بمناسبة عيد الإستقلال اللبناني

إعداد و تنسيق: قسم التّحقيقات في مكتب بعلبك – الجريدة الأوروبّيّة العربيّة الدّوليّة

 

كثر الذين إستشهدوا في سبيل الإستقلال اللبناني لأنهم آمنوا بقيامة لبنان الوطن و لم يُنصفهم التّاريخ و منهم:

– السّيّد عبد الحسين شرف الدّين.

– أدهم خنجر : ١٨٩٥ – ١٩٢٣ م.

– صادق حمزة : ١٨٩٤ – ١٩٢٦ م.

– سعيد فخر الدين : ١٩٠٨ – ١٩٤٣م.

– حسن موسى عبد الساتر : ١٩٠٩ – ١٩٤٤م.

– محمد علي اليحفوفي : ١٩٠٣ – ١٩٨٢م.

– زين مرعي جعفر.

– شهداء معركة وادي فيسان.

– ملحم قاسم المصري.

– رشيد دندش.

– ضاهر مشيك : ١٩٠٠ – ١٩٨٩م.

– توفيق هولو حيدر .

– شهداء مجزرة طرابلس و هم من تلامذة كلية التربية و التعليم و من طلاب مدارس طرابلس و منهم : محمد حسن محمد – فوزي قاسم شحود – أحمد جابر جوجو – عبد الغني أفيوني.

– شهداء المظاهرات في صيدا : سعيد البزري – ثروت صباغ – شفيقة أردفان.

 

و غيرهم ممن لم نستطع الحصول على أسمائهم و لا الحصول عن معلومات عنهم و لكنهم كثر ممن استشهدوا لأنهم آمنوا بقيامة الوطن.

 

#للتذكير_فقط
الذي رفع العلم اللبناني وانزل العلم الفرنسي هو شاب بقاعي من آل عبد الساتر.. ما حدا بيجيب سيرته.

الذي أطلق النار على الجنرال الفرنسي غورو هو البطل الجنوبي ادهم خنجر..

ما حدا بيذكرو..

من الذين اوقدو المقاومة ضد الفرنسيين مما أدى الى إرسال مرتزقة عميلة سميت بقوات القليعة هم أبناء جبل عامل…
دون أن ننسى مؤتمر وادي الحجير (مقبرة الأعداء) الذي أطلق فيه السيد عبد الحسين شرف الدين شعلة هذه المقاومة.. ما حدا بيسمع فيهن…
لكن بضعة (…؟؟؟… ) هم صنيعة الاستعمار وأدواته أصبحوا أبطال الاستقلال.. والغريب ونحن نحتفل في هذا العيد، أننا لا زلنا نسمع بشارع “غورو” او بشارع “كليمنصو”!!! ولكننا لم نرى زاروبا” واحدا” يحمل اسم “أدهم خنجر” او “صادق حمزة” او “السيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره ”
انا يا ساده انبذ الطائفية و المذهبيه و الطبقية

كل إستقلال و أنتم ايها الشرفاء بخير.
عشتم و عاش لبنان .

 قصيدة كتبها الشاعر السوري نزار قباني بعد مواجهات القرى الجنوبية، ومن ضمنهم بلدة معركة للعدو الإسرائيلي في فترة القبضة الحديدية عام ١٩٨٤م والتي واجهها الناس يومها بالقبضة الحسينية التي أعلنها الشهيد القائد المقاوم خليل جرادي.
يا من يصلّي الفجر في حقل ٍ من الألغام..
لا تنتظر من عرب اليوم سوى الكلام…
لا تنتظر منهم سوى رسائل الغرام..
لا تلتفت إلى الوراء يا سيدنا الإمام .. فليس في الوراء غير الجهل والظلام ..
وليس في الوراء غير الطين والسخام..
وليس في الوراء إلا مدن الطروح والقزام..
حيث الغنيّ يأكل الفقير ..
حيث الكبير يأكل الصغير..
حيث النظام يأكل النظام..
ياأيها المسافر القديم فوق الشوك والآلام ..
ياأيها المضيء كالنجمة والسّاطع كالحسام..
لولاك مازلنا على عبادة الأصنام.. لولاك كنا نتعاطى علناً حشيشة الأحلام..
اسمح لنا أن نبوس السيف في يديك..
اسمح لنا أن نجمع الغبار عن نعليك.. لو لم تجيء يا سيدنا الإمام كنا أمام القائد العبري ..
مذبوحين كالأغنام ..
سيذكر التاريخ يوماً قرية صغيرةً.. بين قرى الجنوب تدعى معركة. قد دافعت بصدرها ..
عن شرف الأرض وعن كرامة العروبة..
وحولها قبائل جبانة وأمة مفككة..
من بحر صيدا يبدأ السؤال..
من بحرها يخرج آل البيت كل ليلة كأنهم أشجار برتقال..
من بحر صور يطلع الخنجر والوردة والموال.. ويطلع الأبطال..
يا أيها السيف الذي يلمع بين التبغ والقصب..
يا أيها المهر الذي يصهل في برية الغضب..
إياك أن تقرأ حرفاً من كتابات العرب.. فحربهم إشاعة وسيفهم خشب.. وعشقهم خيانة .. ووعدهم كذب.. إياك أن تسمع حرفاً من خطابات العرب..
فكلها نحو وصرف وأدب..
وكلها أضغاث أحلام ووصلات طرب.. يا سيدي يا سيد الأحرار..
لم يبقَ إلا أنت في زمن السقوط والدمار ..
في زمن التراجع الثوري ..
والتراجع الفكري ..
والتراجع القومي ..
واللصوص والتجار ..
في زمن الفرار الكلمات أصبحت للبيع والإيجار..
لم يبقَ إلا انت تسير فوق الشوك والزجاج..
والإخوة الكرام نائمون فوق البيض كالدجاج ..
وفي زمان الحرب يهربون كالنعاج..
يا سيدي في مدن الملح التي يسكنها الطاعون والغبار..
في مدن الموت التي تخاف أن تزورها الأمطار ..
لم يبقَ إلا أنت تزرع في حياتنا النخيل والأعناب والأقمار..
لم يبقَ إلا أنت . إلا أنت. إلا انت فافتح لنا بوابة النهار..

 «بطل السابع والعشرين من نيسان عام 1944»..

صرع ضابطا فرنسيا ورفع العلم اللبناني فوق مجلس النواب!

الأمباشي ضاهر مشيكب

ـ الاسم: ضاهر علي مشيك.

ـ مواليد: بيت مشيك عام 1900.

ـ تطوّع في «الجندرمة اللبنانية» في 18 آذار 1930.

ـ حاز على رتبة «اومباشي» عام 1940.

ـ حاز على تنويه رئيس الجمهورية اللبنانية عقب حادثة 27 نيسان.

ـ أحيل على التقاعد عام 1947 وشغل منصب مختار مزرعة التوت حتى العام 1967 حيث استقال لدواع صحية.

ـ توفي في العام 1989.

ـ اولاده: محمد (موظف في مصلحة المياه)، علي (موظف في مصلحة الهاتف)، حسن (مزارع)، نظير (مختار مزرعة التوت حاليا)، احمد (مقدّم في الجيش اللبناني)..

عندما يحدثونك عن «الجندي المجهول» تظن الامر مجازا لغويا وكناية عن غائب، وقد تصاب بالصدمة، او الدهشة، اذا قيّض لك ان تعرف، يوما، ان بعضا من «جنودنا المجهولين» كان واقعا من لحم ودم وبطولة، لكنه سقط في النسيان، ولفظته ماكينة الحروف من ملكوت تاريخنا المكتوب، فعلقت اسماء كوكبة في الذاكرة، وعاش اصحابها في وجدان ناسهم وأهلهم، حيث لا ألاعيب السياسة نفعت في طمس ذكراهم، ولا اعتبارات الطائفية البغيضة اجدت في تغييبهم وتهميش ما فعلوه، من اجل لبنان!.

ولأن الجعبة حافلة بالنماذج المماثلة و.. «الجنود المجهولين»، فإن بعض المآثر اكبر من تقزيمها عند ضريح جندي مجهول، كائنا من كان، وأنضر من ان تذبل على هوامش كتب التاريخ العجاف!. وفيما يلي، غيض من فيض، وقصة من قصص تاريخنا المكبوت، لم تنطو عليها المؤلفات والكتب، ولم تلحظ لجان التكريم أبطالها، فرحلوا، وفي القلوب غصص وخيبة!. حملوا اسماءهم معهم، وتركوا في المدينة شوارع تسجد للفاتحين، وميادين تتغنى بأسماء المحتل والمستعمر، وكأن تاريخنا خال ـ على تراثه ـ من اسماء الكبار والأبطال!..

كان علمنا اللبناني «طازجا» طري العود، يومذاك، بينما ترفرف راية الانتداب العتيقة في سمائنا، قوية خفاقة، مزهوّة بحراب الجند وبنادق الحراس… ومن بين الجموع انبرى ساعدان بلون الوعر في تلك الجرود، أطاح الاول بالراية الهرمة، ونصب الثاني علم لبنان فتيّا يافعا، يموج بالابيض والاخضر، ويؤرّخ بالاحمر فجر الاستقلال!.

وكان يوم السابع والعشرين من نيسان 1944 يوما من ايام الإباء والعنفوان، لم يرتفع فيه علم البلاد وحسب، بل حفظت كرامة نواب البلاد، وانطلقت الرصاصة الاولى لتستقر في صدر الانتداب، وتعلن بداية العد العكسي لجلاء الفرنسيين من لبنان.

شهادات..

روي عن الرئيس الراحل صبري حمادة، انه قال لزواره يوما: «لو كاــن الدركـي ضـاهر مشـيّك من آل حبـيش او الخازن، لنصــبوا له تمثالا في ســاحة جونيه.. فوالله لقد شاهدت هذا الرجل بعيـنيّ على سطح البرلمان وهو يصرع ضابطا فرنسيا ويقوم بتـركيز العلم اللبناني فوق المبنى، غـير آبه بالرصاص المنهمر من كل الجهات»!.

وفي مناسبة غير بعيدة، وأثناء مؤتمر صحفي له، طرح الرئيس حسين الحسيني سؤالا على الإعلاميين، مفاده: «هل سمع احد منكم او قرأ شيئا عن شخص يدعى ضاهر مشيك. او عن شهيد اسمه حسن عبد الساتر، وكليهما من بعلبك?!. اذن فاعلموا ان تاريخنا الحديث لم يكن منصفا مع الجميع.. فالاول هو اول من رفع العلم اللبناني فوق مجلس النواب، قبل جلاء الفرنسيين عن لبنان، والثاني سقط شهيدا في نفس اليوم، وهو يذود عن كرامة المجلس وسلامة النواب».

وجاء في كتاب «الجندرمة اللبنانية» للمؤلف مصطفى عبد الساتر، وصف مستفيض لأحداث السابع والعشرين من نيسان، حيث تعرض الكاتب، بالاسماء والوقائع، لمجرى الاحداث يومها، وكيف حوصر النواب داخل المجلس من قبل متظاهرين مؤيدين لبقاء الانتداب، وما الذي فعله آمر دورية «الجندرمة» ضاهر مشيك، لجهة منع المتظاهرين من دخول حرم البرلمان، كما في رفع العلم اللبناني على سطحه..

الى ذلك، ورد ذكر هذه الواقعة في كتاب «تاريخ لبنان من الاحتلال الى الجلاء» للدكتور علي عبد المنعم شعيب، حيث استعان الكاتب لدى سرد الوقائع بما جاء عن الحادثة في مجلة «لوكرييه» الفرنسية. وكانت مجلة النهار العربي والدولي قد أجرت مقابلة مع ضاهر مشيك عام 1986، اي قبل وفاته بثلاث سنوات، تحدّث فيها عن اضطرابات نيسان 1944، مشيرا الى حصوله على وسام تقديري من رئاسة الجمهورية، مكافأة له على اندفاعه الوطني وجرأته في الدفاع عن رمز البلاد. وبهذا الخصوص وصفته مجلة «السمير» التي تناولت الحدث في حينه ببطل السابع والعشرين من نيسان، معتبرة انه واحد من «الجنود المجهولين» الذين ساهموا في صناعة الاستقلال.

تفاصيل اليوم المشهود..

للخروج بصورة اوضح عن مجريات الامور يوم 27/4/1944 كان لا بد من إمساك خيط الذاكرة مع ذوي المرحوم ضاهر مشيك، فإذا بالتفاصيل مطبوعة في ذاكرة الجمــيع، زوجتــه واولاده وســائر اهله وأقاربه في بلدتي كفردان وجبعا، فضلا عن مزارع بيت مشيك.. وبمقارنة الاحاديث بما هو منشور، جاءت التفاصيل كالتالي: في مستهل مرحلة الاستقلال وما شهده لبنان ايامها من تجاذبات واضطرابات، ظهر تيار ينادي ببقاء الانتداب تمثّل حـينـها ببـضع عـائلات بيـروتــية كبـيرة رأت في الاسـتقلال ورحيل الفرنســيين امرا يضـر بمصـالحها ولا ينسجم مع تطلعاتها السيـاسية والاقتـصادية، فعـملت على تحـريض النـاس ودفعـهم للمطالبة بإبقاء الامور على ما هي علـيه. وفي السابع والعشرين من نيسان، نظمت تلك العاـئلات ـ بالتنسـيق مع المفوضــية الفرنسية ـ مظاهرة لأنصار الانتداب، انطلقت باتجاه ساحة الشهداء وهي ترفع اعلاما فرنسية ويافطات تأييد للانتداب. وبوصول المتظاهرين الى مبنى البرلمان، انضمت اليهم عناصر مسلحة بدأت بإطلاق النار ابتهاجا بوصول مرشح المعارضة آنذاك، النائب المنتخب يوسف كرم، الذي دخل في تلك اللحظة الى مبنى البرلمان، حيث كانت الجلسة معقودة برئاسة المغفور له صبري حمادة وبحضور عدد من النواب.

وفي غضون ذلك، كانت عناصر قليلة من «الجندرمة اللبنانية» تتولى حراسة مجلس النواب، وهي عبارة عن ستة دركيين بإمرة الأمباشي (الرقيب) ضاهر مشيك. وما لبثت الامور ان بدأت تتأزم مع ازدياد اطلاق النار وقيام عدد من المتظاهرين باحتلال المباني المحيطة بمجلس النواب، وبخاصة مبنى التلفون. وبينما كان الرقيب مشيك يعطي تعليماته للعناصر بوجوب منع المتظاهرين من الدخول الى حرم المجلس، شوهد ضابط فرنسي على سطح المبنى وهو ينتزع العلم اللبناني ويضع مكانه علما فرنسيا، فما كان من الرقيب مشيك الا ان اطلق عليه النار، فأصيب وسقط عن السطح مضرجا بدمائه. وفي هذه اللحظة بدأ تبادل إطلاق النار بين المتظاهرين والعناصر الفرنسية من جهة، وبين حرس البرلمان من جهة اخرى، مما ادى الى مقتل الدركي حسن عبد الساتر، من بلدة إيعات، ورغم الرصاص المتطاير في كل الاتجاهات استطاع ضاهر مشيك ان يصل الى سطح البرلمان، حيث نزع العلم الفرنسي وأعاد تركيز العلم اللبناني في مكانه. وفي هذه الاثناء كان رئيس المجلس قد ادرك خطورة الاوضاع خارج المبنى، فقام باستدعاء تعزيزات من الدرك اللبناني، انطلقت من الفوج السيّار، واستطاعت عقب وصولها ضبط الامور وتفريق المتظاهرين.

واخيرا.. كلمة عتاب

بعد ثلاثة وخمسين عاما على الواقعة، وثماني سنوات من رحيل ضاهر مشيك، لم اجد لدى ذويه وأبنائه، الى جانب الاعتزاز، غير مشاعر الخيبة والعتب، لكيفية تعاطي الدولة مع رجال من هذا الطراز.

وردا على سؤال «الديار»، يقول السيد حسن ضاهر مشيك: «لم يكن والدي يطمع بأن يدخل التاريخ او يحقق المكاسب حين وضع دمه على كفه واندفع ليحمي رمز بلاده، بل كان يقوم بما يمليه الواجب والشرف على اي انسان مؤمن بوطنه ومستعد لبذل الدم في سبيل عزه وكرامته.. وامام تضحية والدي والكثيرين من أمثاله يحق لنا ان نعاتب الدولة ونسألها عما فعلته في سبيل تكريم ابطال بلادنا وتخليد ذكراهم»!.

ودعا مشيك الى «تصحيح» كتاب التاريخ اللبناني، وتلافي ما فيه من نواقص وثغرات، معتبرا: «ان من يقرأ تاريخنا الحديث يكون كمن علم شيئا وغابت عنه اشياء»!

في تاريخ لبنان الاستقلالي ثمة كثير من التطورات حصلت كانت أشبه بالانقلابات، وكانت تهدف لتغيير الواقع من حال إلى حال، ومحاولة الحزب السوري القومي الاجتماعي الانقلاب على السلطة في الاول من كانون الثاني عام 1961 لم تكن الأولى التي يشهدها لبنان، فالمحاولة الأولى كانت في العام 1944 بعد الانتخابات النيابية الفرعية التي جرت في 23 نيسان لملء ثلاثة مقاعد نيابية شاغرة في محافظتي جبل لبنان والشمال، ففاز عن مقعدي جبل لبنان فريد الخازن وخليل أبو جودة، وعن الشمال فاز يوسف كرم.

في تلك الأثناء يسجل للعهد الاستقلالي الأول وهو ما يزال في سنته الأولى، أنه كان ما يزال يفاوض الفرنسيين لاسترجاع كامل حقه، في الوقت الذي كانت فيه دول العالم تتسابق للاعتراف باستقلال لبنان.

وقد امتعض مؤيدو الانتداب أن يبدأ كاترو في تسليم الصلاحيات والمصالح الفرنسية، فأخذ أنصار الانتداب يعقدون الاجتماعات لتنظيم صفوفهم مع سيل من الشائعات.

وهكذا مع إعلان نتائج الانتخابات الفرعية وتعيين أول جلسة للمجلس بعد هذه الانتخابات في 27 نيسان، كان هناك محاولة قام بها الفرنسيون للنيل من استقلال لبنان، فكان أن اتخذت الحكومة عدة تدابير منها حصر التظاهرات، وعدم استعمال السلاح من قبل قوى الأمن إلا في حالة التعدي عليها، ومنع الدخول إلى المجلس إلا لحاملي البطاقات، كما وزع رجال الدرك وشرطة المجلس النيابي على جوانب المجلس النيابي لأن الجيش والأمن العام كانا ما يزالان بيد الفرنسيين.

في ذلك اليوم، دخلت بيروت سيارات متعددة من جسر بيروت مع سيارة النائب المنتخب يوسف كرم، متجهة نحو ساحة الشهداء، فتوجه المتظاهرون وهم يحملون العلم اللبناني القديم أي العلم الفرنسي تتوسطه الأرزة، نحو مجلس النواب مخترقين الحواجز حتى وصلوا إلى ساحته، وهنا تقدم أحد المتظاهرين محاولاً رفع العلم الفرنسي على باب المجلس النيابي.

ويقول رئيس المجلس النيابي الاستقلالي الأول صبري حمادة: «شاءت بلدة زغرتا وما جاورها مرافقة نائبها إلى المجلس، وسط مهرجان كبير، فاندس بين صفوفه عدد من المشبوهين المكلفين من قبل الفرنسيين بإفتعال حوادث الشغب للإفادة منها عند بلوغ الموكب ساحة النجمة، والتسلل إلى المجلس بغية احتلاله، وحين بلغتنتا بطريقة ما أخبار ذلك الزحف، اتصلت بفوزي طرابلسي وكان قائداً للدرك، فتعذر عليه مدّنا بالقوة اللازمة مما اضطرني للاكتفاء بالعدد الضئيل مما كان لدينا من الشرطيين واللجوء إلى بندقية وضعتها في حجري وجلست أترقب.. وعند وصول الموكب إلى ساحة النجمة صعد جندي فرنسي، اقتلع العلم اللبناني واستبدله بعلم بلاده، فأطلق عليه العريف ضاهر مشيك، وليس نعيم مغبغب رصاصة قتلته في الحال.. ونسبنا إلى نعيم مغبغب قتل الجندي الفرنسي لكي لا يعاقب الفرنسيون ضاهر مشيك، وكانوا ما يزالون يسيطرون على قيادة الدرك.

وعند سقوط الفرنسي تحت العلم أخذ رفاقه يطلقون علينا الرصاص من بناية البرق والبريد القديمة.. ولم نسمح بدخول أحد ممن رافقوا يوسف كرم فدخل إلى المجلس بمفرده، وبقي منظمو التسلل خارجه.

ويروي قائد شرطة بيروت الأسبق أبو علي قليلات: أن المقاومين من داخل المجلس اشتد ضغطهم على المهاجمين مما اضطر المقتحمين إلى الانسحاب وإني لا أنسى أن الرئيس صبري حمادة كان يحمل بارودة معدلة وهو يقاوم، وبشكل عام فقد رد المعتدون على أعقابهم وفشلت المحاولة الانقلابية الأولى.

«بعنا الروح لنحمي وطنا/ لكــن الخاينيين هم وطّنا

لهم يوم به هرجا وطنّا/ المهند من صريره العقل غاب»

هذا هو «الحِداء» الأخير الذي ردّده الدركي حسن موسى عبد الساتر قبل ساعات من استشهاده، في الثامن والعشرين من نيسان عام 1944. لا زال أخوه محمد عبد الساتر يذكر جيداً كلمات الحِداء من شقيقه، «شهيد علم الاستقلال» الذي سقط برصاص الانتداب الفرنسي «ذوداً ودفاعاً عن كرامة وطن».

قلّة قليلة من اللبنانيين يعرفون شهداء الاستقلال الذين سقطوا على مذبح الوطن. حسن عبد الساتر، ابن بلدة إيعات البقاعية أحد هؤلاء. هو شهيد العلم اللبناني، والاستقلال الذي كان لا يزال حينها طازجاً، عابقاً بدماء العشرات من أبنائه الذين استشهدوا في سبيل نيله. «كُتب التاريخ في الوطن، ذكرت أشياء وغابت عن الذكر أشياء كثيرة»، يقول محمد عبد الساتر عبارته وهو يوغل في ذاكرة الأيام، يستخرج منها صوراً عن أخيه الشاب الذي «أبى أن يُنتزع علم بلاده عن سارية مجلس النواب، ليرفع مكانه علم الانتداب، فسقط برصاص المحتل الفرنسي، شهيداً فداء الوطن».

في ذاكرة الرجل الذي يناهز الثامنة والثمانين من العمر، صورة أخيه حسن، الدركي في فرقة الخيّالة التابعة لقوى الأمن الداخلي اللبناني.

ذلك الشاب الثلاثيني «المحبوب من كل زملائه وأهل القرى التي خدم في مراكزها الأمنية، في راس بعلبك وراشيا وسيار بعلبك». يتذكر بنيته الجسدية وصوته الجهوري «كان إذا غنّى الحِدا بثكنة الشيخ عبدالله، نسمعه بإيعات»، يقول الرجل مبتسماً.

كيف استشهد عبد الساتر؟

يتذكر شقيقه أنه في تلك الأيام، كان يوسف كرم قد فاز في انتخابات فرعية لمقعد في المجلس النيابي، وحدّد موعد أول جلسة للبرلمان بعد الانتخابات بتاريخ 27 نيسان 1944. في المقابل، كانت سلطات الانتداب الفرنسي تحاول النيل من الاستقلال الذي تحقق، إبّان صلاحيات الجنرال الفرنسي كاترو.

اتخذت الحكومة اللبنانية سلسلة من الإجراءات الاحترازية وطلبت من الدرك تأمين الحماية والدعم من سائر مراكزه ومنها سيّار بعلبك، خصوصاً أن الجيش والأمن العام كانا لا يزالان في يد الانتداب الفرنسي.

يروي عبد الساتر أن أخاه كان مكلّفاً بمهمة في مدينة طرابلس، إثر أحداث حصلت هناك. وكانت طريق عودته من عاصمة الشمال إلى بعلبك تمرّ عبر مدينة حمص، في وقت كان زملاؤه يتحضرون للانتقال إلى مهمة حفظ الأمن في المجلس النيابي، «فما كان منه إلا أن التحق بهم، رغم رفض الضابط المسؤول عنه لكونه كان مكلفاً بمهمة طرابلس».

وصل موكب يوسف كرم الضخم، آتياً من زغرتا إلى ساحة البرج. وكانت في الموكب «مجموعة من المندسين المسلحين، مهمتها التي أوكلها إليها الفرنسي إثارة حالة من الشغب ودخول المجلس النيابي بساحة البرج. حصل هرج ومرج أمام باب المجلس النيابي، وجرى إطلاق رصاص عشوائي من مسلحين في التظاهرة ومن مبنى التلفون الذي يتمركز فيه الفرنسيون، الأمر الذي دفع النواب والوزراء إلى الاختباء داخل زوايا المجلس. في هذا الوقت، كانت عناصر الدرك تجهد، إلى جانب الجندرما النيابية (شرطة المجلس النيابي) في مواجهة المد الكبير من المتظاهرين، وفي منعهم من الدخول إلى البرلمان» يروي عبد الساتر، ويتابع: «خرج رئيس مجلس النواب صبري حماده من المجلس وفي يده العلم اللبناني الجديد، فبادر خيي حسن إلى أخذ العلم من يده في محاولة منه لرفعه فوق سارية المجلس وهو يردد هتافات وطنية، ما دفع حماده للصراخ به «لوين طالع يا مجنون بيقتلوك»، وما كاد ينهي جملته حتى أطلقت النيران عليه، فاخترقت رصاصة خوذته وسقط أرضاً».

يتهدج صوت الأخ، ويشير إلى أن حسن نقل إلى مستشفى «أوتيل ديو» لتلقي العلاج من إصابته الخطرة، لكنه استشهد متأثراً بإصابته في اليوم التالي بتاريخ 28 نيسان 1944.

إلى جانب حسن عبد الساتر أصيب كل من الدركيين الأمباشي ضاهر مشيك، الذي يروى أنه هو من أطلق النار على الجندي الفرنسي الذي اعتلى مبنى البرلمان وحاول رفع علم فرنسا، وأرداه قتيلاً، في حين تشير روايات أخرى إلى أن الصحافي نعيم المغبغب هو من أقدم على ذلك.

تحوّل تشييع الشهيد حسن موسى عبد الساتر إلى «تظاهرة ضخمة كل العشائر شاركت فيها، وتقدمتها خيّالة آل حمية، والجميع كان يرفع العلم اللبناني، ورافقوا جثمانه من بيروت إلى مدينته بعلبك، وقريته إيعات». تدمع عينا الأخ وهو يتذكر مشهد التشييع. يومها، رفعت الأعلام اللبنانية خلال التشييع، ونكست أعلام الانتداب الفرنسي فوق جميع الدوائر، ومنها دائرة الأمن العام في بعلبك، منعاً لحصول أي صدام مع المشيعين الغاضبين. ينهي عبد الساتر كلامه، ويطلق العنان لصوته الذي أنهكته السنون مردّداً «حداءً» للوطن:

وطنّا ع القلب غالي/ وبركان حبّه بالصدر غــالي

ع حب الوطن أقفلت غـالي/ وسكّرت ع حبه كل البــواب

   

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *