الحقد والكراهيه
بقلم الحاج السفير د. جلال عبدالكريم الشيخلي العبيدي
الحقد والكراهيه
بقلم الحاج السفير د. جلال عبدالكريم الشيخلي العبيدي .
للاسف الشديد كانت جالس مع احد المعارف عليه وتطرق الى موضوع من حوالي خمسون سنه او اكثر سالته عن ابن عم له اخبرني انا متقاطع معه من السبعينات اخبرته لماذا هذا الانقطاع الطويل يقول لي حجي متذكر من وقف امام الاصدقاء والاقارب واخذ يتهحم عليه امام عائلتي وابي وامي عطوه الحق وانا طلعوني المصوج وعلى هذا الموضوع انا اكره وخاقد عليه الى يوم الدين .
لقد سببت نار الحقد الكثير من الفتن، وحرقت الكثير من الأرواح وأفنتها، وأهلكت أناسا وهدمت بيوتا
أول ذنب ارتكبه الإنسان على وجه الأرض كان دافعه الحقد، حيث قتل قابيل هابيل في أول جريمة كانت بين الإخوة. والأخوة هي ذاك الرابط المقدس الذي يصل روحين أو أكثر ببعضهما البعض، وهذا يعني أن كل شيء ممكن الحدوث، فلا تستبعد غدر أحدهم، ولا تأمن مكره.
الجريمة هي نتيجة الحقد الذي استقر في قلب قابيل، والحقد شعور مخيف للغاية، يقوم بتغذية الإنسان، يملؤه كله، ولكنه كالنار كلما أحرقت شيئا ازدادت ضراوة واشتعالا، لا تشبع أبدا من نفسها، ولكنها لا تُخمد إلا بعد أن تخور قواها وتنفد، أو يطفئها أحد من الخارج.
وإن لم يتم تهدئة الغضب يتحول إلى حقد دائم. وهو من أكثر الشرور الظاهرة أو الباطنة، ودائما ما أقلقني الحقد الذي في قلب الإنسان.
بينما تتشكل الكائنات في كل لحظة، وبينما تتغير الأحوال لحظة بلحظة، ينشغل الحقد بإشعال النيران، لا يتوقف أبدا.
أين بدأ أول حقد وأين نبتت أول بذور له؟
بدأ الحقد في السماء الدنيا بتمرد إبليس وكِبَره، ذلك الكبر أمام آدم عليه السلام، وقد تحول هذا الشعور إلى حسرة، والشيطان قد أقسم أن يجعل آدم يحيد عن طريقه، طريق الحق والإيمان.
حقد الشيطان لا ينتهي ولا ينفد، فقد استمر بكبره وجبروته منذ زمن آدم وصولا إلى سلالته كلها، ورغم معرفته بحقيقة أمر الله عز وجل الملائكة بالسجود لآدم، فإنه رفض الانصياع بسبب سوء فهمه وكبر نفسه، فقد ظن أن عنصر المخلوقية -أي أصل كل مخلوق سواء أكان من نور أو طين أو نار- هو الذي يعطي التمايز والأفضلية. ومن كبره أيضا أنه غفل عن علم الله الواسع، وقدرته وحكمته، فقد أطاعت الملائكة من دون سؤال لأن الكبر لم يغيّب عقولهم، ثم يأتيه العقاب الإلهي بالطرد من الجنة واللعنة إلى يوم القيامة في قوله سبحانه “قَال فاخرج منها فإنّك رجيمٌ وإنّ عليكَ اللعنة إلى يوم الدين”، وفي هذه الآية يظهر أن الحقد مستمر طالما بقي الحاقد على قيد الحياة “قال ربِّ فَأَنْظرْني إلى يوم يُبعثون قال فإنّكَ من الْمُنْظرِين إلى يوم الوقت المعلوم”. وكذلك يظهر في جشع إبليس بوعده بإغواء ذرية آدم كلهم من وُلد ومن لم يولد بعد. إذن فكل مغامرات هذه الدنيا بدأت بالحقد ولا تزال مستمرة معه.
هناك شيء لا يستطيع الحقود رؤيته، وهو أن الحقد يقتله وينهيه، فالحقد حين يستقر في القلب لا يترك فيه مكانا لأي شعور جميل، فكما تأكل النار الحطب يأكل الحقد صاحبه، وهو كالحسد، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم “إياكم والحسد؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب”.
الحقد والكراهيه عند الناس في الاسلام
الْحِقْدُ مِنْ مَعَانِيهِ: الضَّغَنُ وَالاِنْطِوَاءُ عَلَى الْبَغْضَاءِ، وَإِمْسَاكُ الْعَدَاوَةِ فِي الْقَلْبِ، وَالتَّرَبُّصُ لِفُرْصَتِهَا، أَوْ سُوءُ الظَّنِّ فِي الْقَلْبِ عَلَى الْخَلاَئِقِ لأِجْل الْعَدَاوَةِ، أَوْ طَلَبُ الاِنْتِقَامِ. وَتَحْقِيقُ مَعْنَاهُ: أَنَّ الْغَضَبَ إذَا لَزِمَ كَظْمُهُ لِعَجْزٍ عَنِ التَّشَفِّي فِي الْحَال رَجَعَ إلَى الْبَاطِنِ وَاحْتَقَنَ فِيهِ فَصَارَ حِقْدًا..
يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْحِقْدِ بِحَسَبِ بَاعِثِهِ، فَإِنْ كَانَ لِحَسَدٍ وَضَغَنٍ دُونَ حَقٍّ : فَهُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا، لأِنَّهُ يُثِيرُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَالإْضْرَارَ بِالنَّاسِ لِغَيْرِ مَا ذَنْبٍ جَنَوْهُ.
وَقَدْ وَرَدَ ذَمُّهُ فِي الشَّرْعِ ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي ذَمِّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ سَاءَهُمُ ائْتِلاَفُ الْمُؤْمِنِينَ وَاجْتِمَاعُ كَلِمَتِهِمْ بِحَيْثُ أَصْبَحَ أَعْدَاؤُهُمْ عَاجِزِينَ عَنِ التَّشَفِّي مِنْهُمْ : وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأْنَامِل مِنَ الْغَيْظِ …
وَمِمَّا يُذْهِبُ الْحِقْدَ الإْهْدَاءُ وَالْمُصَافَحَةُ ، كَمَا قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ. وَفِي رِوَايَةٍ: تَهَادَوْا تَحَابُّوا .
أَمَّا إِنْ كَانَ الْحِقْدُ عَلَى ظَالِمٍ لاَ يُمْكِنُ دَفْعُ ظُلْمِهِ ، أَوِ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ، أَوْ عَلَى كَافِرٍ يُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ وَلاَ يُمْكِنُهُمْ دَفْعُ أَذَاهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَذْمُومٍ شَرْعًا، ثُمَّ إذَا تَمَكَّنَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ، فَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ فَذَلِكَ مِنَ الإْحْسَانِ … وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِنْهُ ، فَلاَ حَرَجَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ ..” انتهى مختصرا من “الموسوعة الفقهية” (18/5) وما بعدها
ومما ذكر في علاج الحقد ، ما جاء في “نضرة النعيم” (10/4433) :
” أمّا علاج الحقد : فيكمن أوّلا في القضاء على سببه الأصليّ ، وهو الغضب ، .. وعليه أن يحذّر نفسه عاقبة الانتقام، وأن يعلم أنّ قدرة الله عليه أعظم من قدرته، وأنّه سبحانه بيده الأمر والنهي ، لا رادّ لقضائه ، ولا معقّب لحكمه، هذا من ناحية العلم .
أمّا من حيث العمل فإنّ من أصابه داء الحقد : فإنّ عليه أن يكلّف نفسه أن يصنع بالمحقود عليه ضدّ ما اقتضاه حقده ؛ فيبدّل الذمّ مدحا، والتكبّر تواضعا، وعليه أن يضع نفسه في مكانه ، ويتذكّر أنّه يحبّ أن يعامل بالرّفق والودّ فيعامله كذلك.
إنّ العلاج الأنجع لهذا الدّاء : يستلزم أيضا من المحقود عليه ، إن كان عاديا على غيره : أن يقلع عن غيّه ، ويصلح سيرته، وأن يعلم أنّه لن يستلّ الحقد من قلب خصمه إلّا إذا عاد عليه بما يطمئنه ويرضيه ، وعليه أن يصلح من شأنه ويطيّب خاطره، وعلى الطرف الآخر أن يلين ويسمح ويتقبّل العذر، وبهذا تموت الأحقاد وتحلّ المحبّة والألفة ..
تحياتي وتقديري لكم جميعا