القبائلُ دعائمُ الوطن
كثيرًا ما قَرأتُ وسمعتُ مَن يُعطي لفظةَ “قبليّةٍ” أو”قبائلَ” مفهومًا سَلبِيًّا، بِدونِ أنْ يُكلِّفَ نفسَه عناءَ تفسيرِ هذا الموقفِ الجائرِ، القائمِ على أحكامٍ مُسْبَقَةٍ. وإذا كانَ النّبيُ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلّمَ لمْ يَهدِمْ جميعَ ما وجدَهُ قبلَه مِن أعرافٍ وتقاليدَ، بلْ أَلغَى السَّيِّئَ مِنها وأبْقى على الحَسَنِ، مُوَضِّحًا سببِ فعلِه ذلكَ بقولِه: “إنَّما بُعِثتُ لِأُتمِّمَ مكارِمَ الأَخْلاقِ”، فنحنُ أَوْلى بالاقْتداءِ بهِ.
وفي بلدٍ مِثلَ بلدِنا “ليبيا” ذِي تركيبةٍ اجتماعيّةٍ قَبَليّةٍ، كُنّا ولا نزالُ نَعُدُّ القَبائلَ مصدرَ إثراءٍ لمجتمعِنا، وقاعدةً مَكينةً مَتينةً يَستندُ عليها بناءُ الوطنِ. فتاريخُ القبائلِ ناصعٌ، عليها قامتِ البِلادُ، وقدْ قدَّمَتْ فداءً له خِيرَةَ أبنائِها، وكانتْ عَينَ الوطنِ الحارسةَ، ويدَهُ الضّارِبَةَ لكلِّ مَنْ تُسوِّلُ له نفسُه العبثَ بوحدتِه الترابيّةِ. وحاضرُ القبائلِ لا يَقِلُّ تَشريفًا عن ماضيها، أَعرافُها سَنَدٌ للقانونِ، ومُصالحاتُها لُحمةٌ للوِحدَةِ.
دونَ أن نَنسى قبلَ ذلكَ أنّنَا أبناءُ دينٍ ولغةٍ وترابٍ واحدٍ، إضافةً إلى ما بينَ القبائلِ مِن تمازجٍ نتيجةَ القَراباتِ والمُصاهراتِ، وبدَلَ أن نَنظُرَ بعَيْنِ السَّخْطِ إلى مفهومِ القبَليّةِ، يُمكِنُنا -بلْ يَجِبُ علينا- الاستفادةُ مِن إيجابيّاتِه: كالتّكافُلِ الاجتماعيِّ، والمحافظةِ على الأخلاقِ، وإشاعةِ ثقافةِ الاحترامِ، وتفهُّمِ الاخْتلافاتِ حتّى لا تَتحوَّلَ إلى خِلافاتٍ.
وليْكَنْ مِيزانُنا في النّظرةِ إلى القبائلِ، ما قالَه عليٌّ بنُ أبي طالبٍ رضيَ الله عنه: “لَيْسَ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُحِبُّ الرَّجُلُ قَوْمَهُ، وَلَكِنْ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ شِرَارَ قَوْمِهِ خَيْرًا مِنْ خِيَارِ قَوْمٍ آخَرِينَ”.