التنمية البشرية ودورها في التنمية العمرانية

التنمية البشرية هي عملية تتضمن توسعة خيارات الناس على كافة المستويات تعليمياً واجتماعياً واقتصادياً وعمرانياً. لقد ارتبط التخطيط العمراني بنشأة المدن منذ أقدم العصور، وتميّزت كل حضارة بنظام تخطيط يلبي حاجات الأفراد وراحتهم ومواءمة أماكن السكن لمتطلبات الجميع، حتى أصبح مفهوم التخطيط العمراني الدعامة الرئيسة التي تعتمدها الدول في التخطيط لمستقبل التجمعات البشرية. لا بد من الوقوف على أهمية الدور الذي يلعبه مخططو العمران في تطوير التخطيط العمراني لخدمة التنمية المستدامة التي تهدف إلى تحقيق البيئة العمرانية الملائمة لراحة الإنسان.

لطالما كانت التنمية البشرية والعمرانية مترابطان بشكل وثيق، ومعهما لا بد من تحقيق توازن اجتماعي واقتصادي وتعليمي للنهوض بالبنية التحتية في أي مكان في العالم، ولا يكون ذلك الا من خلال توفير التعليم الجيد والتدريب العالي الجودة وتأهيل الأفراد وتزويدهم بمهارات تكون على مستوى احتياجات السوق العمراني. في هذا الإطار، يرى الدكتور الصديق حفتر أنه “يمكن توفير برامج تدريبية متخصصة للمهندسين في ليبيا ولكلّ الفنيين والعاملين في مجال البناء لتحسين الكفاءة والاهتمام بتطوير مرافق التعليم والصحة والنقل العام”، وهو يشير الى “ضرورة اتباع الحكومة لسياسات تشجع على الاستثمار في التنمية البشرية بالتوازي مع الاستثمار في التنمية العمرانية”.

لا يُعتبر الاهتمام بالصحة ومرافق دعم صحة الأفراد بعيداً عن تطلعات حفتر، “فلا بد من تخصيص مساحات ومرافق دعم للأفراد وصحتهم كالحدائق العامة والمرافق الرياضية وسواها ما يساهم في تحسين جودة الحياة”.

ما مِن تنميةٍ إن لم تكن تنمية مستدامة، مهما كان نوعها، على أن تراعي مفاهيم التنمية العمرانية الخضراء والطاقة المتجددة والمياه النظيفة. كل ذلك يتطلب إشراك المجتمع في عمليات التخطيط العمراني كونه يعي احتياجات الناس وهذا ما يعزز من تلاحم التنمية البشرية والعمرانية في آن. تكمن أهمية التنمية البشرية المستدامة في تطوير التخطيط العمراني والاستفادة من خدمات الانترنت والتكنولوجيا الجديدة والتي تمثل وسيلة قوية لبناء مجتمع المعلومة ونظام النقل الى جانب الأهمية السياحية من خلال المحافظة على الموروث الثقافي والحضاري. فالتكنولوجيا الحديثة تلعب دورًا مهمًا في تقوية البنية التحتية الرقمية وجعلها أكثر موثوقية وأمانًا. لكن هناك تحديات تقنية تواجه عمليات تحسينها إذ قد لا تكون البنية التحتية الحالية قادرة على مواكبة الطلب المتزايد على الخدمات الرقمية وقد لا تكون سرعات الاتصال الحالية كافية لدعم التطبيقات الرقمية الجديدة.

صحيح أنّ البنية التحتية هي جوهر الحياة ومعها يمكن تحسين عمل كافة المؤسسات كالمدارس والمستشفيات والمصانع، وتتيح لأبناء المجتمع فرص الحصول على الوظائف، إلا أن الاختلالات في البنية التحتية في البلدان النامية تمثل مصدر قلق يومي، وتعرقل خدمات الصحة والتعليم، وتحدّ من آفاق النمو الاقتصادي.

من هنا تأتي أهمية وضع الأسس السليمة لأي عملية تنمية بشرية وعمرانية وبناء مؤسسات قادرة على الصمود و تحسين آلية اتخاذ القرارات وسبل الوصول إلى البيانات والأدوات والمهارات وتوفير النوع المناسب من التمويل في الوقت المناسب.

تمثل البنية التحتية شرطًا مسبقا للنمو المستدام على المدى الطويل، ولها تأثير بيئي واجتماعي ايجابي، وهي تدعم الكفاءة الاقتصادية، وتخلق فرص عمل، وتوفر السلامة لاسيما مع ما نعانيه من تغيّر المناخ. لقد بات العالم بحاجة الى بنية تحتية عالية الجودة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال اللحاق بالتطوّر وتنمية أفراد المجتمع للوصول هذه الغاية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *