تعاون أم إستغلال روسي في إريتريا

 

إن الإتفاقية التي تم التوقيع عليها ما بين روسيا وإريتريا، في العاشر من كانون الثاني من العام  2023، والتي تسمح لموسكو في إستغلال وإستخدام ميناء “مصوع” الإريتري، وهذا يعتبر  الخطوة الأولى في إنشاء قاعدة لروسيا في البحر الأحمر، وبالقرب من باب المندب، حيث للبحر الأحمر أهميّة أمنية وإقتصادية وكما يعتبر جسر عبور إكتسبته روسيا لأن له أهمية تاريخية ترتبط بالتجارة العالمية وهو يمتد على نحو مسافة 483 ألف كيلو متر وتمر عبره 13% بالمئة من التجارة العالمية وتمر ما يقارب ال 25 ألف سفينة سنوياً وحوالي 4 ملايين برميل نفط يومياً وتستخدمه أكثر من 20 دولة كممر أساسي لتجارتها…
وهي خطوة  سعت إليها موسكو خلال السنوات الأخيرة، بهدف إيجاد موطئ قدماً لها في منطقة القرن الأفريقي لتحقيق أهدافها الإقتصادية والجيوسياسية هناك واللافت  في الأمر أن موسكو تسعى إلى إيجاد دور أكبر لها، خلال الأعوام المقبلة في إريتريا، من منظورها بأن الأخيرة يمكن أن تُمثل “موقع قدم إستراتيجياً” لها، ونقطة إنطلاقٍ لتواجد روسي أكبر في منطقة القرن الإفريقي وفي  البحر الأحمر خاصةً…

إن أهم الأهداف التي تقف وراء سعي موسكو الحثيث لإقامة قاعدة عسكرية في إريتريا ومنها…

موقع إريتريا الإستراتيجي في القرن الأفريقي: حيث تبدو المساعي الروسية لإستغلال إمكانات ميناء “مصوع” الإريتري، نظراً إلى ما تتمتع به إريتريا من موقع إستراتيجي متميز في شرق أفريقيا؛ إذ إن إريتريا تمتلك ساحلاً ضخماً يمتد على طول 800 كيلومتر بحري، إضافةً لما تمتلكه إريتريا من جزر مهمة في البحر الأحمر، بحيث  يصل عددها إلى 126 جزيرة، وأهمها جزيرتا “حالب” و ”فاطمة” لوقوعهما أمام مضيق باب المندب، فضلاً عن وقوعهما أمام أرخبيل حنيش البالغ عدده 43 جزيرة، والذي يتبع “اليمن”، كما تطل جزرها أيضاً على جزر المملكة العربية السعودية، بما يُزيد عمقها الإستراتيجي بالنسبة إلى الخليج العربي، والمنطقة العربية…
ومن ثم فإن المساعي الروسية، في حال تمت بنجاح، ستسمح لموسكو، ليس فقط بتعزيز الحضور في مداخل البحر الأحمر وباب المندب وخاصة إنها منطقة بالغة الأهمية للحركة التجارية العالمية، وقريبة من شرايين إقتصادية حيوية في العالم، مثل منطقة الخليج العربي وقناة السويس وإضافة إلى ذلك، سيُعزز من مساعي موسكو للتغلغل نحو العمق الإفريقي في شرق وجنوب القارة…
والمقصود هو تأمين التمركز البحري لموسكو في البحر الأحمر والمُلاحظ بأن الحضور العسكري في إريتريا، إنما يؤشر إلى المحاولة الروسية في تأمين وجودها البحري على مدخل البحر الأحمر والذي سيساهم في إمكانية التأثير على عمليات النقل للتجارة الدولية، بما يعني ذلك في فرض روسيا نفسها لاعباً متحكِّماً في معادلات الطاقة الجديدة، التي يمر جزء كبير منها عبر مضيق باب المندب…
ويضاف إلى ذلك ما يُمكن أن يتيحه هذا الحضور من تعزيز للأسطول الروسي في موقعه البحري عبر المحيط الهندي، بما يوفر مرفقاً آخر للمياه الدافئة، إلى جانب قاعدة طرطوس في سوريا وسيسمح ذلك للسفن الروسية بالمرور عبر خليج عدن والبحر الأحمر بهدف تأمين الإمدادات والخدمات اللوجستية المختلفة هذا فضلاً من تقوية الدور الروسي كـمنافس، في المناطق التي تحوي مخزوناً كبيراً من النفط والغاز مثلاً في الصومال وإثيوبيا وغيرها…
وكما سيتم تعزيز التعاون الأمني والعسكري في شرق أفريقيا وذلك نتيجة محدودة لقدرات موسكو الإقتصادية، قياساً بمنافسيها الرئيسيين الصين والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، فقد مثَّلت سوق الخدمات الأمنية والعسكرية أبرز أوجه الحضور الروسي إفريقياً، ومدخلاً لتوسيع نفوذ موسكو الجيوسياسي ومكاسبها الإقتصادية عبر القارة السمراء…
وضمن هذا الإطار يندرج الحديث عن محاولات موسكو إلى إنشاء قاعدة عسكرية في إفريقيا، وعلى شواطئ البحر الأحمر تحديداً.
فمن جهة، تسعى موسكو لحماية شحناتها التجارية والنفطية إذ يبلغ حجم الصادرات الروسية النفطية، بحسب تقرير لمؤسسة “راند” الأمريكية، نُشر في كانون الأول المنصرم  بنحو 25 % من إجمالي حركة النفط المتجهة جنوباً إلى البحر الأحمر مروراً بقناة السويس ومضيق باب المندب…
أيضاً يمكن لموسكو الترويج لصادراتها التسليحية في منطقة القرن الإفريقي، التي يُنظر إليها بأنها منطقة مضطربة أمنياً وسوقاً جاذباً وذلك بإعتبار روسيا مورداً رئيسياً للأسلحة في إفريقيا حيث إن الصادرات العسكرية الروسية للقارة مثلت 19 % من إجمالي صادراتها من الأسلحة، في الفترة بين عامي 2016 و 2020، بحسب تقرير “سيبري” لعام 2020…

مساومة القوى الغربية في بعض الملفات الشائكة والتي تتضمن خطوة التعاون الروسي الإريتري، عبر إقامة قاعدة عسكرية روسية في الساحل الإريتري على البحر الأحمر، أو في الحد الأدنى إنشاء مركز دعم لوجستي في ميناء “مصوع”؛ تتضمن تحقيق عدد من المكاسب المتبادلة بين موسكو وأسمرة فعلى الجانب الروسي، تساهم هذه الخطوة تعزيز مكانة روسيا إقليمياً ودولياً، إضافة إلى أن وجودها في أحد أهم المضائق المائية الإستراتيجية، الذي سيمثل ورقة ضغط مهمة لمساومة الولايات المتحدة والغرب في بعض الملفات الشائكة، لا سيما ملف أوكرانيا…
أما على الجانب الإريتري، فسوف تُخفف هذه الخطوة عن أسمرة حدة العزلة الدولية التي تعانيها، فضلاً عن أنها سوف توفر للنظام الإريتري حليفاً دولياً وستوفر لها دعماً في المجالات الإقتصادية والتكنولوجية وفقاً لتصريح وزير الخارجية الروسي عقب زيارته لإريتريا بما يُمكنها من مواجهة الضغوط الأمريكية والأوروبية، لا سيما في ضوء التوتر في علاقتها  مع الولايات المتحدة، على خلفية تورط القوات الإريترية في حرب تيجراي بجانب القوات الإثيوبية وهو التوتر الذي برز بوضوح في تجاهل واشنطن دعوة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، لحضور القمة الأمريكية الأفريقية، التي انعقدت في كانون الاولى من العام 2022…

تأسيس نظام آمن إقليمي لحماية مصالح موسكو من خلال تلك الخطة التي ستؤسس روسيا نظاماً إقليمياً لحماية مصالحها بالقارة الأفريقية، ومن ثم خدمة أهدافها في شرق أوروبا وشرق المتوسط، بجانب التهرب من حزمة العقوبات الغربية المفروضة عليها، منذ إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية؛ هذا فضلاً عن السعي إلى كسب الدعم السياسي، خاصة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، عبر التحركات التي يقوم بها وزير خارجيتها، من خلال عدد من جولاته، خاصة في القارة الأفريقية، والتي كانت في مقدمتها إريتريا في كانون الثاني من العام 2023…

كذلك يُمثل وجود روسيا على سواحل البحر الأحمر فرصة لتعزيز تجارتها مع دول القرن الأفريقي، بما في ذلك إريتريا، وإمكانية التمدد لتنشيط الصفقات التجارية مع دول وسط أفريقيا علاوةً على ذلك إمكانية أن تخوض موسكو سباق التنافس على الإستكشافات النفطية والغازية في منطقة القرن الأفريقي، خاصة أن ثمة تقديرات تُشير إلى إستحواذ بعض دولها، مثل الصومال وإثيوبيا، على مخزون كبير من إحتياطي النفط والغاز…
وأخيرا، يمكننا  القول بأن الوجود الروسي في ميناء “مصوع” الإريتري، على ساحل البحر الأحمر، يُعد بمنزلة “ورقة رابحة” تستطيع من خلالها موسكو التمدد نحو العمق الأفريقي، والدفع في إتجاه تعزيز علاقاتها مع دول القرن الأفريقي، إضافة إلى محاولة بناء قواعد عسكرية، أو قواعد لوجستية، في دول المنطقة، مثل جيبوتي والسودان وإقليم أرض الصومال لكنها قد تصطدم في إحتكاك متزايد بالقوى الدولية المنافسة هناك، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، فضلاً عن إيطاليا، وإلى حد ما الصين؛ وهذا ما سوف يعزز التنافس الدولي في تلك المنطقة خلال الفترة المقبلة.
هل وجود روسيا في إريتريا سيعزز الشراكة بين البلدين أم انه سيعزز نفوذ روسيا على حساب إريتريا وشعبها وثرواتها؟

خالد زين الدين
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية.
عضو إتحاد الصحفيين الدوليين في بروكسل.
عضو نقابة الصحافة البولندية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *