معركة من أجل وجود لبنان 

يوسف حسن – العدوان الصهيوني على لبنان أثبت أن موقف حزب الله بمساندة غزة كان سليماً، لا يمكن لإنسان عاقل أن يتجنّب هذه العبارة، فالإحتلال لن يتوقّف عند غزة.

لنعود الى الوراء قليلاً، أي منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة خلال العام المنصرم، أقدم الاحتلال على اغتيال القيادي صالح العاروري في لبنان، وكان العاروري أحد أبرز قادة حماس الذين اغتالتهم إسرائيل.

ورداً على هذا الاغتيال أثيرت تكهنات كثيرة في نفس الوقت، والآن مع مرور الوقت تم الكشف عن مردّ تلك الأحداث، ويبدو أنه رغم انتهاك إسرائيل للخط الأحمر في الهجوم على الضاحية، إلا أن حزب الله قرر الرد على هذا الهجوم بمستوى أقل بكثير حتى لا يعرض أمن لبنان للخطر، لتكون الشرارة الأولى من قبل الإحتلال.

وطبعاً لم يكن هذا الإجراء مفيداً جداً، وبعد هذا الاغتيال حصلت العديد من الاغتيالات الأخرى، أهمها يمكن اعتبارها اغتيال الشهيد حسن نصر الله، الذي اعتبر بدوره ضربة قاصمة لجسد حزب الله.

على العموم، لا يخفى على أحد أن حزب الله تأسّس منذ الوهلة الأولى لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي في مناطق مختلفة من لبنان، حيث أدى احتلال إسرائيل لمناطق مختلفة من لبنان إلى إنتفاض الشيعة وقيامهم بعمل عسكري ليعقب ذلك تشكيل الفرع العسكري لحزب الله، ونتيجة لذلك، ينبغي القول إن وجود حزب الله يعني القتال ضد الاحتلال، ولا يمكن اعتباره مجرد حزب سياسي.

لقد أثبت تاريخ النضال ضد إسرائيل في لبنان أن عنصر المقاومة استطاع أن يعيد الأراضي اللبنانية المحتلة إلى هذا البلد، لكن تحركات المجتمع الدولي، لا في لبنان ولا في غزة، فشلت حتى الآن في إعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل إلى شعبهما.

وكشف التحقيق في قضية أجهزة الاستدعاء (البيجر)، التي ألحقت أضرارا كبيرة بحزب الله، أن إسرائيل كانت تجهز الاستعدادات اللازمة لمهاجمة لبنان منذ فترة طويلة ووفقا للمعلومات المسربة، كانت تل أبيب تُحضّر لهذا العدوان منذ عام 2016.

لهذا كانت ضربات الحزب في مواجهة إسرائيل خطوة وقائية، وهو الإجراء الذي جعل لبنان لا يتفاجأ باندلاع الحرب، والآن، على الرغم من الأضرار التي لحقت بالمناطق الجنوبية من لبنان، فإن مخاوف إسرائيل بشأن حدودها الشمالية لم تتراجع قيد أنملة بل تفاقمت.

علاوة على ذلك، لا يمكن اعتبار هجمات حزب الله عملاً هجومياً، ولكن وفقاً للقرار 1701، كان على إسرائيل أن تسحب قواتها العسكرية من لبنان، في حين انحصر عمل حزب الله ضد إسرائيل في حقول شبعا، ووجود هذه القوات في حقول شبعا يشير إلى احتلال إسرائيلي آخر للبنان، وعمل حزب الله هو عمل مشروع ضد الاحتلال غير المصرح به.

لذلك، كانت الخطوة الأولية لحزب الله بمثابة خطوة دفاعية ضد القوات العسكرية للصهاينة. لكن في المرحلة التالية، فتحت إسرائيل النار على مناطق لبنانية أخرى تتمتع بحصانات دولية، وتسببت في تصاعد التوتر بشكل متزايد.

في الخطوة الأولى، عندما تواجه جيوش تلك الدول احتلالاً من دولة أخرى، تقوم برد فعل مضاد. لكن بسبب إهمال الجيش لاحتلال إسرائيل لأراضيه، اضطر حزب الله إلى التعامل معه.

وفي رد الفعل هذا من جانب حزب الله، كان ينبغي للأطراف الأخرى أن تعمل كصوت واحد لقطع الطريق على الدولة المعادية من خلال إظهار الإجماع الداخلي. لكن هذه الأحزاب فضلت عدم التحرك ليس فقط في المجال العسكري، بل أيضا في المجال السياسي.

ولو كانت هذه الأطراف قد رافقت حزب الله في بداية الاحتلال الإسرائيلي، لكان من الممكن أن إسرائيل لم تكن لتسمح لنفسها بتصعيد التوتر وإلحاق هذا القدر من الضرر، ولكن عدم الاعتراف بالمصالح الوطنية أدى إلى عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة.

وبالطبع، ونظراً لظروف لبنان، فإن عدم مشاركة هذه الأطراف كان طبيعياً تماماً. ويسير لبنان من دون رئيس منذ أكثر من عامين، ولم تتمكن الأطراف اللبنانية حتى الآن من التوصل إلى توافق.

عل كل حال من الواضح أن إسرائيل لم تكن تريد أبداً أن يكون لبنان دولة مستقلة، لكن الخيار الأفضل لإسرائيل هو شرذمة لبنان إلى عدة أجزاء، الأجزاء التي ليست أكبر جغرافيا من إسرائيل ولا يمكن لها أن تتخذ اجراءات ضد الكيان.

ولهذا السبب، حاولت إسرائيل عاجلاً أم آجلاً مهاجمة لبنان، والدليل على هذا الادعاء هو أنه الآن بعد أن دخلت إسرائيل في حرب في عدة أماكن، هناك شائعات عن بدء حرب ضد سوريا.

ونتيجة لذلك، ينبغي الأخذ في الاعتبار أنه إذا لم يتدخل لبنان في مسألة الحرب مع غزة، فسوف يتم تدمير مقاومة غزة وستكون الخطوة التالية من الحرب هي حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان، وبعدها لن يكون للدولة اللبنانية وجود في ظل وضعها الجغرافي الحالي.

لبنان يحتاج إلى المقاومة الآن، ومع انتشار النيران على أماكن تابعة لمختلف الأحزاب اللبنانية، وكذلك الهجمات على أماكن دولية، أدرك الجميع أن المشكلة الحالية هي مشكلة لبنان، وإسرائيل تريد تغيير المعادلات الإقليمية بما ينسجم مع سياساتها الاسستعمارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *