التجسس والممنوعات مُقابل الغذاء والإستقرار
بَلدٌ عربي شِبهُ مَنسِي ،عددُ سُكانها أقَلَ من مليون نَسمة لكن تتَواجدُ فيها قواعدٌ عسكرية ٌ لمُعظمِ دول العالم، حتى اليابان التي لا جَيشَ رسميَّ لها تَقبعُ قاعدتها العسكريةُ على هذِه الأراضي الصغيرة وتَجري فيها عمليات تجسُسية تَفوقُ ما كان يحدُثُ خلال الحروب العالمية ،أكثرُ من ٩٠ بالمئة من سُكانها مُسلمون يتعلموُنَ اللغةَ العربيةَ ولا يتحدثون بها، التَنميةُ فيها مُنعدمة والإقتصادُ يعاني الويلات، لا صناعة ولا ثرواتٍ ولا حتى زراعة .
الشيئ الوحيدُ الذي يضمَنُ إستقرارها الإقتصادي ميناءٌ تجاري يُمَثل أكثر من ٧٥ بالمئة من الناتج المحلي والذي لو توقف عن العملِ لإنهارت البلاد .
جيبوتي البِلادُ العربيةُ المنسية.
ما الذي يَحدُثُ فيها ؟
وكيفَ يعيشُ شعبُها؟
بلدٌ صغيرٌ ذو موقع إستراتيجي يقعُ على مضِيقِ باب المندب تحُدها كل من إريتيريا وإثيوبيا والصومال ويَعيشُ فيها أكثر من ٨٠٠ ألف نسمة كانت تُعرفُ سابقاً بإسم أرضِ الصومال الفرنسية والإقليمُ الفرنسي لعَفار وعيسى وإتَخذت جيبوتي إسمَها هذا بعد أن حصلَت على إستقلالِها عن فرنسا في ٢٧ من حزيران/ يونيو ١٩٧٧ ، تقَعُ البلاد في منطقةٍ حارةٍ وجافةٍ في القرن الإفريقي لِذا فإن المُناخَ في البلاد حارٌ ورطب أما الأمطارُ فهطولُها مُنخفضٌ جداً ، الأمرُ الذي جعل مُعظم التُربةِ غير صالحة للزراعة وحوالي ١٠ في المئة فقط تُستخدمُ كمراعي.
ينقسِمُ البلد إلى ستِ وحدات إدارية وهُم علي صبيح وآرتا ودخيل وتاجورة وآبوك ومدينة جيبوتي أكبرُ مجموعتين عرقيتين في البلاد هم الصومالية والعفار تتحدَثُ تلك المجموعتين اللغاتِ الكُوشيةَ الشرقية أكثرُ من نصف الصوماليين ينتمونَ إلى عيسى ويتجاوَزُ عددهم عدد العَفر ، الصوماليونَ المُتبقون هم في الغالب أعضاء ٌ في عشيرتي غادبورسي وإسحاق وتنتشرُ أيضاً اللغةُ العربية ولكن يتحدَثُ بها فقط اليابانيونَ الُمهاجرون واللغات الرئيسيةُ المنتشرة هناك هي الفرنسيةُ والعربيةُ والصوماليةُ والعفريةُ لكن تبقى اللغة الصومالية هي الأكثرُ إنتشاراً ،الدِينُ السائدُ في الجيبوتيين والعرب هو الإسلام فأكثرُ من ٩٥ في المئة من السكانْ هم من المُسلمين والبقيةُ من المسيحيين، تستضيفُ جيبوتي عدداً كبيراً من اللاجئين بالإِضافةِ إلى الآلاف من المُهاجرين الذينَ يدخلون جيبوتي سِراً بشكلٍ مُستمر ويتَولونَ بشكلٍ غير قانوني مجموعةَ متنوعَةً من الوظائف وفيما يَتعلق بالرياضة تُعتبرُ ألعابُ القوى المُكونَ الرئيسي للمجتمع الجيبوتي والرِياضةُ الأكثرُ شعبيةً في جيبوتي هي رياضة ُ الجري وهي رياضةٌ حقق فيهاَ المُتسابقون الجيبوتيون نجاحاتِ كبيرةَّ على المستوى الدولي .
تشتَهِرُ جيبوتي بمنسوجاتها الرقيقةِ المُتعددة الألوان والتي يتم تصنيعُها في ملابس تُشبه السارونغ تُسمى الفوتة وتُباعُ هذه الملابس في السوقِ المركزي بالعاصمة أما بالنسبة للمطبخ الجيبوتي فهو مُتأثرٌ بالمطبخين الإفريقي والفرنسي ،تضُمُ العاصمة أيضاً العديد من المطاعم الفيتناميةِ والصينيةِ واللبنانيةِ عاليةِ الجودة .
الإقتصادُ والأعمال .
جيبوتي دولةٌ فقيرة تعتمدُ بشكلٍ أساسي على قطاعَّي الموانئِ والخدمات لذلك فإنَ تجارة الترانزيت عبرَ الميناء الدُعامةُ الأساسيةُ للإقتصاد وتخلِقُ ما يَقلُ عن ٧٥ بالمئة من الناتج المحلي الإِجمالي تَوسعَت تجارةُ الموانئِ مُنذُ عامِ ١٩٩٨ عندما قررت إثيوبيا تَحويل جميعِ أنشطت الإستيرادِ والتصديرِ إلى جيبوتي
فأصبحَت جيبوتي البوابَةَ الرئيسيةَ للتجارةِ مع جارتها العملاقة إثيوبيا ،تُنتِجُ جيبوتي ٥ بالمئة فقط من إحتياجياتها الغذائية مما يجعلُها مُستورداً كبيراً للغذاءِ من إثيوبيا والصومال ويتِمُ تغطيةُ تكاليفِ الوارداتِ من قبل القطاعات الخدماتية وعائدات التجارة المُهربة وتمتلِكُ جيبوتي القليل من الموارد الطبيعية ولديها قُدرَتٌ محدودةٌ على الأنشِطةِ الزراعيةِ والصناعية بسبب التطور المحدُودِ في قطاع التصنيع ، تعتَمِدُ جيبوتي بشكلٍ كبيرٍ على إستيرادِ المنتجات الإستهلاكية كما يُعاني البلد من بِطالةِ واسعةٍ ودينِ خارجي وعجزٍ في الميزانية العادية تُواصل الحكومة التركيز على الخدماتِ الماليةِ والإتصالاتِ السلكيةِ واللاسلكية والخدماتِ المُتعلقةِ بالتجارة مِما يُعززُ مكانتَ الدولةِ من أجلِ أن تُصبحَ مركز أعمال تجاري بارز في القرن الإفريقي وتُعتبرُ الدولةُ مركزاً تجارياً ومالياً شهيراً في المنطقة حيثُ تَميلُ قوانينُها المصرفية والمالية إلى أن تكونَ أقلَ تقييداً من تلك الموجُودةِ في البلدانِ الأُخرى وعلى الرغمِ من قوانين الإسِتثمار الليبرالية ووضع جيبوتي كمنطقةِ تجارةٍ حُرة إلا أن تكاليفَ العمالةِ والطاقةِ المرتفعة والسوقَ المحلي الصغير للغاية وعدم الإستقرار الإقليمي أعاقَت جذبَ المُستثمرين الأجانب.
القِطاعُ الزراعي في البلاد شبهَ معدوم بسببِ محدودية مساحات الأراضي الصالحةِ للزراعة ، تقتَصِرُ الزراعةُ هناك على عددٍ قليلٍ من الوديان التي تُنتِجُ محاصيل صغيرة من الخَضروات ويعِيشُ الناسُ في الأريافِ من خلالِ الرعي البدوي حيثُ تُرَبى الأغنام والماعز من أجلِ الحليب واللحوم والجلُود بينما تُستخدَمُ الإبلُ لنقلِ القوافل .
جواسيسُ العالم في جيبوتي .
قُربُ جيبوتي من المناطق المضطربةُ في إفريقيا والشرق الأوسط وإستقرارُها النسبي جعَلهاَ موقِعاً مُميزاً للقواعد العسكرية الأجنبية وضمِنَ تدَفقاً ثابتاً للمساعدات الخارجية ،تحتفِظُ فرنسا القوةُ الإستعماريةُ السابقة بوجودٍ عسكري كبير كما تستضيفُ البلاد أكبرُ قاعدةٍ عسكريةٍ أمريكيةٍ في إفريقيا كما وجدَت الصينُ مكاناً لها وأنشأت فيها أول قاعدةٍ خارجيةٍ لها وكانت جيبوتي أيضاً أول قاعدةٍ عسكرية لليابان منذُ الحرب العالمية الثانية وتشهَدُ جيبوتي تنافُساً عالمياً بين كُبرى الدول لأسبابِ عديدة ، أهمها موقعها الإستراتيجي على مضيقِ باب المندب فنحو ثُلث الشحن العالمي يُنقلُ عبره بما في ذلك الأسلحة والتهريبُ في جميع أنواعِ الممنوعات، كما ترغبُ الصين في حماية تجارتها مع إفريقيا عبر تواجدها في جيبوتي وذلك من خلال قاعدتها العسكرية التي قامت بإنشائِها عام ٢٠١٧ وتأتي مهمة جميع هذه القواعد العسكرية في إطار المراقبة فجميعُ القواعدِ هُناك تُريدُ أن تَحصُل على معلومات مُتعلقة بالأنشطةِ الصينية وعلى إثر ذلك نشطت عملياتُ التجسس بشَكل واسع لتعيش جيبوُتي البلد الصغير بعضاً من أجواء الحربين العالميتين الأولى والثانية .
بعد كل كا ذكرناه سابقاً عن هذا البلد الفقير بمصادره والغني بموقعه الإستراتيجي والذي حوله إلى نقطة إهتمامٍ وصراعٍ ونفوذ بين الدول الكبرى لتأمين موطئ قدم لها ولمصالحها وتجارتها الشرعية والغير شرعية ونقطة عبور لأنشطة التهريب وتجارة السلاح والممنوعات على مرأى من القواعد العسكرية التجسسية ونقاط المراقبة لأعظم الدول ، فكيف تمر البضائع والأسلحة والممنوعات وغيرها دون مصادرتها ؟!
وهل التجارة مسموحة لبعض الدول وممنوعة عن الأخرين ؟
وهل تحول شعار تلك الدول إلى 《التجسس والتجارة الغير شرعية مقابل الغذاء والإستقرار》؟
وهل ستبقى الدول النامية سوقاً ومرتعاً لدول تعتبر نفسها فوق القانون والمحاسبة؟
وأنت برأيك إلى ماذا ستؤول الأوضاع في جيبوتي ؟
وهل تتوقع إندلاع حرب نفوذ في المنطقة ؟
أم أنها ستتحول إلى سوق منتجاته سوف تقضي على البشر والحجر؟
خالد زين الدين .
رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية.
عضو إتحاد الصحفيين الدوليين في بروكسل.
عضو نقابة الصحافة البولندية.