الدِّينُ يُساهمُ في خَلقِ وترسيخِ التوافُقِ النفسيِّ والاجتماعيِّ لدى أبناءِ المجتمعِ الليبيِّ ونُعوِّلُ على دورِهِ المِحوَريِّ في بِناءِ شخصيةِ الأفرادِ والجماعاتِ
إنَّ وجودَ الدِّينِ تزامنَ معَ الوجودِ الإنسانيِّ لما له من دورٍ محوريٍّ في بناءِ شخصيةِ الإنسانِ في أداءِ دورِهِ الرِّساليِّ على الأرضِ. ويتميَّزُ دورُ دينِنا الحنيفِ بعدَّةِ أبعادٍ على هذا المستوى، أبرزُها دورُهُ كَبُعدٍ روحيٍّ وأساسٍ جوهريٍّ في بناءِ الشخصيةِ السَّويةِ، فهو يُعَدُّ استجابةً لنداءِ الفِطرةِ في داخلِ الإنسانِ، يُشعِرُهُ بالرِّعايةِ الإلهيةِ، ويقيهِ الحَسرةَ على ماضيهِ، والخوفَ من مستقبلِهِ، والاطمئنانَ على حاضرِهِ.
فإنَّ مَنْ يلتزمونَ الشَّعائرَ والواجباتِ الدينيةَ همُ الأكثرُ سعادةً، والأكثرُ انسجاماً معَ ذواتِهِم، ومعَ بيئتِهِم، ومجتمَعِهِم، مِنْ غيرِهِم، ما يعكِسُ الدَّورَ المِحوريَّ للدِّينِ في بناءِ شخصيةِ الأفرادِ والجماعاتِ، ومِنْ بينِ الأنشطةِ التي تُعزِّزُ هذا الدورَ، المشاركةُ في الممارَساتِ الدينيةِ في المجتمعاتِ التقليديةِ والمتحضِّرةِ في ليبيا.
بالطبعِ ثمةَ العديدُ منَ الآلياتِ التي تسمحُ بتعزيزِ دورِ الدِّينِ في حياةِ الإنسانِ، ومِنْ بينِها التشديدُ في عملياتِ التربيةِ والتعليمِ في المراحلِ الابتدائيةِ والمتوسطةِ والثانويةِ على تنميةِ الاتجاهاتِ الدينيةِ والأخلاقيةِ، مِنْ طريقِ الأسرةِ (خصوصاً الوالدين)، والمدرسةِ، والمؤسَّساتِ الاجتماعيةِ الأُخرى، ما يساعدُ على خلقِ التوافُقِ النفسيِّ والاجتماعيِّ وترسيخِهِ لدى أبناءِ المجتمعِ الليبيِّ، معَ اعتزازِنا بتصنيفِ ليبيا ضِمنَ الدُّوَلِ المتجانسةِ دينيّاً، حيث يشكلُ المسلمونَ ما نسبتُه 97% من إجماليِّ السُّكانِ.
ومن أجلِ تحقيقِ نتائجَ مضمونةٍ لدى أفرادِ مجتمعِنا الإسلاميِّ، يجبُ أن تأخذَ المؤسَّساتُ المذكورةُ جميعَ الجوانبِ الشخصيةِ بالاعتبارِ، بما في ذلكَ القِيَمُ الدينيةُ والثقافيةُ لدى الفردِ عموماً، والتلميذِ والطالبِ خصوصاً، وذلك لما لها مِنْ أهميةٍ في مجالِ التوافُقِ النفسيِّ والاجتماعيِّ. فعلى سبيلِ المِثالِ، الرادعُ الداخليُّ لدى الإنسانِ هو الأساسُ، وعلينا في هذه الحالةِ أن نُعوِّلَ على الوازعِ الدينيِّ في كُلِّ سلوكياتِنا وتصرُّفاتِنا وقراراتِنا.
فعلى مُستوى السُّلوكياتِ، يُعَدُّ السُّلوكُ تعبيراً عمّا اكتسبَهُ الإنسانُ من ثقافاتٍ، ومنها المُمارَساتُ الدينيةُ التي تَعكِسُ دلالاتِ اتصالِهِ بالحياةِ، ويجبُ أن تنصبَّ الجهودُ المبذولةُ مِنْ كُلِّ الجهاتِ المعنيةِ على صيرورةِ تلكَ الدلالاتِ واستمراريتِها، وتقديمِها بأفضلِ الطُّرُقِ، كما الكيفيةُ التي تتفاعلُ بها داخلَ الجماعةِ.
لماذا نتقصَّدُ التركيزَ على الوازعِ الدينيِّ في حياتِنا؟
لأنَّ الدِّينَ بِهِ قِوامُ الإنسانِ، وبِهِ تزكو حياتُهُ الخاصةُ والعامةُ، ومِنْ أجلِ ذلكَ لا بُدَّ للجِهاتِ المعنيةِ في ليبيا منَ الاهتمامِ الكبيرِ بالمنهجِ الذي يحققُ المفهومَ الصحيحَ والقويمَ للدِّينِ، وهذا يتطلبُ إلماماً كبيراً واستيعاباً شاملاً ونظرةً كُليَّةً لمكوِّناتِ الدِّين وخصائصِهِ، وأهميتِهِ في حياةِ الأفرادِ والمجتمعِ من أجلِ حُسنِ تطبيقِ الدِّينِ على أرضِ الواقِعِ بمفهومِهِ الشامِلِ.
فالقرآنُ الكريمُ هو الأساسُ لبناءِ الإنسانِ، ومُنطلَقٌ له، باعتبارِهِ كتاباً محفوظاً مِنْ كُلِّ تحريفٍ أو تعطيلٍ أو انتحالٍ، ومقامُنا الذي نبحثُ فيهِ عنِ الحقِّ، وهو مصدرٌ لا ريبَ فيهِ، كي نصلَ إلى البناءِ المطلوبِ والسَّوِيِّ للإنسانِ في ليبيا. فلنُقبِلْ على الدِّينِ، ولا نُعرِضْ عنهُ، ترجمةً للآيةِ: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”.