نتنياهو يهدد يدفع معاهدة السلام مع مصر إلى الانهيار…هل بدأت الحرب الباردة ؟ 

ستيفن صهيوني، صحفي محلل سياسي

تواجه اتفاقيات كامب ديفيد لعام 1979، التي طالما كانت حجر الزاوية للاستقرار في الشرق الأوسط، اختبارها الأشد منذ عقود. تقوم حملة مُحَطَّمَة من الضغط السياسي والاقتصادي من قبل حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدفع “السلام البارد” التاريخي مع مصر إلى نقطة الانهيار المحتملة، مما يخلق ديناميكية جديدة متقلبة عبر المنطقة. وفي صميم التصاعد في التوتر يوجد تداخل للنزاعات حول صفقة غاز بمليارات الدولارات، والادعاءات غير المثبتة حول تعزيز عسكري مصري في شبه جزيرة سيناء، والخلاف الجوهري حول مستقبل غزة.

  • صفقة الغاز والأزمات المفتعلة

أكثر بؤر التوتر إلحاحًا، كما أوضحت عضو الكنيست الإسرائيلية السابقة كسينيا سفيتلوفا في صحيفة الفاينانشال تايمز، هو تهديد نتنياهو بإفشال صفقة غاز مع مصر بقيمة 35 مليار دولار. هذه الخطوة، التي تصفها سفيتلوفا بأنها “خطأ فادح”، من شأنها أن تقوض ما تسميه “أهم شراكة عربية حيوية لإسرائيل”.

التبرير الرسمي من حكومة نتنياهو هو ادعاء انتهاك مصر لمعاهدة السلام من خلال نشر عسكري غير مصرح به في سيناء. هذا الادعاء، الذي تنفيه مصر بشدة، تم تضخيمه من قبل حزب الليكود الحاكم في إسرائيل وحلفائه الإعلاميين. في وقت سابق من هذا العام، حذر سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة المنظمات اليهودية الأمريكية من “انتهاك واضح” في سيناء، ووعد برد إسرائيلي “حاسم جدًا”.

ومع ذلك، تم دحض هذه الادعاءات بشكل منهجي. وتشير سفيتلوفا إلى أن كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين أوضحوا لاحقًا أن التقارير الإخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي حول زيادة القوات المصرية كانت “غير صحيحة ونُشرت من قبل شخصيات يمينية لأسباب سياسية”.

وهذا يشير إلى ما تصفه سفيتلوفا بأنه نمط مقلق من الأزمات “المفبركة” و”المُصَنَّعة” المصممة للضغط على القاهرة لقبول سياسات لا يمكنها تبنيها بأي حال. وترتبط هذه الحملة ارتباطًا جوهريًا بالتخطيط لما بعد الحرب في غزة. مع تقديم حكومة نتنياهو شعارات غامضة مثل “لا لحماس، لا للسلطة الفلسطينية”، برز فراغ سياسي، مما سمح لأفكار متطرفة بالترسخ – وأهمها، التوقع بأن مصر قد تقبل “النزوح الطوعي” للفلسطينيين من غزة إلى سيناء.

ولحملة الضغط بُعد أمريكي مباشر. وفقًا لتقرير أكسيوس، قدم نتنياهو لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو قائمة بأنشطة مصرية مزعومة في سيناء، وحث إدارة ترامب على إجبار القاهرة على تقليل وجودها العسكري.

رد مصر كان حازمًا. وأكد بيان رئاسي رسمي أن قواتها في سيناء موجودة لتأمين حدودها ضد الإرهاب والتهريب، وبالتنسيق الكامل مع شركاء المعاهدة. وأكد البيان رفض مصر المطلق لأي خطة لنقل الفلسطينيين من أرضهم.

  • تحول في الموقف الدفاعي الإقليمي

لا يحدث التوتر بين مصر وإسرائيل في فراغ. فهو يأتي في وقت تروج فيه حكومة نتنياهو لصورة الهيمنة العسكرية، مستندة إلى عمليات ناجحة استهدفت شخصيات من المقاومة وقادة عسكريين في ست دول عربية. هذا الموقف العدواني امتد إلى تهديدات غير رسمية ضد كل من أنقرة والقاهرة، مما دفع إلى إعادة تقييم كبيرة للاستراتيجيات الدفاعية الإقليمية.

  • ردًا على ذلك، تقوم القوى الإقليمية بتشكيل تحالفات جديدة:

· تركيا ومصر: وفقًا لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، فإن الدولتين، اللتين كانتا خصمين ذات يوم، تعيشان الآن أفضل علاقات في تاريخهما الحديث. وقد تعمق هذا التعاون مع الموقف المشترك من الحرب الإسرائيلية في غزة، وتوج بمناورات بحرية مشتركة أُطلق عليها اسم “بحر الصداقة”. هذه التمارين تشير إلى إمكانية نشوء هيكل أمني إقليمي جديد، مما يثير القلق في كل من إسرائيل واليونان.

· السعودية وباكستان: في خطوة وصفها المراقبون بأنها “تطور جيوسياسي مفاجئ وصادم”، وقَّعت المملكة العربية السعودية مؤخرًا ميثاق دفاع مشترك مع باكستان، مما يشير مرة أخرى إلى تحول إقليمي بعيدًا عن الاعتماد على الضمانات الأمنية الغربية التقليدية.

  • الدور الأمريكي: شراكة تحت الضغط

العلاقة المصرية الأمريكية، وهي شراكة استراتيجية دامت لعقود، تخضع لإعادة تقييم دقيقة خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية. بينما تبقى العناصر الأساسية مثل المساعدة العسكرية السنوية البالغة 1.3 مليار دولار واتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) التجارية، فقد برزت نقاط احتكاك واضحة.

جولة الرئيس ترامب الأخيرة في الشرق الأوسط لم تشمل مصر بشكل لافت، مما يشير إلى تحول محتمل في أولويات واشنطن. تبقى نقطة الخلاف الأهم هي الاقتراح الأمريكي الإسرائيلي بنقل سكان غزة إلى سيناء، وهو المخطط الذي رفضته مصر بشكل قاطع. كان الرئيس عبد الفتاح السيسي حازمًا، قائلاً: “لن تسمح مصر أبدًا بأن تكون أرضها بديلًا للوطن الفلسطيني”.

رغم هذه التوترات، تبقى القنوات الدبلوماسية مفتوحة. زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى واشنطن في أغسطس 2025 هدفت إلى إدارة الخلافات وتعزيز التعاون حول المصالح المتبادلة في السودان وليبيا وسوريا. العلاقة لم تنكسر، ولكنها تُعاد تعريفها جوهريًا بينما تؤكد مصر على استقلاليتها الاستراتيجية بشكل أكبر.

  • تحالف ضروري عند مفترق طرق

تخضع العلاقة المصرية الإسرائيلية في عام 2025 لضرورة أمنية، وليس للقبول الشعبي أو الشراكة الاستراتيجية. بعد عقود من معاهدة السلام، لا يزال التطبيع الثقافي والشعبي غير موجود. دور القاهرة كوسيط رئيسي بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، خاصة بعد الهجمات في الدوحة.

إن استراتيجية نتنياهو عالية المخاطر باللجوء إلى الادعاءات المفتعلة والتهديدات الاقتصادية تخاطر بنبذ الشريك الإقليمي الأهم لإسرائيل.

بينما تعزز مصر تحالفاتها مع قوى إقليمية أخرى وتوازن بين علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة وشراكات متنامية في الشرق، من الواضح أن القاهرة لن تضحي بسيادتها الوطنية أو مواقفها الأساسية تجاه القضية الفلسطينية. لقد نجا السلام البارد من عواصف عديدة، لكن الأزمة المفتعلة الحالية تدفع به إلى مياه مجهولة وخطيرة.

ستيفن صهيوني صحفي سوري أمريكي مختص بالشأن الأمريكي والشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *