جوهرُ النجاحِ في الحياة: تلقّي العِلم والمَعرِفة وإعطاؤهما بِمحَبّة وتَفَانٍ
بمجردِ أن نعيشَ من دونٍ خوفٍ، ستصبحُ حياتُنا من دونِ حدود، لكن أيُّ حدود؟
إنّ المعرفةَ المتواصلةَ، عطاءً أو كسباً، لا تتمّ إلا باستثمارِ الوقتِ، كاملِ الوقتِ، فعندما نعطيها، نساهمُ في تنميةِ معارفِ أبناءِ بلدِنا، وعندما نتلقاها، نكونُ ننمّي معارفَنا، ننمّي ذواتِنا، بمعلومةٍ، بفكرةٍ حتى نزدادَ معَ الآخرين ثقافةً ووعياً وإدراكاً وانفتاحاً وتقبّلاً لكل جديدٍ من شأنه أن يفيدَ الإنسانيةَ، ويرتقي بالمجتمعِ نحوَ الازدهارِ والتقدمِ ويحافظُ على القيمِ الأخلاقيةِ والمجتمعيةِ.
مما لا شك فيه، أنّ الخيرَ الأهمَّ في العالمِ هو المعرفةُ، والشرُّ الأكبرُ هو الجهلُ، والناسُ يحتاجون إلى حياةٍ فيها معنىً يجعلُها جديرةً بأن تُعاشَ، وأرى أنه قد آنَ الأوانُ لعلمٍ يسعى لفهمِ المشاعرِ الإيجابيةِ لدى المواطنِ الليبيِّ، وبناءِ الفضيلةِ والقوى الإنسانيةِ، وأن نركزَ اهتمامَنا على الجوانبِ الإيجابيةِ من السلوكِ، كالسعادةِ والتفاؤلِ والأملِ والحبِ والرضا والإيمانِ والابتهاجِ والثقةِ وتقديرِ الذاتِ والكفاءةِ والتوافقِ والحوارِ والحلولِ التفاوضيةِ للصراعاتِ، والمساندةِ الاجتماعيةِ وجوانبِ السلوكِ الصحيِّ وغيرِها من جوانبِ السلوكِ السويِّ، دون أن ننسى أنّ السلوكَ الصحيَّ كفيلٌ بالمحافظةِ على الصحةِ لمدةٍ أطولَ، التي تُعَدّ ثانيَ أفضلِ نعمةٍ أنعمَ اللهُ بها علينا بعدَ الحياةِ. وهذا بالطبعِ يشكلُ إحدى المعارفِ الواجبِ علينا أن نُعطيَها للآخرين، وبالتأكيد لا يمكننا أن نعطيَها إن لم نكن نتمتعُ بها في الأساس.
إنّ معيارَ نجاحِ العلمِ والمعرفةِ بخلفيتِهِ الفكريةِ والعلميةِ يكمنُ في الممارَسةِ، وفي نقلِهما إلى الآخرين للاستفادةِ منهما في بناءِ المستقبلِ، وليس في الإسقاطاتِ النظريةِ والجامدةِ، وهذا لا يتمُّ إلا إذا كنا من مُحبّي الخيرِ للآخرين.
وعليهِ في المقابلِ، لإقامةِ مقارنةٍ سريعةٍ بينَ المحبةِ وإرادةِ الخيرِ، فإنّ المحبةَ تعني أسلوباً من العملِ أو السلوكِ أو النشاطِ الفعليِّ. وبمعنىً أدقَّ، لا يكفي أن نُحبَّ الخيرَ، بل لا بدّ لنا من أن نصنعَهُ وأن نحاكيَه. والمحبةُ هنا لا تعني تأمُّلَ بعضِ الآثارِ الدينيةِ المقدسةِ، أو التعلُّقَ ببعضِ مخلفاتها قصدَ التبرُّكِ بها وما إلى ذلك، بل تعني أولاً وبالذاتِ، الاتجاهَ نحوَ الآخرين من أجلِ العملِ على شمولِهِم بعطفِها ورحمتِها. ومن ثَمّ إرادةُ الخيرِ لا تقتصرُ على النياتِ الطيبةِ وأنواعِ الرجاءِ والتمني، بل تعني المحبةَ العاملةَ التي تمضي إلى أقصى التضحيةِ، وتفضيلَنا الآخرين على أنفسِنا.
لا وقْتَ مجانياً لِمَن يعرفُ جوهرَ الوقْتِ، احترامَ الوقْتِ، قيمةَ الوقْتِ، لكنه شيءٌ جميلٌ وراقٍ، في آنٍ واحدٍ، قَرنُ حبِّنا بالإخلاصِ والتفاني والوفاءِ والثقةِ والإيمانِ وغيرها من القِيَمِ الخُلُقيةِ الروحيةِ، وبصرفِ النظرِ عمَّن نُحب، أكانَ حبُّنا حباً للوطنِ أم للعملِ أم للأهلِ والأقاربِ، أم للزوجةِ والعائلةِ، فيجبُ أن يبقى فعلاً من أفعالِ التعالي، لأنه ينطوي على عمليةِ امتدادٍ أو توسيعٍ للخبرةِ الذاتيةِ، والوجدانِ الشخصيِّ، ما دام من شأنِهِ بالضرورةِ أن يفتحَ أمامَ الذاتِ عالمَ الآخَرِ، بما فيه من خبراتٍ ومشاعرَ ومُثُل عليا.
أما التسامحُ فهو صورةٌ من صورِ السخاءِ، وإحدى القيمِ الإنسانيةِ السمحةِ، والأحرى بنا اليوم الإحياءُ التربويُّ الفاعلُ لقِيَمِ التسامحِ، والانتقالِ منها، من مجرَّدِ الحضورِ القيَميّ في مدوَّناتِ الثقافةِ، إلى حضورٍ فعليٍّ وقِيَميٍّ – عمليٍّ في إطارِ الحياةِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ، فنحن نؤمنُ بالاختلافِ، ونقفُ ضدَّ جميعِ أشكالِ الإقصاءِ والإبعادِ وجميعِ أشكالِ النَّبذِ والعنفِ أيّاً كان مصدرُها.