في ظلال السكين: قصة صرخة بلا صوت
ذ.عبد القادر الفرساوي- في إحدى الليالي الهادئة، وفي منزل على أطراف مدينة بادرنو دوغنانو، حيث يبدو كل شيء طبيعيا للوهلة الأولى، انقلبت الأمور إلى مأساة لا يمكن تصديقها. كان ريكاردو، الفتى الإيطالي البالغ من العمر 17 عاما، يجلس مع عائلته وأصدقائه للاحتفال بعيد ميلاد والده الواحد و الخمسين، لحظات مليئة بالضحكات والابتسامات العابرة، غير مدركين أن هذه السعادة ستكون الأخيرة.
عند منتصف الليل، وبينما كان الجميع غارقين في نوم عميق، انسحب ريكاردو بخطوات هادئة نحو المطبخ، حيث أخذ سكينًا بطول عشرين سنتيمتراً. كانت تلك اللحظة الحاسمة، اللحظة التي تحولت فيها الأفكار المظلمة التي كانت تراوده لأيام إلى واقع مرعب. بدأ ريكاردو هجومه العشوائي، أول ضحية كانت شقيقه الأصغر الذي كان نائماً بسلام. “لم يكن هناك سبب محدد، مجرد اختيار عشوائي”، هكذا صرح لاحقاً للشرطة.
صرخات الألم من الغرفة المجاورة أيقظت والدته، التي هرعت لتجد ابنها الصغير مضرجاً بالدماء. لم يكن أمامها وقت لفهم ما يحدث، فقد طعنها ريكاردو مراراً وتكرارا. وعندما حضر الأب ليرى المشهد الفظيع، صرخ مستغيثا بابنه ليذهب ويطلب المساعدة، ولكن ريكاردو لم يتوقف. طعن والده عدة مرات في رقبته، محاولاً إنهاء معاناته سريعا.
وبعدما انتهى من فعلته، لم يعد قادرا على تحديد عدد الطعنات التي وجهها لأفراد عائلته. الأرقام كانت مخيفة، حتى التحقيقات أشارت إلى أن الشقيق الصغير تلقى 39 طعنة، الأم 12 طعنة، والأب 17 طعنة، معظمها في منطقة الرقبة، وكأن ريكاردو كان يريد أن يُسكت الجميع إلى الأبد.
في أثناء التحقيق، أقر ريكاردو بأن هذه الفكرة ظلت تتردد في رأسه لأيام، لكنه لم يتمكن من تنفيذها في البداية لأنه شعر بأن الوقت لم يكن مناسبا. ومع ذلك، لم تكن هناك أي دلائل على وجود تخطيط مسبق للجريمة كما صرح محاميه لاحقا. كل ما كان يشغل عقل ريكاردو هو الهروب من شعوره بالاختناق والابتعاد عن عائلته التي لم يشعر معها بالانتماء.
اليوم، وهو وراء القضبان، بدأ يدرك هول ما فعله. الغضب الذي دفعه في تلك الليلة انقلب إلى ندم وحسرة لا حدود لهما. تحدث إلى الكاهن في السجن، طالبا الغفران، ومعترفا بأنه لا يستطيع الهروب من الفراغ العميق الذي يسكن داخله، فراغ ابتلع فيه كل معاني الحب والرحمة.
قصة ريكاردو ليست مجرد سرد لأحداث مروعة، بل هي تحذير من الوحوش التي قد تنمو في عقول الشباب عامة و المراهقين خاصة عندما يشعرون بالعزلة والانفصال. إنها تذكير بأن قلوب البشر قد تكون أكثر قسوة وظلاماً مما يمكن تصوره.
المصدر: إيطاليا تلغراف