القبائل العربية…
القبائل العربية تمتاز بأعرافها القبلية الخاصة بها ضمن قوانينها وأنظمتها التي تجعلها في أمن وأمان من حيث نظامها العام حتى ضمن حقوق الفرد فيها وبذلك تؤدي دوراً في عملية الضبط الإجتماعي لينطبق على التعايش بين أبنائها حيث تحد الحد لأي كان وتعطي كل ذي حق حقه ولكن المؤسف المبكي حين جاءت السلطة الحكومية التي لا تعترف بالأحكام ولا بالأنظمة العرفية أدت إلى شبه إنهيار في الأنظمة العربية وطمست الأعراف وغربت التقاليد ضمن شعارات إستوردتها من الغرب لأجل صناعة الإحترام والتقدير كما تشتهي أنفسهم الأمارة بالسوء…
علما بأن للقبيلة سلطة ونظام على الفرد والجماعة لذلك إمتازت سلطتها بالعرف القبلي والرقي العقلي الفكري بهذا النظام أن جميع أبناء القبيلة تحت شرعة العرف القبلي وبذلك تم ضبط الأمور الإجتماعية والسياسية الخاصة بين كل القبائل العربية…
والقبائل العربية تستمد إستقرارها وقوتها ووجودها من دساتير يتوارثونها شفاهة جيلاً بعد جيل خاصة في أمور المسؤولية لذلك ترى الشجاعة والبسالة هما أساس في بناء إبن القبيلة وتعاليمه صيانة العرض والأرض وكيف تكون حماية الأرزاق التي أعتبروها بأنها شرف وقدسية القبيلة بالكامل ومن خلال تاريخهم الحافل في إسترداد الحقوق وحفظ كرامة الفرد أو الجماعة ومساعدة الضعيف والوقوف مع إكبار القوي حتى وصلوا إلى إعطاء الحيوان والطير والزرع والشجر والحجر حقوقا يقدرها كل رجالات القبيلة سواء كانت خارجها أو داخلها ورغم مقتهم الضعف والإستكانة إلا أنهم يكرهون العنف ويستبشعون القسوة ويرثون العفو عند المقدرة…
وأما ما سميت ولصقت بهم مسميات الحروب لم يكن هدفهم منها القضاء على الخصم أو إستبعاده أو إذلاله بل كان الهدف هو الإستيلاء على الإبل وإحتلال المراعي وذلك من أجل رفع الظلم والجوع والعطش عن أبناء القبيلة ولو أردنا إستعراض ما حصل نراهم كيف كانوا يفكرون بإنهاء الحروب بأقل الخسائر في الأرواح وما كانت تلك الحروب لتكون لولا ندرة المراعي ورغم كل الأحداث كانوا وما زالوا يحرصون على التقيد بأصول لعبة الحروب وقوانينها والدليل هو تمسكم بكل العهود والمواثيق ولم يخونوا يوما ما العهود ومن مميزات القبائل عدم الغدر لأي كان وهم دائما ضد سفك الدماء لأنهم شعب يريدون الحياة بكل أمن وأمان ومن أجل ذلك كان الإنتصار عندهم شرفاً…
لا أحد يعي مثل أبناء القبائل العربية صعوبة الحياة في الصحراء وتقلبات الدهر عليهم وأحوال الدنيا معهم لذلك كانوا دائما يبحثون عن الأمن وكانت أهازيجهم عبارة عن أناشيد من أجل حرارة العزيمة ورفض الهزيمة والغالب دائما يعامل المغلوب مثل ما يحب هو أن يعامله لو كان هو الذي تحت رحمته وهم يحرصون على المعاملة الحسنة فيما بينهم وبين أعدائهم…
وفي ضوء ما طرحناه عن التاريخ الاجتماعي لأبناء القبائل العربية إلا أننا نجد زحفهم بإتجاه المدينة من أجل العيش الكريم لأن القوة العدائية لأبناء القبائل حاربوهم في قوت يومهم لأنهم أصحاب كرامة ومتمسكين بالعادات والتقاليد وهذه الأمور لن تسمح للأعداء السيطرة على شعب يمتلك الكرامة والعنفوان لذلك تعرضوا لحالة إجرامية لم يصفها التاريخ ولم يضيء عنها عن مدى الإجرام الذي مارسته تلك القوة الغاشمة العدائية للأمة العربية بالشكل والمضمون وما كانت تلك الهجمات إلا من أجل السيطرة على شعوب أمتنا العربية فقاموا بإدخال عليها حكام ليس عربا بل من أصول وجذور خارجية تخصهم وذلك من أجل ضرب أعراف ومكونات أمتنا بالصميم أي ضرب وتشتيت أهل القبائل العربية التي تتعامل بكل حرية وعطاء وسلام…
وما رأيناه من تدفق سكاني إلى المدن سعياً وراء المدنية لأمرين هما العيش الكريم وما كلامهم كان عن تحديث أوطاننا العربية والتخلص من القحل وظلم الحياة في الصحراء فشكلوا حالة من الإعلام نحو التطور والحداثة وهكذا رأينا ظواهر الزحف نحو المدن وهكذا بدأت أطر الإبتسامة التي تحمل الحب والسلام للعالم إنما ما ضمروه لهؤلاء ما هو إلا ضرب لكل الأعراف والتجذر في الأرض والحفاظ على كرامة الإنسان العربي من أرضه حتى عرضه لذلك كانت أبناء القبائل تطلب السلام الداخلي داخل نفوسهم الفخورين بها حيث حددت الهوية الثقافية والعقائدية سواء كانت على المستوى المعماري أو المستوى السلوكي في الفلسفة الكونية من حالات السيطرة على الشعوب بكل مجريات الحياة…
فالحياة القبلية فيها زخم دائم من القيم الإنسانية فلم يكونوا متوحشين وفوضويين كما وصفهم بعض المستشرقين وهذه القيم هي ما تقيم أود الشخصية العربية التي يقتات عليها إذا ما زحف عليها ترف المدينة وحضارات زاحفة نحوه دون أن يقاومها وخاصة إنها تحمل عدة أوجه…
ولهذا نتعرض في هذا المقال للأعراف القبيلة لأنها الجين الأساسي لتكوين الشخصية إلا أنها تنبعث حينما تستدعى وإن تعددت الأزمنة والعصور…
ومع ذلك نجد أن هناك مجتمعات قبلية لا تنفصل عن حياة المدينة وإن استقرت في الريف أو في عمق التنظيم القبلي لأن كل هذا يشكل أساس المجتمع العربي الذي ما زال محافظ على عاداته وتقاليده والتنظيم القبلي هو تنظيم إجتماعي توجد فيه عدة تصنيفات معيشية في المجتمع العربي أما التصنيفات كالرهط والعشيرة والفخذ… إلخ فتندرج تحت هذا التنظيم الإجتماعي أما القبيلة ففي أصلها مجتمع عقائدي وسياسي وإداري وقضائي…
فكانت قديما تبدأ السلطة في النظام القبلي من مستوى شيوخ الفصائل الصغرى التي تشكل قاعدة الهرم مروراً بشيوخ الأفخاذ الذين يخضع لهم شيوخ الفصائل ثم شيوخ البطون الذين يخضع لهم شيوخ الأفخاذ ويعلو هؤلاء في المنزلة شيوخ العشائر الكبيرة وفوق الجميع شيخ العموم وهو شيخ القبيلة بقضها وقضيضها وما عدا الحالات الدفاعية أو الهجومية التي تضطر فيها القبيلة للتجمع فإن كل فصيل يتمتع بقدر كبير من الإستقلالية في الحركة وتدبير شؤونه الداخلية وتمتد على ذلك كل الأمور التي تتطلب للحفاظ على مصالح القبيلة مراعاة لمصالح الأخرين…
وكانت هناك مسميات لرؤساء هذه التقسيمات مثل شيخ العموم والقالط وهو من يترأس الفرق الصغيرة أي المتقدم ونزال العرب قاد الحل والترحال والعويندي الخص العادي وشيخ الربعة همزة الوصل بينهم وبين شيخ العموم وأحياناً يسمى شباب النار شيخ الفصيل وله السلطة الأخلاقية يطيعونه طواعية بحكم قرابتهم له وكان هناك أيضا شيخ الشداد وهو المسؤول عن الحروب هكذا كان التنظيم الإجتماعي لدى القبائل العربية بالشكل العام…
يحكم أبناء القبائل في سلوكه أمران هما: القوة والرأي العام أو الخوف من اللوم خلف قانون شرف الأرض ومن أهم موارد هذا القانون غير المكتوب تضامن رجال القبيلة كالمشاركة في الثأر وإذا وقع أي من أبناء القبيلة في دين مثلاً فإنه يفقد مكانته في القبيلة لتعارض الدين مع شريعة القبيلة وكرامة الأسرة التي هي أساس القبيلة ومن هنا يقوم مجتمع القبيلة بصورة عامة على نمط العلاقات الشخصية المباشرة فنلاحظ أن هذه الروابط الإجتماعية في القبيلة تدور حول وحدة الدم والولاء الكلي للقبيلة حيث تفرض بعض الحقوق والالتزامات المتبادلة وتعيين أنواع معينة من السلوك وبالتالي تمارس قدراً من السيطرة على سائر أفرادها…
وبذلك فإن هذه الروابط الإجتماعية هي التي جعلت من كل قبيلة وحدة متكاملة تخضع لشيخ القبيلة ولمجموعة العادات والتقاليد التي تمثل القانون القبلي الذي نتجت عنها مجموعة المواصفات الأخلاقية والإجتماعية والأسرية كما تعرف القبائل بأسماء أمرائها وشيوخها ولذلك كان مفهوم السلطة وممارستها لدى القبائل مستمدا من تنظيماتها الإجتماعية ومن أعرافها المتبعة…
ومن أهم شيم العربي الأجارة والأجارة لها قوانينها ودساتيرها يفهمها الجميع ويقدسونها فحين يلجأ فرد من أبناء قبيلة ما إلى قبيلة أخرى إثر دم أو عرض أو أي مظلمة أخرى ويسمى دخيل الدم فتقدم له العشيرة المساعدة من مال أو جمال أي الإبل أو أي شيء يساعده على حياة كريمة بين العشيرة بل يحمل اسم العشيرة وتساعده على الحصول على حقوقه والأجارة تسمى الجيرة وهي ليست حق الجوار وإنما عرف قبلي يستحقه من لجأ إلى قبيلة ما ويطلق العرب على الجيرة مسمى إعطاء الوجه أو ردية الشأن وتعتبر من أبرز ما يميز المجتمعات القبلية وهذه العادة موجودة عند قبائل العرب عامة حيث إنها تميزهم عن غيرهم من الأمم وتجعلهم على قمة أرقى الشعوب لكونها عادة طيبة عرفتها لما فيها من حقن للدماء وخمود لنار الفتنة والحفاظ على الجوار بالمعنى المعروف هو لجوء المطالب وذلك ما كان عليه التنظيم القبلي الذي يضمن الحماية والإستقرار فمن كان يخترق هذا النظام ينبذ من المجتمع كليا…
لذلك نقول علنا أن نعود إلى الأصالة بكل فصولها ونتعمد بالأصول ونحفظ أهلنا في القبور ونستعيد أرضنا من أعداء أمتنا العربية الذين إستعبدوا شعبنا وسرقوا كل مدخرات أمتنا العربية حيث جعلوها سلعة رخيصة بين يدي أعداء الله وإنساننا العربي صاحب الشهامة والكرامة وإبن الأصول وأهل التقاليد والأعراف.
د. حسين مشيك