تجلّيات الشّاعرة مريم علي باجوق

تجلّيات الشّاعرة مريم علي باجوق
في قبس جريح بهمسات خريفيّة عندما تصرخ الكلمات
بقلم: الدّكتورحسين أحمد سليم
كاتب باحث و مهندس فنّان تّشكيلي عربي لبناني من بلاد بعلبك

نائب رئيس مجلس إدارة و رئيس تحرير القسم العربي للجريدة الأروبّيّة العربيّة الدّوليّة

تتماهى عنفوانًا أنثويّا موروثًا، و تتعملق ففي ربى تلال جبل عامل، كإمرأة جنوبيّة لبنانيّة، مقاومة في كلمتها و موقفها، تتصدّى بمصداقيّتها و حرّيّة رأيها، كلّ أشكال الظّلم و الإعتداء و الإحتلال… لتبرز في حركة إبداعاتها و تُعرف في رحاب بيئتها و وطنها، الشّاعرة العربيّة اللبنانيّة المقاومة، مريم علي باجوق، تتقلّب إنسيابًا لطيًفا في رحاب هدأة الأشياء من حولها, و فضاءات سكينة الصّمت في البعد, حيث تتولّد في كنه رؤاها التّفكيريّة معالم الإبداع, و تتشكّل في رحم مشاعرها و أحاسيسها لوحات التّجلّي… فتستفيق رؤى الشّعر لدى الشّاعرة مريم علي باجوق، و تتجلّى من ثباتها العميق, و تسترجع ذاتها من شرودها البعيد, و تستعيد إبحارها من انسيابها الأثيري, خلف الأحلام المتهادية على جناح النّسيم, المسافرة في شفافيّتها و عذريتها, بين حدوديّة الحقيقة في واقع المكان, و آفاق الخيال في طيّات الزّمان… لتكتشف في ومضة من روح, بأنّها غرفت من عمق أغوار حناياها, خلاصة الأحاسيس و صفوة المشاعر, و أفرغت من وجدانها أجمل لحظات العمر, و أعذب معاني الحياة, و أمتع مظاهر العيش… و هي تمارس فعل الإرتحال الدّائم, و حركة الرّحيل المستمرّ, سعيًا حثيثًا وراء أمل يحاكيها أثيريّا, لترسم في فضاءات الذّاكرة أوّليّات الإعتقاد بأنّها تمكّنت من رؤياها, و استحوذت على أملها، حيث جسّدت مكنوناتها في مجموعاتها الشّعريّة: “القبس الجريح” و “عندما تصرخ الكلمات” و “همسات خريفيّة”…
من تلك الرّحاب الإبداعيّة الأخرى… في عوالم فنون التّجّليات الشّعريّة, للشّاعرة مريم علي باجوق, تتجاذبنا حروفيّاتها و خواطرها, بحكم الحبّ بينها, في منظومة التّعبير, و تتناهى إلينا, حركة الفتنة, من فعل الإقتران بين الخواطر و الذّات على ذمّة العشق الفنّي, لتتولّد اللوحات الشّعريّة , على وقع اللحن الأثيريّ, و سمفونيّة الأصوات الصّامتة في البعد, فيتجسّد الفنّ الشّعري الحرّ, و ينتقل من فضاءات الخيال الفكري, ليرتسم في تشكيلة, فوق مساحة من الأمل المرتجى, و تتألّق معالم القطعة, في بدايات التّجريب… و التّعوّد على معايشة العناصر الفكريّة… ذات المدلول الإبداعي المميّز الذي يتجسّد في نثائر و خواطر و قصائد الشّاعرة مريم علي باجوق…
ففي تلك المرحلة الزّمنيّة, و في تلك الحالة الهائمة الحالمة, أتحسّس الشّاعرة باجوق, تسكن الحروف و الكلمات و الخواطر, بحكم محاكاتها الرّوحيّة, في ذلك العمر الكاعب, للأبجديّة الفنّية المعشوقة من ذاتها, المبحرة في نفسها… تراودها تشكيلة الفنون الشّعريّة بحداثة عصريّة, متحرّرة من كلّ المعوقات التّقليديّة، و تحاكيها صور التّشكيلات الخواطريّة, على فعل جماليّة المعنى, ليتوافق مع الجوهر… و هي بحكم إئتلافها مع المنظومة الفنّية الشّعريّة, و محاكاتها رنين المنظومة الحروفيّة, في آفاق فضاءات الخلق و الإبداع… و بحكم التآلف مع لغة التّعبير, تسكنها القطعة الشّعريّة, في مكنون معانيها, و تجعل من نفسها, و أحاسيسها الدّفينة, في غياهب وجودها, سرادقا خاصّا لها, و تجعل من أثيريّة روحها, الهائمة في ملكوت الله, مأوى لها…
نعم… فإنّ الشّاعرة مريم عي باجوق, في تلك الومضات الشّعريّة و التي كأنّها لوحات تشكيليّة فنّية… تبدو محكومة بالتّفاصيل و العناصر, محكومة للنّصوص… بحيث أنّها تجري معالمها في ذاكرتها, مجرى الدّم في عروقها, لا تبرحها, و لا تغادرها, أو تفارقها, و تحرّضها عناصرها الفنّية على نفسها, فتصبر و تصطبر…
العناصر الفنية الإبداعيّة, تمتلك الشّاعرة مريم علي باجوق, و تمتلكها, و تعيش التّوجّد و التّوجّس… و حالات الحبّ و العشق و الهيام… و هي ترى في خلفيّة عيونها, الأشياء من حولها مختلفة, و تشاهد العالم, و كأنّه مختلف تماما… ففي غمار الصّحوة الفكريّة عند الشّاعرة باجوق, ترتسم معالم لوحة الإبداع, لتؤكّد لها أنّ الحقيقة غير ذلك الإبحار في متاهات رؤى الأحلام, و أنّ الواقع في المكان غير ذلك التّجديف في عباب الخيالات السّراب, فكلّ حركات الأنغام المتولّدة من الأوتار الأحلام, المرسومة على القسمات الظّاهريّة و الباطنيّة… اختفت في الأعماق فعل انكفاء, و تبدّدت معالمها في حركة تراجع, و غامت صورتها الجميلة, مبتعدة من واجهة الصّدارة إلى زوايا أخرى من بنك الذّاكرة عند الشّاعرة مريم علي باجوق…
و في مجموعاتها الشّعريّة المختلفة الإبداعات, “القبس الجريح” و “عندما تصرخ الكلمات” و “همسات خريفيّة”… تبحر الشّاعرة باجوق في فضاءات الوجود, تشقّ عباب الحياة, تحاكي موج العيش, شراعها الخواطر للوجود و الحياة و الحبّ… حيث من خلال أشعارها المتعدّدة, تحملنا على صهوة أجنحة الخيال, نمتطي معها السّحر البهيّ, الموصل بنا إلى عوالم, تمتزج فيها الأحاسيس و المشاعر, مع الكلمات و الخواطر السّاحرة, النّابعة من صميمها الإبداعيّ, المتمرّسة بالكتابة الشّعريّة و التأليف, لتنتقل بنا في معالم خواطرها, إلى معالم الإنبهار أمام أجمل الأشعار, تشكلها, و كأنّها قطع قدّت من عالم آخر في لوحات فنّية مشهديّه, رسمت بأنامل سحريّة… تأخذنا إلى أبعد من الإطار و الشّكل, في محاكاة روحيّة, تحملنا إلى عالم السّحر و الجمال…
المنظومات الشّعريّة عند الشّاعرة باجوق. .. التي تمتزج فيها أحاسيس الوجدان, بعبق النّفس, لتعزف على أوتار القلب, ألحان الحياة, في حركة جموح و ثورة, تعكس فعل المعاناة, عند شاعرة فنّانة تتنفس الفنّ الشّعري, و تتحدّث بالفنّ الشّعري, و تتعامل في يومياتها مع النّاس بالفنّ الشّعري… بحيث ذاكرتها الفنّية, تهيم في عالم آخر, لتستجلي سرّ الحياة, و تجتلي معنى الوجود, فتبحث, و تنقّب, و تفتّش, متلهّفة للون شعريّ عصريّ حداثيّ مميّز, متشوقة لفكرة ما, تقطف من الأبجديّة الفنّية حروفها, تستكشف العقل الباطني, تتقلّب في عالم الأثير, تستلهم الخيال, تتحدّى الزّمان, تستقرئ المكان, تنقش في تاج الأيام, خلجات نفسها الحالمة, ترصّع صولجان العيش, نغمات الحروف, و ترانيم الخواطر, في مشهديّات ساحرة الجمال, عابقات و الهات, تعزف بها على أوتار الرّوح… فتهتز الذّات الإنسانيّة, من ومضة نفسيّة, و ترتعش النّفس البشريّة, من بارقة شكليّة, تروي أمتع البوح, في روايات و قصص شعريّة, لترسم أبدع الحكايات, و ترسم أسمى الأمنيات, في رومانسيّة الحياة, متضمّخة بأطيب الأنفاس, و أحرّ الهمسات…

قال فيها الدّكتور إلياس أبو سابا بمقدّمة كتابها “همسات خريفيّة”… “الشّاعرة مريم علي باجوق في همسات خريفيّة، تُلملمُ الحروف من أبجديّتها, تُحرّضها على ذاتها فتتحابب و تتعاشق, لتولد الكلمات في تشكيلات من جمال, و كأنّها العقد المتناسق الحبيبات, يُزيّنُ جيد الغادة الحسناء بقيم من الجمال… و تكتب الكلمات الحانيات بوح الوجدان في لوحات و مشهديّات, إنعكاس التّفاعل و التّناغم و الإنسجام و التّكامل بين النّفس و المشاعر, و تسكب فعل الخلق و الإبداع في قوالب من الفنون التي تحاكي القناعات في عصر التّجاذبات…

حرفة الكتابة مهارة في استنارة جودة الوعي و الإدراك, تستلهم من الوعي الباطنيّ ومضًا و قبسًا من أطياف, و تستوحي من العرفان الذّاتيّ قبسات من ومضات, فتقلبن العقل في معارفه لترقّ و تلين, و تعقلن القلب في تشاغفه و تهايمه لتنضج و تتكامل, و تُطرّزُ الحروف في كلمات موشّاة بالجمال, و تنتقي المعاني تتماهى بأوشحة من الجمال, فإذا ما اجتمع لديها جمال الكلمة و جمال المعنى, توالد النّصّ الشّاعريّ من رحم تفكّرها في الحالة المثلى, و اتّسق الجمال لعرائس قصائدها في وحدة لا تنفصم…

اهتمّت الكاتبة الشّاعرة مريم علي باجوق بألفاظ كتاباتها و بجمالها الحسّي إلى جانب جمال المعنى, و عملت باكتراث جادّ و مركّز على جمال الكلمات في ذاتها, بإصرار على حالة الإستمتاع بالكلمات في كينونة ذاتها, بحيث أتت لتطرب لها الأذن و يستجيب لها الجلاء السّمعيّ, و هو ما التفتت له الكاتبة في حركة فعل التّنغيم الكامن في تكوين الكلمات و الأحرف… و لعبت الكاتبة على دندنات أوتار الأحاسيس و المشاعر التي تنتابها, و زاوجت بينها و بين مخزونها الباطنيّ من المعرفة و الثّقافة، و خلقت من التّباين بين المتحرّكات و السّواكن إيقاع الكلمات, و إيقاع الجمل, و إيقاع النّصّ…

عملت الكاتبة على تكثيف الخاصّيّة الإيقاعيّة في كتاباتها الشّاعريّة, و ابتكرت بعض التّراكيب اللغويّة الموروثة, و اخترعت بعض الألفاظ التي تبرز موسيقيّة الكلمات… فأتت كتاباتها منافسة في موسقتها لإيقاعات المعاني التي تكتنز بها الكلمات… و لم تكتف بالتّأثير النّغمي أو الموسيقي لأشعارها, بل راحت تعتني بمعنى ما تقول, لتُشعر متذوّق هذا اللون من الكتابات الفنّيّة, بمدى إشباع حاجته إلى معرفة ماذا أرادت الكاتبة أن تقول, و هو ما يجعلها ترود بثقة و قوّة ما تحاول أن تترقّى في معارجه نحو الأفضل, بين ما بدأت به و ما مرّت بتجاربه و ما وصلت إليه اليوم…

الكتابات الشّاعريّة لغة تعكس بأمانة ما يدور في وجدان الكاتبة, و هي الحكم الأوّل على جوانب المصداقيّة في أنساق و سياقات البوح لديها, و اقتراب النّاقد ممّا كتبت و تكتب الشّاعرة باجوق, يتحقّق بمدى اطّلاعه المستمرّ و الدّائب على كتاباتها, ليصبح قادرًا على عدالة الحكم على مدى التّوفيق في التّعبير عمّا جال و يجول في خاطر الكاتبة… و هنا يُمكن القول بأنّ الكلام الشّاعري لدى الكاتبة مريم علي باجوق, تميّز بشيء من الإيجاز حينا, و أتى في بعضه جامعًا حينًا آخر, ليُحاكي فعل حركة الإبداع بشيء من المناعة, و بشيء من السّلاسة و مُحاكاة رهافة الأحاسيس و المشاعر, بحيث خلا في غالبيّته من اللبس و الغموض و من الشّوائب… فأتت الكتابات تعبيرًا خاصّا عن أدقّ ظلال المعاني, بقدر واف من المصداقيّة و الدّقّة, بحيث تطابقت موسقات الكلمات بمعانيها, على نحو يعجز الكاتب العادي عن تحقيقه…

أتوقّف قليلا عند مدى تحكّم الكاتبة في انتقاء الكلمات و نغمتها, لتسخير موسيقى الكلمات في خدمة المعاني, فحالفها النّجاح في الإكتفاء بكلمات قليلة نسبيّا للتّعبير عمّا يجيش في كوامنها, و وُفّقت إلى حدّ بعيد باعتمادها على الحالات الوجدانيّة المتنوّعة التي عاشتها و عايشتها و تأثّرت بها و أثّرت عليها… و اختارت الكلمات الكثيرة للدّلالة على التّنوّع, و هو ما ساعدها على ترتيب كلماتها ترتيبا موسيقيّا جميلا, و ساعدها في صياغة التّعابير للبوح عن الحالات الوجدانيّة التي عايشتها… و هو ما أجادت به الشّاعرة مريم علي باجوق, و برزت تقنيّة الإبداع لديها في عمليّة الرّبط بين كلمات النّصوص و معانيها, فكانت شاعريّة بامتياز ترقّت على فنون النّثر و مارست حركة فعل التّماس مع فنون الشّعر…

الكاتبة مريم علي باجوق ترود بكتاباتها خيمة الفنون الأدبيّة من زاوية إيجاد مدرسة فنّيّة مُتحرّرة خاصّة بها, تُمارس الكتابة نثرا متحرّرا من الوزن و القافية بموسقات منسجمة, لتقارب الكلام الموزون المقفّى شعرا تقليديّا… لتأتي محصّلة كتاباتها تنبض بإيقاع داخلي, يتشكّل منها نوع ما من الشّعر المرسل حينًا أو الحرّ أحيانًا, أو النّثر الذي يحتوي على هذا الإيقاع الدّاخلي, ما ينتج عنه نوع أصيل من فنون الكتابة كشعر يفوق في أصالتة الشّعر المقفّى الموزون… و هنا نقول بأنّ الإيقاع و القدرة على الإبداع لدى الكاتبة يعكس تشاففًا موهبة أصيلة, تحمل في كوامن وجدانها الشّحنات العاطفيّة النّبيلة التي تؤثّر بها في قلوب مستمعيها و قرّائها, بالإرتباط الوثيق و حسن التّوظيف لخدمة مضامين المعاني و الأفكار التي تسعى الشّاعرة لبثّها في كتابها “همسات خريفيّة”…

قالت الشّعر، ففاض شعرها حبًا و حيوية، كتبت، فكان قلمها ورديّ الحلم، مفعمٌ بالآمال، تخطّ الحروف، فتقرع أبواب الأفئدة رقراقةٌ صافية، فالشّعر عندها ينبع من الصّميم، من القلب الذي يحمل هموم الحبيب و الوطن على السّواء.

هكذا ولدت مريم علي باجوق، شاعرة مرهفة، ذات إحساس حادّ في قلب لبنان النّابض، في الجنوب المقاوم.

هي إبنة الأرض، أحسّت فسطّرت مشاعر الودّ في كراريس التّجربة، تألّمت، فإبكتها جراح الحياة، التزمت بحبّها للجمال و الوطن، فهي عاشقة لكليهما، يتمثّلان في شعرها كما تتمثّل الشّمس في وضع النّهار .

و لا عجب، و مريم المرأة الرّهيفة الإحساس، ذات القلب الفيّاض بالتّوق و الحبّ، حملت هويّتها الإنسانيّة، لتعبر بها حدود الأحبّة و الأوطان، فمن همس الحبيب و لوعة البعد إلى قانا و عناقيدها السّوداء . من القدس، موطن الطّفولة المسلوبة و الكرّاس الأحمر، إلى عطش العراق كلمة حقّ، فكان عبورها صرخةٌٌ عملاقة رغم رهافة هيكلها .

عندما تصرخ الكلمات، قصائد تقدّمها مريم باجوق إلى قرّائها، بلسمًا للأرواح العاشقة و النّفوس الأبيّة التي لا تقبل الحياة فريضة .

بُروكت من فتاةٍ العطاء في صرخاتها منهلاً، و الحب في صمتها عطاء .”…

و من كتابات الشاعرة مريم علي باجوق:

من ظمإ الأيام أتيتك …

يا منهلاً أغمست فيه يراع أحلامي …

من أنين الناي أحسستك

يا جفنًا …

جمعت بين طياته … رقيق مشاعري …

من جذوة الأشواق عشقتك …

يا صدى ثورتي وعميق إيماني …

فكن ميلاً أكحّل به أجفاني …

كن قلبًا ينبض به شريان أشجاني …

كن حروف كلمتي الضائعة …

كن ناقدًا في قاموس وجداني …

اختاري

صوتُ من جبروتِِ الأيامِ يهوي …

يخدش من بعدٍ

حدود الجدارِ …

يصنع من الصًمتِ

أرجوحة عِشقٍ …

ومن قربِهِ يصيح …

حَذار … حذارِ …

إنَني، كما البلسم، ساعة جرحٍ

وإنني في ثورتي …

كما النّارِ …

لا تقربي الرمادَ بعد هداةٍ …

ولا تزرعي …

في أرضيّ البور بِذَاري

أنثري عِطركِ …

لو شئتِ في جسدي …

وافرِشي شعَركِ …

خمارًا فوقَ خمارِ …

أسكرتني من طيبِ العناقِ فمهلاً …

إنًني سفينة دون بِحَارِ …

لا تجعلي أشواقكِ في عبثٍ

أو غامري …

فحياتي كلٌها …

أسفار في أسفارِ …

اعذري فّي عصارَةَ عمرٍ …

بكلُ الحبَ …

بكلَ اختياري …

هذا أنا !!

بكلّ شوقي إليكِ آتٍ …

صيفي …

وشاح شمسهِ فالتحافي …

وشتائيَ دفءُ …

إنَي خيَرتكِ فاختاري .

استغاثة

ادخل إلى متحف اشيائي….

وانظر في رحابه المديد

شكـّلني…. صمّـمني…

لوحةً تمثالاً…

أيُ شيءٍ جديد

احفرني على حدود الأوطان خندقاً….

كي أطرد القهر من جسدي … والوريد

كي أقف في غار محمد ٍ….

أتلو صلاة الرفق وأتلو وأعيد

كي أعبر ابواب القدس بصمت ٍ….

وأقهر بصمتي كل أنواع الحديد

داس في حرم الأقصى عربيداً….

وأطفئوا في بيت لحم سراج الصناديد

شكـّلني … صمّـمني …

لوحةً تمثالاً…

أيُ شيءٍ جديد….

كي أقف في محراب الأرض حرّة ً….

كي ينتهي زمن العبودية والعبيد

كي أطفو على فرات المجد ريشة ً….

كي أعبر دجلة وقانا…

شكـّلني … ازرعني على كل الحدود

لا تكن آسراً بالحب قلبي….

حرّرني كي أكسر كل أثقال القيود

كي أقول للريح مهلا ً….

للماء مهلا ً….

للحب مهلا ً…

فقد سئمت ارتفاع السدود

شكـّـلني ضياعاً …

شكـّـلني انسجاماً… زهرة ً

شكـّـلني…

فقد تاقت النفس طيب الورود

صام طغاة الدهر عن مائدة حق ٍ

وأفطروا على وعد ٍ ووعيد

شكـّـلني…

كي أغدو إلى حريتي…

كي أخرج من زمني…

من صمتي …. وأعود

كي أملأ نفسي من أناة ٍ

كي أدلو في بئر الثبات صبراً

كي أملأ جراري….

عزاً….. وإيمانا ً … وصمود.

آه يا بلد الأحلام  

آه يا بلد الأحلام!
حلمي صار خنجر
آه يا بلد الأوهام!
آه يا بلد الخبز الأحمر
تاهت فيك حريتي
في عنبر الأيام….
وصام عن بيدري…
حلم القمح الأصفر
آه يا ملوك البيوت البيضاء
ملًت من مضاجعكم
تيجان المرمر
نزفت في محاجركم جراح الفقراء
فلا لان طغيانكم…
بل الطغيان أكثر
في بلدي….
كانت تُمزج الألوان…
وفي بلدي….
لون ُ الحب تكسّر
كم مرةً….
أشعلوا في بلدي النيران؟
وفي حضن العز…
كان العدوان يُقهر
لا تجعلوا عدوانكم نغما وألحان
فحانات الزيف بكم…
قطعا ستتبخّر
ازرعوا بذور الحب في لبنان
ففي الكنائس ابونا الذي في السماوات…..
وفي الجامع دائما….
ودائما الله أكبر.

و من حوار مع الشّاعرة مريم علي باجوق  

قصائدي هي أنا

معاقة رصيدها 3 دواوين شعرية

جسد . . أصابه الوهن فلا عجباً . . فالعقل يقظان والفكر مسؤول . . لا تدّعي ضعف الجسوم مصيبة، فالضعف ضعف . . إذا أذهب العقول، كم من جسيم . . قد أفسد في الخلق طراً . . . وكم من عالم أبدع وهو مشلول . . قالوا معاق . . فأشاح الناس بوجوههم وقالوا سليم . . فدقّت لأجله الطبول . . فيا مشيح الوجه عن خلق خالق . . عمري إليك عبرة . . فتفكرّ . تفكّر بما أقول . . هكذا تختصر كلمات مريم باجوق، دعوة صريحة إلى شريحة ذاقت معاناتها تحثّها على التحدّي، وهو الذي شاء القدر أن يمتحن إرادة قوتها بالصبر ومواجهة التحديات، والمصير الجسدي المحتوم بفعل الإعاقة، لكنه المحرّر من أية حواجز إذا ما شئنا وأردنا.

مريم المشعّة بروح التفاؤل، ذاقت مرارة فقدان الأم، وهي طفلة ما زالت في ربيع عمرها الأول، فرسمت صورتها في المخيلة ذكرى لن يمحوها مرور السنين . تقول أشعر بحاجتي لها في المطلق، دائماً أبحث عنها فأجدها في وجوه كل الأمهات . عاشت الطفلة في بيت جدها، ونالت نصيباً من الدلال والعناية وبيئة حاضنة لدرجة تقول لم أشعر يوماً بإعاقتي نتيجة الإصابة بشلل الأطفال وأنا في الثالثة من عمري . عشت كما أترابي من الفتيات، وكنت أمارس الرياضة والسباحة وما زلت . . تصف علاقتها بوالدها وشقيقاتها وأشقائها من زواج والدها الثاني بالمتينة .

بالرغم من كل ذلك، تقول مريم في عمر ال ،18 وقفت أمام خيارين: إما أن أنطوي على ذاتي، وإما أن أثبت أنني كائن موجود وقادر على العطاء كما غيري . . كانت الكتابة في حياتها، وخصوصاً الشعرية منها، مفصلاً مهماً في بلورة شخصيتها لتثبت للآخرين قدرتها على خيار مقولة أنا موجودة . وتتذكر حين كنت في الخامسة عشرة كتبت، إثر وفاة عمّي، ما في داخلي على الورق من مشاعر إنفعالية . . تضيف منذ ذاك الحين حلمت بأن أصدر ولو ديواناً شعرياً واحداً . وكانت اندفاعة الفتاة المفعمة بالحيوية أن قادتها للقاء بالأديب الراحل سلام الراسي، تقول مريم استقبلني في منزله، وأبدى اعجابه بما قرأت له من نتاجي الشعري . . حتى أنه نادى زوجته قائلاً له إميلي شوفي هالصبية شو كاتبه .

لماذا الكتابة؟ تقول مريم: شيء ما في داخلي يحرّك الحروف ويجعلها على الورق . انها تعبير وتفريغ لحالة إما عشت تفاصيلها أو رغبة في أن أعيشها، فليكن بالتعبير عنها . تتابع الكتابة كانت الدافع الفرار للنسيان عن حقيقة فقدان الأم، وكأن أحداً ما كان يحثّني على الذهاب إلى أماكن أخرى أكثر نفعاً لي من الفراغ الذي أشكو منه نتيجة غيابها، وأسئلة أضحت من دون جدوى عن الغياب وأنا التي حرمت من الحق في أن تختزن ذاكرتي شيئاً من أثرها . . . إشادة تشجيعية دفعتها إلى إصدار القبس الجريح الذي أضاء لي حلم الغد، كما تقول . . تلاه ديوان عندما تصرخ الكلمات، ومؤخراً وقعت الديوان الشعري همسات خريفية . في كل منها تقدّم كلمات نابضة بالحياة، وحروفاً صادقة الأحاسيس، وعواطف أنثى توّاقة إلى الفرح، الحياة والحب بجنون . . عن شعرها تقول قصائدي هي أنا . . الكلمات هي صدى النفس، من هنا يكمن الصدق في التعبير في كتاباتي . تقول مريم عن ديوانها الأخير هو مريم على الورق بكلمات شاعرية . تضيف شعرت بالنضوج والرضا الذاتي عن التجربة . . كان ثمة نقلة نوعية اختلط فيها العقل والقلب معاً بتعابير ومفردات لمست فيها نضوج المرأة والإنسانة الواعية بكل المقاييس . . تصف مريم الدفع الذي تلقاه من أسماء معروفة في عالم الشعر أنه حملنّي مسؤولية لكي أكمل وأن لا أخذلهم . وأنا أعتبر نفسي مازلت أحبو في عالم الشعر الرحيب .

في كل ما كتبت ماذا كان نصيب الأم؟ تقول قلمي يعجز عن المحاكاة عنها . ذات مرة حاولت ذلك، إلا أنني سرعان ما وجدت نفسي أقوم بالمزج بين عاطفة الأم بالوطن لكي لا أتواجه بالحديث مع أمي . وعن فارس الأحلام في قصائدها أين هو في الواقع؟ تقول دائماً بحالة حب . . لكنها لم تتكلل بعد بتكوين عائلة . عن السبب تقول ربما طبيعة الحياة التي أعيشها، واستقلالية العيش بمفردي بعد وفاة جدتي وجدي . . طبعاً ضمن ضوابط البيئة التي نشأت بها وفخورة بتقاليدي لعبت دوراً في التردّد من أن يأتي رجل ما ويغيّر من مفاهيمي للحياة، وثمة إحساس خوف من تربية الأطفال، فلست قادرة على تحمّل رؤية طفل يبكي . أغلب الظن أنه وهن، وربما السبب يعود إلى كمّ الدلال الذي لقيته في طفولتي، ولكم كنت أتمنى أن يقسو عليّ لكي لا أشعر بهذه الهشاشة والحساسية المفرطة .

مريم، خريجة قسم العلوم السياسية والإدارية، تزاول العمل المهني كرئيسة فرع في مركز ليبانون بوست في حرم المطار الدولي . . تمارس حياتها بشكل طبيعي، لا يعوقها أي عائق . . تقول أقود سيارتي بمفردي وأسافر برحلات نقاهة باستمرار . . كما أشارك في العديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية . تتبع حكمة في الحياة مفادها اليوم الذي ينقضي من دون إضافة الجديد إلى رصيد أعمالنا كأنه لم يمرّ . تقول استطعت أن أفرض على الجميع كيفية التعاطي معي . وتضيف يرضيني إحساس الناس وتعاملهم معي، وما أقوم به ليس لكي يشير إلى نجاحاتي فحسب، بل إرضاء لنفسي ولكي أشعر بشخصيتي . لا تخفي أن الزرع الذي حصدته لم يكن بهذه السهولة . كان في شحن داخلي وتحدٍ كبير وخوف من الفشل والصدمة من أن يواجهني أحد ما بالسؤال إلى أين تسيرين ومن تعتقدين نفسك، لكن بفضل الله ومعونته لم أصطدم بذلك . تختم مريم بالقول التحدي بالوجود كان هدفي . واليوم بتّ قادرة على المواجهة لعدم الرجوع إلى الخلف، إذا ما واجهت موقفاً ما، فقد يجرحني لكن لا يحطمني.

مريم باجوق ابنة الجنوب مريم باجوق؛ لم تشعر يوماً وهي صغيرة بإعاقتها. فعلى الرغم من شلل الأطفال أخذت الطفلة اليتيمة حصّتها من الدلال في بيت جدتها التي عوضتها عن الأم. علاقتها بوالدها أكثر من جيدة حتى بعد زواجه الثاني، تقول: “لم أشعر يوماً بأنني معوّقة، أنا بطبيعتي عشت كفتاة لا مشكلة لديها وبقيت كذلك، وعندما كبرت كان أمامي طريقان أما أن أنطوي على ذاتي، وإما أن أثبت للآخرين، غير المعوقين أنني أستطيع أن أكون أفضل منهم”. قضت مريم الصغيرة طفولة رائعة بين أحباء وأصدقاء، تقول: “كنت ألعب البالون شاسير والتنس وكنت أحس أنني أشارك وأنجج في ذلك. وأنا كذلك حتى الآن أمارس السباحة والرقص بل أني أرقص جيداً”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *