رؤية الصدّيق حفتر لتطوير الزراعة وخلق فرص عمل
تتمتع ليبيا بكلّ المقومات التي تؤهّلها لأن تكون دولةً قادرةً على سدِّ حاجتها من المحاصيل الزراعية والحبوب، وَفق خبراء الاقتصاد الذين يعتبرون أنّ الصراعات الدائرة في البلاد، والانقسام السياسي، واعتماد الدولة على قطاع النفط الذي يمثل 70% من الناتج المحلي الإجمالي، جعلت منها دولة ريعية تعتمد على قطاع وحيد، وتعيش على الواردات في شتّى المجالات.
لطالما كانت الزراعة في ليبيا ثاني أكبر القطاعات الاقتصادية، إلا أنّها بسبب الأوضاع المتدهورة، وتوقف دعمها، وارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية والأسمدة، صارت تعاني الأمرَّين، فتضاءل الإنتاج الزراعي بنحو ملحوظ، حتى صارت تستورد معظم احتياجاتها من هذه السلع من الخارج.
تبلغ الأراضي الصالحة للزراعة في ليبيا 2.07% من إجماليّ مِساحة البلاد، يعمل فيها قرابةُ 100 ألف مزارع. حققت ليبيا اكتفاءً ذاتياً في إنتاج القمح الصُّلب خلال فترات سابقة، لكنّ الأمور تبدلت بعد إجراءات التقشف في البلاد، ووقف دعم الحكومة للمزارعين بالأسمدة والأعلاف، إضافة إلى الغلاء المتزايد، فعزف الفلاحون عن زراعة الحبوب، لعدم قدرتهم على تسويقه، في ظلّ توقف المشروعات الزراعية الحكومية، وعدم اهتمام الدولة بإنتاج الحبوب الذي يُشكل أساس الأمن الغذائي في البلاد.
وبهدف التصدّي لتراجع القطاع الزراعي، يضع الدكتور الصدّيق حفتر هذه المسألة ضمن أولوياته، وفي صُلب الرؤية الاقتصادية الهادفة إلى تطوير هذا القطاع وتحديثه، بما يُوفّر للشعب الليبي احتياجاته من المنتجات الزراعية، وهو يسعى لتحقيق تنمية اقتصادية قادرة على تنشيط الزراعة والتقليل من استيراد المواد الغذائية والاعتماد على قوة زراعية ريفية لطالما عُرف بها الشعب الليبي، وكانت متأصلة في تقاليده.
لا يقف طموح الدكتور حفتر عند هذا الحدّ، بل يريد خلق فرص اقتصادية لليبيين من خلال وضع استراتيجية تُحاكي التكاليف الاقتصادية الباهظة والقدرة على التخفيف من الأعباء التي يتكبدها المزارع الليبي، ووضع برنامج وطني يُتيح للمزارعين الحصول على قروض ميسَّرة لشراء المعدّات وتطبيق برامج حديثة لزيادة الإنتاج.
ولا بدّ من إعادة تأهيل نظام الريّ، وتحديث أساليب تخزين المياه، والاستفادة من مياه الأمطار، من أجل زيادة الإنتاج وتحسين دخل المزارع ورفع مستوى المعيشة في القرى، وهذه المسألة لا يمكن إهمالها أو تجاهلها، وفق رؤية الدكتور حفتر، فضلاً عن وقف الهدر في المياه المستخدمة في الزراعة وانتهاج أساليب جديدة في الريّ، واختيار مزروعات تنتج أفضل المحاصيل، إضافة إلى تدريب الفلاحين على تلك الأساليب الجديدة، فضلاً عن بناء محطات لتحلية مياه البحر، لتصبح صالحة للزراعة والاستعمال المنزلي في آن واحد.
من هنا، تبدو الحاجة ملحّة، من وجهة نظر الدكتور حفتر، لتطوير سياسة الإرشاد الزراعي المحلّي، وتعزيز الأمن الغذائي والتنسيق مع النقابات والمؤسسات التعليمية ومراكز الأبحاث الزراعية لتحقيق التنمية الزراعية المستدامة.
ولأنّ المياه في ليبيا من أكثر الموارد نُدرة، ولأنّ الزراعة بحاجة لكميات وافرة من المياه، فلا بد من دعم الأراضي الخصبة وذات الموارد المائية الكبيرة، والتعاون مع شركات دولية قادرة على تأمين متطلبات الأمن الغذائي وإنتاج محاصيل مناسبة لظروف المناخ والتربة وتقليل الاستيراد.
لذلك، فإنّ الدكتور الصدّيق حفتر، واثق تماماً بأنّ ليبيا ليست بحاجة للاستيراد إطلاقاً، إذا استُثمِر مشروع النهر الصناعي في الزراعة بنحو صحيح، ولا سيما في جنوب بنغازي والحمادة الحمراء ومنطقة البطنان وسرت وغيرها، كما في المناطق التي تتميز بكثرة الأمطار، كالجبل الأخضر والجبل الغربي، وأيضاً في الأماكن التي تتميز بوفرة المياه الجوفية، كل ذلك يحتاج إلى تخطيط مسبق، ومعه يمكن الاستفادة من تنوّع ليبيا الجغرافي وتميّزها بأنواع التربة.