الجميعُ، أسرةً ومدرسةً ومؤسساتٍ ثقافيةً ودينيةً وحكوميةً”.
كلُّنا نلحظُ قيمةَ الإنسانِ في العالَمِ المتقدِّمِ. هي قيمةٌ عاليةٌ تفتقدُها الكثيرُ منَ الدُّوَلِ العربيةِ ودولِ العالَمِ الثالثِ. والدولةُ القويةُ لا تُبنى بجهلِ مجتمعٍ لا طموحَ له ولا علمَ ولا معرفةَ. من هنا، فإنَّ بناءَ الإنسانِ لا ينتهي وقتُهُ، بل مستمرٌّ منذُ ولادتِهِ إلى وفاتِهِ، لكونِهِ جزءاً من هذا الوطنِ، وبعلمِهِ ومعرفتِهِ وبناءِ شخصيتِهِ تتحقَّقُ المصلحةُ الوطنيةُ وتصلُ الدولُ إلى مراتبَ عاليةٍ في النموِّ والتطورِ.
بناءُ الإنسانِ ليسَ عمليةً فرديةً، بل عمليةٌ متكاملةٌ تتطلَّبُ تضافرَ الجهودِ من أجلِ بناءِ شبابِ المستقبلِ. هو الحجرُ الأساسُ للارتقاءِ بالبُلدانِ إلى مستوى الدولِ المتطورةِ، فالفردُ المتعلّمُ يمتلكُ القدرةَ على ابتكارِ الحلولِ لمشاكلِ المجتمعِ، ويساهمُ في التقدّمِ التكنولوجيِّ والصناعيِّ الذي يُسهمُ بدورِهِ في بناءِ مستقبلٍ أفضلَ، والأشخاصُ الذين يتمتعونَ بوعيٍ اجتماعيٍّ يمكنُ أن يُصبحوا قادةً يوجّهون المجتمعَ نحوَ أهدافٍ تنمويةٍ مشتركةٍ، ويساهمون في تعزيزِ المؤسَّساتِ وسيادةِ القانون.
وليبيا، كغيرِها من الكثيرِ منَ الدولِ العربيةِ، ولا سيما تلك التي شهدَتْ وتشهدُ صراعاتٍ سياسيةً وأمنيةً، تسعى لتعزيزِ بناءِ إنسانِ قادرٍ على تحقيقِ دولةٍ متطورةٍ، وهي تحتاجُ بدايةً إلى تحقيقِ استقرارٍ سياسيٍّ وأمنيٍّ يُعَدُّ أساساً لبناءِ المؤسَّساتِ وتحفيزِ التنميةِ المستدامةِ، وإلى تحسينِ القطاعِ التعليميِّ، وتعزيزِ القِيَمِ الوطنيةِ والمواطنةِ.
يروي الروائيُّ البرازيليُّ الشهيرُ باولو كويلو قصةً قصيرةً عن أبٍ كان يحاولُ أن يقرأَ جريدةً، لكنّ ابنَهُ الصغيرَ لم يكفَّ عن مضايقتِهِ. تَعِبَ الأبُ من مضايقاتِ صغيرِهِ، فقطعَ صفحةً منَ الجريدةِ كانت تحوي خريطةَ العالَمِ، ومزَّقَها قِطعاً صغيرةً، وطلبَ منَ ابنِهِ إعادةَ تجميعِ الخريطةِ، ثم واصلَ قراءتَهُ للجريدةِ، معتقداً أنَّ ابنَهُ سيبقى مشغولاً في جمعِها طوالَ اليومِ. لم تمرّ 15 دقيقة حتى عادَ الابنُ إليه، وقد أعادَ ترتيبَ الخريطةِ. فسألَهُ الأبُ مذهولاً: “هل كانَتْ أمُّكَ تُعلمكُ الجغرافيا؟”، فردَّ الطفلُ مبتسماً: “لا، لكن كانَتْ هناك صورةٌ لإنسانٍ على الوجهِ الآخرِ من الورقةِ، وعندما أعدتُ بناءَ الإنسانِ، أعدتُ بناءَ العالَمِ!”.