من يسرق رغيفا يسجن، ومن يسرق وطنا يكرّم!‏ إنها بداية النهاية، إنها العدالة

د. أحلام عبد اللطيف بيضون

من يسرق رغيفا يسجن، ومن يسرق وطنا يكرّم!‏ إنها بداية النهاية، إنها العدالة

لقد كتبت يوما أن فلسطين لا يمكن أن تحرر إلا إذا تمّ اجتياح حدودها من قبل ملايين الشعوب العربية، ‏وعلى رأسهم اللاجئون الفلسطينيون، أو بحرب داخلية في إسرائيل يجعلها تتمزق، مما يؤدي إلى عودة ‏المهاجرين اليهود إلى بلادهم الأصلية، ويتمكن الفلسطينيون من استعادة حقوقها. كان ذلك في العام 1982، ‏في عزّ العدوان الصهيوني الثاني الكبير على لبنان، حين تساءلت كيف للفلسطينيين أن يحرروا وطنهم، وقد ‏لاحقتهم قوى الإجرام الصهيوني تقتلهم وتهجرهم حتى من البلدان العربية المحاذية لفلسطين؟! وقارنت بين ‏عدد الفلسطينيين في فلسطين، وعددهم في الخارج، وبين عدد الصهاينة، وبين مستوى تسلحهم، ومستوى ‏تسلح الصهاينة، وبين دوافعهم الحقوقية وبين دوافع الصهاينة الإستيلائية. وأقول الصهاينة، حتى نميز بين ‏اليهود المسالمين، والمشروع الصهيوني العنصري، الذي جاء مع مشروع تهجير وإبادة الشعب الفلسطيني ‏كي يحل محله، والسبب في ذلك واضح، فهم يعرفون أنهم يسرقون حقوق شعب آخر، مواطنين آخرين. ‏
إن هذه الحقيقة التي لا يمكن للعدو أن ينساها، لا كقادة ولا كأفراد، هي التي دفعته إلى كل الجرائم التي ‏اقترفها، ليس فقط ضد الفلسطينيين، بل أيضا ضد اللبنانيين، والسوريين والمصريين، والعراقيين، ‏والأردنيين، والإيرانيين، وكل من ذكّر بحقو الشعب الفلسطيني، أو حاول مساعدته ليضع حدا لانتهاك ‏حقوقه الإنسانية قبل المادية. ‏
لقد بلغت الوقاحة بالصهاينة، أن يحتلوا فلسطين، ويحلّون محّل شعبها، ثم يعاملون من بقي منه من أقلية ‏نجت من المجازر، وكأنهم أغراب، اعتبروهم من درجة ثانية أقل منهم في السلمّ الاجتماعي، كما يتراءى ‏لهم، هم من يقررا أين يسكن هؤلاء، وماذا يملكون من عقارات ورثونها عن آبائهم وأجدادهم. لقد مارسوا ‏ضد الفلسطينيين، داخل ما يسمى أرض 48، وخارجها التهجير التعسفي، أو الترانسفير، دون أي مبرر أو ‏حق. لقد زوروا التاريخ والتراث، وحاولوا عبثا إثبات مزاعمهم في الآثار الفلسطينية، رغم أنهم، حتى لو ‏وجدوا أثرا يعود لهم، فلا يعطيهم ذلك أي حق في احتلال فلسطين وتهجير شعبها، لا وفق القانون الدولي ‏ولا وفق أي شريعة عامة أو خاصة. منذ ما يقارب المئة سنة، وخطة الاستيلاء على فلسطين، موضوعة ‏على سكة التنفيذ، بكل الوسائل غير الشرعية وغير الأخلاقية.‏
لسخرية القدر، أن نظما عربية، بهدف المحافظة على سلطتها، ونفوذها الفئوي، رضخت للتعاليم الأميركية، ‏مع علمها أن لا فرق بين سياسة تلك الدولة والسياسة الصهيونية، لقد سخرت بالحقوق العربية في فلسطين، ‏وسكتت على كل الجرائم المرتكبة ضد الشعوب العربية بشكل عام، وضد الشعب الفلسطيني بشكل خاص. ‏وبدل أن تدعم الفلسطينيين حتى يتمكنوا من تحرير أرضهم، راحت تنسج علاقات مع الصهاينة، وتطبع ‏معها، محاولة إضفاء الشرعية على وجودها، على حساب الشعب الفلسطيني. ليس هذا فقط، بل لقد استعدت ‏الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبدأت تحيك ضدها المؤامرات، والمكائد، لأنها وقفت مع حقوق ذلك ‏الشعب، وضد العدو الصهيوني. ‏
العام 2020، كان مفصليا بالنسبة للصهاينة، وظنوا أن الأمر استتب لهم في الأرض المحتلة، وأن ‏الفلسطينيين، وأحرار العرب والعالم قد نسوا تلك القضية، بمجرد أن أنظمة عربية أرسلت بعض مواطنيها ‏يحتسون الخمر ويسامرون الغانيات على موائدها، كما استقبلتهم كي يسرقوا ما تبقى من موارد وآثار ‏وتراث عربي. لقد تمددوا لأول مرة من النيل إلى الفرات. ‏
غير أن الحق لا يموت، وشعب فلسطين المناضل لن يهدأ، وأحرار العالم لن يساوموا على حقوق ذلك ‏الشعب. وهكذا، بالدعم المبين من إيران التي سارت فعلا وفق تعاليم الشريعة الإسلامية الحقة، في الدفاع ‏عن حقوق الشعوب المظلومة، أو كما تصفهم القيادة الإيرانية: “الشعوب المستضعفة”، تمكنت فصائل ‏المقاومة الفلسطينية المختلفة، من الحصول على دعم غير محدود في المال والسلاح، بالإضافة إلى الدعم ‏المعنوي، مما مكّنها من استعادة الثقة بنفسها، بعد أن كادت تفقدها، نتيجة لجلدها وتأنيبها، وتمنينها، وإملاء ‏الرأي على قادتها، ومنع المساعدات عنها حين تشاء. لقد شاهدت المقاومة الفلسطينية ما أنجزه حزب الله ‏ضد العدو، وكيف كسر هيبته، وكشفه على حقيقته، فكان ذلك بمثابة درس، ساعدها في ألاّ تصغي للأفواه ‏المتخاذلة الساعية للسلم مع الكيان.‏
من المفارقات، أن يدافع عن الشعب الفلسطيني العديد من مفكرين، وقادة، وفنانين، وإعلاميين، في العالم ‏أجمع، بينما تصمت الأنظمة العربية صمت الأموات، وتترك الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة ‏يلاقي مصيره. ‏
اليوم نشهد أوقات شجاعة وعزّ، سيسجلها التاريخ، وستكون بداية لزوال ذلك الكيان الغاصب، الكيان ‏الصهيوني، أو ما أسموه “دولة إسرائيل”، ولعودة غالبية المهاجرين اليهود إلى بلدانهم الأصلية، بعد أن ‏تبين لهم حقيقة الكيان، واستحالة البقاء فيه، فهم يعلمون أن ما يتمتعون به هو حقوق تعود لأناس غيرهم، ‏حرموا بالمقابل من العيش في وطنهم. سترتكب الكثير من الجرائم الهمجية الموصوفة ضد فلسطيني أرض ‏‏48، وضج الأرض المحتلة في غزة والقدس، ولكن للتحرير ثمنه.‏
إنها بداية النهاية لذلك الكيان العنصري الغاصب. إنها بداية التحرير للقدس وكلّ فلسطين. إنها تأكيد الموقف ‏لأحرار العرب والعالم، إنها العدالة. ‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *