الأمن الإنسانيّ في ليبيا: بين تحدّيات الحاضر ورهانات المستقبل

يُعَدّ الأمن الإنسانيّ من أهمِّ أنواع الأمن، فهو يُبنى على أمن الفرد بدلاً من أمن الأُمم، الأمن من خلال التنمية في جميع المجالات، وليس من خلال الأسلحة أو القوة العسكرية. ويمتدّ الأمن الإنسانيّ ليشمل حياة الأفراد في منازلهم وفي وظائفهم وفي كل مكان. حتى إنه یتشابه في كثیر من الخصائص مع حقوق الإنسان، ما يعني أنّ محوره الأساسيّ هو الإنسان، وهذا ما يتقاطع مع استراتيجيتنا الجديدة في بناء الإنسان في بلدنا الحبيب ليبيا.
هذه الاستراتيجية تجعل للإنسان موضوعاً له كل الأولوية في الحماية، بغضّ النظر عن الانتماءات القومية أو الطائفية أو المناطقية، حيث سيقوم الأمن الإنسانيّ في ليبيا على ثلاثة عناصر، أوّلها الأمن، ثم التنمية، ثم حقوق الإنسان.
وبرأينا، فإنّ ذلك يتطلب الضغط باتجاه تشكيل منظومة من القيم والمعايير الضابطة والعمل على تفعيل قواعد السلوك، والتشديد على أهمية العمل الوقائي للتقليل من نسبة التعرّض للخطر، ويرتبط نجاح ذلك بإيماننا بدور الدولة ومسؤولياتها، باعتبارها الضامنَ الرئيسيَّ للأمن.

ومن هنا أودّ أن أُطمئنكم إلى أنّ العمل سينطلق من الركائز الأساسية التي تقوم عليها المصالحة الوطنية، حيث ستتركز جهود أصحاب القرار في  الدولة على تعزيز قدراتها، وإعادة بناء هياكلها ومؤسساتها الوطنية، وتأهيلها في المنطقة حتى تتمكن من تجاوز حالة العجز والفشل وامتلاك القدرة على ممارسة وظائفها الأمنية، الاقتصادية، الإنمائية، التنموية، البيئية والاجتماعية.
انطلاقاً من أهمية تعزيز هذه القدرات وعملية إعادة بناء الدولة، تصبح الدعائم الثلاث التي حددتها الأمم المتحدة للأمن الإنساني، ألا وهي : السِّلم والأمن، التنمية وحقوق الإنسان، أكثر إلحاحاً في ترجمتها إلى واقع لدى كل فرد من أفراد شعبنا الحبيب.
فعلى سبيل المثال، يُعَدّ الأمن الصحي وجهاً من أوجه الأمن الإنساني، والأول يتضمن الحق في الحياة المكفول في قوانين الدولة لكل الأفراد، لأنّ  المحافظة على حیاة الأفراد وصحّتهم هي لُبّ الأمن، وتشتمل أیضاً على الحقّ في السلامة الجسدیة والعقلیة والنفسیة من الأمراض، ما یعزّز الثقة ببناء المستقبل.

ثمّة نوعٌ ثانٍ من الأمن الذي سنعمل على تحقيقه، هو الأمن الاقتصادي، الذي يعني امتلاك الفرد الوسائل المادية، التي تسمح له بضمان حياة مستقرة وآمنة، ما يولِّد لديه الشعور بالأمن الاقتصادي.
بالطبع، ثمّة مروحة متنوعة من أنواع الأمن الإنساني، ولكلٍّ منها دوره وأهميته وآليات تنفيذ ونتائج، لكن يبقى أهمّها الأمن السیاسيّ الذي يُعَدّ من أهمِّ ركائز الأمن الإنسانيّ، لأن اختلاله یؤدي إلى اضطراب الحیاة داخل  المجتمع، وینتشر هذا الاضطراب لیمَسَّ مباشرةً القطاعات الأخرى كافةً.
وفي الختام، من المؤسف بروز مجموعة من المؤشِّرات الحدیثة التي تعبِّر عن انعدام الأمن الإنساني، ومنها توجُّه الدول نحو الاهتمام بالقوة العسكریة من طریق تخصیص القسط الأكبر من المیزانیة لتموین صفقات التسلُّح غیر  المبرَّرة، والاهتمام به  أكثرَ من الاهتمام المفروض للتعلیم والرِّعایة الصحیة وتحقیق التنمیة الاقتصادیة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *