مجرد أفكار
غسان مدلل
الطبيعة سيدة الأقدار..تمنحنا الحياة..تمنحنا الطمأنينه والسلام ..فنمشي بخيلاء ونظن أننا سادة الكون..فتعود بلحظة لتهز ما فوق وتحت الأرض لتذكرنا بأننا مجرد ذرات لعل وعسى
ندرك عظمتها وعظمة الكون فننحني طاعة واجلالا واحتراما لها كل حسب مفهومه لمعنى الخالق ومعنى الحياة، فلضحيا الشعب المغربي الطيب المخلص والودود الرحمة ولارواحهم السلام.
١) العقل مركز الكون.. إن حضر حضر الكون ، وإن غاب غاب الكون.
٢) ولدنا مختلفين..لنعيش متفقين.
( ابيض..اسود..طويل..قصير..ذكي..غبي..نشيط..كسلان..مؤمن ..ملحد..الخ) فالخلاف والاختلاف جزءا لا يتجزأ من الطبيعة ..من التكوين وبالتالي قبوله واحترامه أو التعايش معه في الحد الأدنى واجب ومن يدعي غير ذلك يكون مسكونا بالأنانية وجنون العظمة .
٣) يكمن سر الاستمرار في عملية التدوير (Recycling). ماء..بخار..غيوم..ثم ماء ، جسد ..غذاء..حياة ..موت ،ثم تحلل ليصبح الجسد بدوره غذاء ثم حياة ، فهذه هي دورة الحياة وهذا ما يلحق بكل الأحياء والظواهر والاشياء.
فهل يمكننا الآن فهم عملية التدوير وأهميتها للمحافظة عليها وعلينا.!
الحياة رحلة..الأقدار هي المركب وانت فيها القبطان..!!
الطبيعة هي الكمال..هي البداية والنهاية..هي السرمدية والأبدية..هي الحياة والموت..التجدد والفناء فهي تملك العقل الأذكى الذي يعرف كيف يدافع عن نفسه وعنها بأفضل الأسلحة والأدوات..فالطبيعة سيدة الحياة.
أن تكون مع نفسك..تكون أقرب للحقيقة..تكون أقرب للحياة.
الطاقة محرك الجسد.. والأمل محرك الروح..فلا حركة دون طاقة ولا روح بلا أمل.
كل شيئ في العقل وكل ما في العقل أفكار وكل هذه الأفكار تدور وجودا وعدما.. سلباً و إيجاباً..تنفيذا و اهمالا بالعادات التي تعود العقل على التفكير بها.. فإن تعود العقل على التفكير بشكل عاطفي تكون النتائج وخيمة لأن هامش الخطأ كبير وإن اعتاد على التفكير بشكل موضوعي تكون النتائج أقرب إلى الصحة والصواب وإن اعتاد على التفكير بالجنس مثلا يصبح مهوسا بالجنس وخيالات النساء أو الرجال حسب النوع ، وإن إعتاد التفكير بالفضيلة تأسره صور الجمال ليصبح زاهداً وأقرب لعمل الخير.
فمناط التفكير هو العادة التي تعود العقل على التفكير بها.!!؟
فهل من الممكن إنشاء مجتمع أفضل إن عودنا العقل على التفكير بالقيم الإنسانية بدل الغرق بالتفكير في الاستهلاك.!!؟
الفقير والحلم..
اقترب الشهر من نهايته ،و كانت جيوبي قد فرغت قبله عدا عن بعض الجنيهات بالكاد تكفي للطعام ؛وتوقع المال ممنوع فلا دخل لدي غير مرتبي الضئيل من العمل الشاق ، فالسماء لا تمطر جنيهات وإن سقط منها بعض الماء وزمن المعجزات انتهى بغياب الأنبياء .
كان الأوتوبيس مزدحما بالأجساد كعلبة السردين ، وكنت أقف بينها متعلقا بمساكة مرتبطة بالعامود الأفقي الممتد من المقدمة للمؤخرة ، أتأرجح بينها ومعها كلما توقف أو تحرك الأتوبيس، ورائحة التعرق المختلطة مع رائحة تخمر الحبوب في مؤخرة الركاب تزعج الأنف والرئة ولكنه الاعتياد يقلل من أثر القبح والجمال والفرح والانزعاج وكان عقلي كما عودته فارغا من الأفكار، ربما لأنه كذلك ،أو لأن التفكير عملية متعبة تؤدي للدوران في نفس الحلقة المزعجة ووجع الرأس ، الراتب.. أجرة الغرفة..ثمن الطعام..الخ قائمة الالتزامات فأريح الأمور أن أعطله وأوكل الأمر لله ، فلا فائدة عمليا من التفكير..ولا مخرج من الحال ، وما أتمناه الآن أن أصل لغرفتي الصغيرة بأسرع وقت لأتحرر مما يكبلني من ثياب.
وأخيرا وصلت ،وبحركة آلية تحررت من ثيابي ،واستلقيت على سريري الرفيع ،وسرحت بالفراغ المحيط بي و بالسقف الذي فقد لونه من تراكم الأوساخ والغبار والدخان والزمان ، فلا جديد هناك..اليوم هو الأمس وما سبقه وهكذا أدور وهكذا تدور بي الأيام .
مر بعض الوقت وكدت أن أستسلم للنوم إلا أن نداء المعدة كان أقوى وأشد ،فقمت بتسخين بعض الخضار المطبوخة من الأمس مع عصائر الطماطم ،تعشيت وشكرت نعمة الله وعدت للاستلقاء متمنياً بعض السكينة والهدوء ؛ولكن هيهات ،فالسكينة والسكون ممنوعتان في الأحياء الفقيرة فهذا صراخ أولاد الحارة يكمله بكاء الأطفال ويزينه صوت مذيع التلفاز في غرفة الجار الذي يصرخ ، فاز رقم… بعشرة ملايين جنيه ، عشرة ملايين جنيه..واستمر الرقم يتردد في أذني رغم ضجيج الأشياء الأخرى حتى استولت فكرة العشرة ملايين على خيالي.. فلماذا لا أغامر.. لماذا لا أشتري.. لماذا لا أكون مثل القطيع..!!؟
جلست في سريري ،سندت ظهري إلى الحائط وأخذت أجري الحسابات..كذا للطعام..كذا للمواصلات .. كذا للشاي في جلسة المقهى.. آه لم يتبق شيء ، فحاولت إسقاط الفكرة ففشلت فهي تراودني كيفما تحركت وعدت أتمزق بين شراء الحلم وشراء الرغيف وبالنتيجة
فاز الحلم وانهزم الرغيف.سأوفر من كل شيء ، الطعام.. السجائر..شرب الشاي في المقهى الخ، لبست ثيابي نزلت السلالم الطويلة بسرعة واشتريت من جاري البقال ورقة يانصيب سلمها لي وهو يتأملني ببعض القلق والاستغراب، لربما يخشى أن أقصر في دفع ديوني له في نهاية الشهر.!!؟
ومع ذلك قال لي حظا سعيداً…حظا سعيدا.ذهبت للمقهى وعدت وعبارة حظا سعيدا تتردد بين الوسادة ورأسي،ابتسمت ضاجعت الحلم ونمت غير آبه لكركعة الأمعاء.
مرت الأيام وأنا أداري الجوع وأعاقر كل ليلة الأحلام ،فماذا سأفعل بالعشرة ملايين..!!؟سأشتري سيارة فخمة.. أتقاعد في شقة في حي راق وأعطي لوالدتي بعض المال والأهم سأتزوج جارتي الحلوة المثيرة، سأسافر في رحلة بحرية مثلما يفعل الأغنياء.. حتى يغالبني النعاس فأنام ، وبقيت على هذه الحال إلى أن حانت ليلة موعد السحب فذهبت الى المقهى لمشاهدة النتائج من على شاشة التلفاز إلا أنني وصلت متأخراً لدقائق فقال أحد الأصدقاء اذهب للبقالة ستجد النتائج هناك وقال آخر بتهكم.. أجل الملايين للغد فالأرقام لن تتغير ، غداً وأنت بطريقك للعمل مر على البقال..لا تضيع وقتنا الآن..غداً.. غداً وشاركه في ذلك باقي الأصدقاء..خجلت وخفت أن أذهب وأعود بخفي حنين وأصبح محلاً لتعليقاتهم وهزلهم فانصعت لرغبتهم وبقيت.
شربنا الشاي القاتم الرخيص المغلي لأكثر من ألف مرة دون أدنى احتجاج خوفاً من أن يقوم صاحب المقهى بطردنا ومنعنا من دخول المقهى ثانية فلا يوجد في الحي مكان تسلية آخر ونحن نمتاز أيضا بالجبن .
قام بعضنا بلعب الورق ولاك البعض الآخر الأخبار ،فجديدها قديم..وقديمها أضافوا إليه بعض الكحل والرتوش إلى أن انقضى الوقت فعدت لغرفتي ونمت بعد قلق شديد فحلم ربح الملايين أفسده بتعليقاتهم الأصدقاء.. فماذا فعلا لو كانت ورقتي خاسرة مثل معظم الناس ،فكرة سخيفة ولكنها واردة جداً وسيئة جدا.
حضر الصباح ،غسلت وجهي ولبست ثيابي بسرعة وهبطت السلالم بسرعة وأنا كلي شوق لتفحص ورقتي لدى البقال..اقتربت واقتربت ولكن ماذا لو كانت خاسرة.. آه سأفقد الحلم الذي يناسبني قبل النوم..تباطأت..وتباطأت..فالشوق يدفعني للأمام والخوف يشدني للخلف..وما إن وصلت حتى كان الخوف قد تغلب على الشوق..سأؤجل تفحص ورقتي إلى ما بعد.
ويوما بعد يوم، استمرت عملية التأجيل واستمرت تراودني الأحلام في معظم ليالي قبل النوم إلى أن حان موعد انتهاء صلاحية التذكرة بعد مضي ما يقارب العام ، فمشيت بتثاقل للبقال ،سلمته إياها فقال لي ياه ، هذه قديمة ،قام بفحصها وأنا أراقبه ببعض اللهفة والشوق..
خاسرة..حظا أوفر في المرة القادمة.
نظرت لعينيه بعتاب ، توقعت بعض المواساة إلا أنني اصطدمت بعيون منطفئة وكأنها تقول لي..مر قبلك مليون..ههههه!!؟
اشتريت رغيف خبز وعلبة فول وتسلقت السلالم مصحوباً بالخيبة والانكسار معزيا نفسي بأنني هزمت الوقت ،هزمت لسنة بائع الأحلام ، انتصرت..انتصرت قلقد اشتريت حلما لمدة سنة بدل أن أشتري رغيفا وبعض الطعام ،اشتريته دون ندم بأي شكل كان.