نُشجِّعُ على التواصُلِ الحضاريِّ في عصرِ العولمةِ والسَّيرِ بقِيَمِهِ الثقافيةِ الراقيةِ

يقفُ التواصُلُ الحضاريُّ كأحدِ أبرزِ المفاهيمِ الحديثةِ التي درجتِ الدولُ العربيةُ على اعتمادِها على أرضِ الواقعِ، وخصوصاً في عصرِ العولمةِ الذي نعيشُهُ حالياً، ليس في منطِقتِنا العربيةِ وحسب، بل في معظمِ البُلدانِ حولَ العالَمِ، لكنَّ الأهمَّ هو في نجاحِ هذا التواصُلِ في تفعيلِ المبادئِ القِيَميةِ والثقافيةِ في المجتمعِ الليبيِّ.

لا شكَّ في أنّ ثورةَ الاتصالاتِ والمعلوماتِ والعولمةِ حوّلَتِ العالَمَ إلى قريةٍ صغيرةٍ تتشابكُ فيها مصائرُ شعوبِ العالمِ بطريقةٍ فريدةٍ وغيرِ مسبوقةٍ. نحنُ نعيشُ اليومَ في عصرِ الانفتاحِ والتفاعُلِ الإنسانيِّ.

وتعزيزاً لهذا التواصُلِ بينَ الأممِ، أرسى الإسلامُ قِيَماً حضاريةً راقيةً لا نجدُ لها مثيلاً في أرقى الحضاراتِ البشريةِ، فدعا إلى التعاونِ في القواسِمِ المشترَكةِ، رغمَ تبايُنِ الأفكارِ والمبادئِ، فقالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

ومن هنا نُدركُ أهميةَ التواصُلِ الحضاريِّ الذي يستهدفُ تعزيزَ التعاونِ بينَ أبناءِ ليبيا الحبيبةِ، من أجلِ الصالحِ العامِّ للمواطنِ والوطنِ. فالقواسِمُ المُشترَكةُ بينهم كثيرةٌ، رغمَ اختلافِ الثقافاتِ واللَّهَجاتِ، لكنّ الجميعَ يعيشون في بلدٍ واحدٍ، يتأثرون بما يدورُ حولَهُم، وهذا يستدعي التواصُلَ والتعاوُنَ الراقيَ والحضاريَ بينَ جيلِ الشبابِ الليبيِّ.

وفي هذا السياقِ، أودُّ من جيلِ الشبابِ أن يرى في التواصُلِ الحضاريِّ وسيلةَ استيعابِ مُنجَزاتِ الآخرينَ وتقديرِها، والتعرُّفِ إلى ثرَواتِهِم المعرِفيةِ وإمكاناتِهِم ومهاراتِهِم الثقافيةِ، وأنه من دونِهِ تتحولُ الاختلافاتُ الثقافيةُ إلى بؤَرٍ للتوترِ والصراعِ، مع ضرورةِ أن يُدركوا أنَّ هذا التواصُلَ لا يستهدفُ الوصولَ إلى حالةٍ منَ المُطابقةِ بينَ الثقافاتِ، بل يستهدفُ بالدرجةِ الأولى الحِوارَ واستيعابَ الآخَرِ، والتَّعرُّفَ إلى مختلِفِ الثقافاتِ الليبيةِ المُنبثقةِ منَ التنوعِ المُجتمعيِّ بما تحويهِ من قِيَمٍ إنسانيةٍ وحضاريةٍ، من دونِ أن ننسى أنَّ شعبَنا العزيزَ تجمعُهُ رُقعةٌ جغرافيةٌ واحدةٌ، ومصيرٌ مُشترَكٌ، وثقافةٌ شعبيةٌ، وذاكِرةٌ تاريخيةٌ مُشترَكةٌ.

إنَّ التواصُلَ الحضاريَّ الذي نبتغيهِ، هو تبادلُ الثقافاتِ الرئيسةِ وفروعِها وأنساقِها، ونحن اليومَ نستهدفُ إعدادَ مواطنينَ قادرينَ على فَهمِ الحياةِ وأسرارِها والمبادئِ المناسِبةِ لها، وعلى التواصُلِ معَ المجتمعاتِ الأخرى. وفي ظلِّ ما نشهدُهُ من عددٍ منَ التحدياتِ التي تُواجهُ الشبابَ الليبيَّ في الداخلِ، أصبحَ منَ الضروريِّ إعادةُ تفعيلِ وتعزيزِ قِيَمِ الحقِّ والعدلِ والمُساواةِ، والتسلُّحُ بالخِبراتِ في المجالاتِ كافةً، واستثمارُها بينَ الناسِ، واحترامُ الآخَرِ، كأسلحةٍ ثقافيةٍ وفكريةٍ لمحاربةِ أسبابِ المرضِ والفَقرِ والجهلِ وفقدانِ الأملِ، وبالطَّبعِ الوسيلةُ المُثلى في ذلكَ هي التواصُلُ الحضاريِّ. ومن هنا نضعُ في سُلَّمِ أولوياتِنا ضرورةَ تنميةِ قِيَمِ التواصُلِ الحضاريِّ لدى طلابِنا في المدارسِ والثانوياتِ والجامعاتِ، وضرورةَ الاهتمامِ بالتسامحِ والتعايشِ معَ الآخَرِ، وتأصيلَ الفكرِ الانفتاحيِّ من خلالِ تطويرِ الوَحَداتِ التعليميةِ الموجودةِ، وإدخالِ وَحَداتٍ جديدةٍ، في ضوءِ مجالاتِ التنوعِ الثقافيِّ والتربويِّ الذي باشرْنا بهِ في صروحِنا التعليميةِ الرسميةِ والخاصةِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *