التصعيد الأمريكي ضد إيران.. مقامرة مكلفة أم فشل محتوم؟

سمير السعد

تصاعدت التوترات في المنطقة عقب الهجوم الأمريكي الأخير على أهداف إيرانية، مما أثار تساؤلات حول جدوى هذه العمليات العسكرية ومدى تأثيرها الحقيقي. ففي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن لفرض هيمنتها عبر استعراض القوة، تواجه سياساتها في الشرق الأوسط تحديات جسيمة، خاصة مع فشل التدخلات العسكرية السابقة في تحقيق أهدافها المعلنة، بل إنها أدت إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار.

خاضت الولايات المتحدة حروبًا مكلفة في المنطقة، بدءًا من العراق وأفغانستان إلى تدخلاتها المباشرة وغير المباشرة في سوريا واليمن، لكنها لم تحصد سوى مزيد من التعقيد الاستراتيجي والخسائر المالية والبشرية. وهو ما أكده الرئيس دونالد ترامب في وقت سابق قبل ولايته الحالية عندما انتقد هذه التدخلات، واصفًا إياها بـ”الحروب العقيمة” التي استنزفت موارد بلاده دون تحقيق نتائج تُذكر.

اليوم، تعيد واشنطن السيناريو نفسه، ولكن مع خصم مختلف تمامًا، يمتلك قدرات عسكرية متطورة وخبرة طويلة في إدارة المواجهات. فإيران لم تعد كما كانت في السابق، بل أصبحت قوة إقليمية رئيسية، لها نفوذ سياسي وعسكري واسع، كما أنها طورت إمكانياتها الدفاعية والهجومية بشكل كبير، ما يجعل أي مواجهة مباشرة معها مكلفة على جميع الأصعدة.

السياسة الأمريكية تجاه إيران لطالما اتسمت بالتذبذب. فبينما انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق النووي وفرضت عقوبات مشددة، أبدى ترامب نفسه في بعض الأحيان رغبة في التفاوض مع طهران. واليوم، ومع التصعيد العسكري، تبدو واشنطن غير قادرة على رسم استراتيجية واضحة ، إذ تلجأ للقوة العسكرية كأداة ضغط، لكنها تدرك في الوقت ذاته أن الانخراط في حرب مباشرة يحمل تهديدًا كبيرًا لمصالحها في المنطقة.

أي تصعيد عسكري مع إيران لن يكون مجرد ضربة سريعة يمكن تجاوز تداعياتها بسهولة، بل قد يتحول إلى حرب واسعة تهدد كل المصالح الأمريكية وحلفائها في الشرق الأوسط. فإيران تمتلك شبكة تحالفات إقليمية قادرة على التأثير في مجريات الصراع، كما أن أي مواجهة قد تؤدي إلى اضطرابات في أسواق الطاقة العالمية، ما سيؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.

والأهم من ذلك، أن واشنطن تعلم جيدًا أن دخولها في حرب مفتوحة ضد إيران لن يكون بلا ثمن، بل قد يعيدها إلى مستنقع جديد على غرار ما حدث في العراق وأفغانستان، حيث لم تكن النتائج سوى مزيد من الخسائر والاستنزاف دون تحقيق الأهداف السياسية المرجوة.

مع استمرار سياسات الاستكبار العالمي والاحتلال الصهيوني لفلسطين، تظل المقاومة خيارًا مشروعًا للشعوب الحرة التي ترفض الخضوع لهيمنة القوى الكبرى. فطالما هناك ظلم واحتلال، سيظل خيار المواجهة حاضرًا، وهو ما أثبتته تجارب المقاومة عبر العقود الماضية، حيث فشلت جميع محاولات فرض الأمر الواقع بالقوة.

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن المنطقة مقبلة على تطورات غير متوقعة، فهل تنجح واشنطن في تحقيق أهدافها عبر التصعيد العسكري، أم أن هذه الخطوة ستكون بداية لانزلاق جديد نحو الفشل؟ الأيام القادمة ستكشف الكثير، لكن المؤكد أن إيران اليوم ليست كما كانت في السابق، وأن أي مواجهة معها ستكون أكثر تكلفة وتعقيدًا مما تتوقعه الإدارة الأمريكية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *