“من أرشيف الجريمة في المغرب”: حينما يتحول الحب إلى انتقام في ميسور !!

قضية ركن “من أرشيف الجريمة في المغرب” لهذا الأسبوع، بطلها مدرس، أحب ابنة خاله إلى حد الجنون، وظل يكثم عواطفه الجياشة نحو من تربى في كنف أسرتها وترعرع، واعتقد أن التي أسرت قلبه ستكون من نصيبه ﻻ من نصيب غيره.

لكن لما طلب يدها اكتشف بأن التي جن بها مجنونة بغيره، فأصيب بخيبة أمل كبيرة تحولت إلى صدمة قوية أترت على نفسيته ولم يعد يقو على سماع أن التي خلق من أجلها ترفضه. وفي حديث عابر جمعه بوالدة محبوبته وشقيقتها الصغرى باح لهما بأن يوم المنى هو عندما تغير محبوبته رأيها وتقبل به كزوج، لتقاطعه شقيقتها الصغرى بأن أختها ترفضه، وأن فارس أحلامها زميل في العمل. فأصابته هذه الحقيقة في الصميم وجعلته يستشيط غضبا لم ينطفئ إﻻ بارتكاب جريمة قتل مزدوجة ذهبت ضحيتها الطفلة ووالدتها ونفذ في حق نفسه حكما بالإعدام شنقا.

*إعداد: عبد الحفيظ محمد، موقع معكم ٢٤

تعود وقائع هذه القضية إلى أوائل شهر غشت من سنة 2011 بمدينة ميسور، حينما عاد الزوج إلى منزله بعد أن غادره لأداء صلاة الظهر بالمسجد المجاور، حيث وجد زوجته وابنته ذات الاثنى عشر ربيعا جثتين هامدتين مضرجتين في دمائهما في حين وجد جثة ابن أخته (ب.أ.أ) معلقة بحبل على باب إحدى غرف المنزل.

هرع الزوج مذهولا إلى أقرب مركز للشرطة للتبليغ عن هذه المجزرة، التي كان بيته مسرحا لها مطالبا بالكشف عن الجاني أو الجناة الذين اقترفوا هذه الجريمة النكراء. لكن نتائج التحقيق زادت من ذهوله، بل أصابته بصدمة قوية لزمته مدى حياته بعد أن كشف التحقيق بأن الجاني ليس سوى ابن أخته الذي أتى به ذات يوم إلى منزله حيث تربى وترعرع وسط أسرته… لكن ما الدافع وراء ارتكاب ابن أخته لهذه الجريمة المزدوجة؟

 

الوهم القاتل

لم يتمكن (ب.أ.أ)، الذي ينحدر من عائلة معوزة، بأن ينعم منذ نعومة أظافره بدفء والديه، لأنهما سلماه تحت وطأة الحاجة والفقر إلى خاله ليتعهد بتربيته ويعيش بين أحضان أسرته.

وبفضل العيش في كنف أسرة خاله تمكن (ب.أ.أ) من التمدرس ونجح في مشواره الدراسي حتى حصل على شهادة تعليمية تمكن بواسطتها من الحصول على وظيفة كمدرس في منطقة ميسور حيث نشأ وترعرع.

ومنذ أن كان (ب.أ.أ) طفلا وهو يرى ابنة خاله (ر.ه)، التي تصغره ببضع سنوات، تكبر أمام عينيه وتترعرع، حيث كان يكن نحوها منذ البداية شعورا غريبا ما فتئ يكبر معه ويتطور.. في حين كانت ترى فيه الأخ الاكبر من دون زيادة أو نقصان.

وظل (ب.أ.أ) محتفظا في أعماق نفسه بهذا الوهم الذي بات يلازمه، ولم يتمكن يوما أو يتجرأ على تقاسمه مع بنت خاله، ولو بمجرد التأكد من موقفها في ما يتعلق بمشروع الزواج الذي يختمر بذهنه كمعنية بأمره. لكنه لم يمتلك شجاعة البوح بما يشعر به من عواطف جياشة تجاه من أحب ويعلن للأسرة التي تتبناه عن رغبته في الزواج ببنت خاله (ر.ه)، إلا عندما وصلت هذه الأخيرة إلى سن الرشد وأنهت دراستها الثانوية التي مكنتها هي الأخرى من ولوج سلك التدريس في إحدى مدارس مدينة العرائش…

شجاعة البوح

إﻻ أن النطق بالحكم على طلبه لم يتأخر كثيرا حيث نزل عليه كالساطور، مما يشير إلى أن الفتاة لديها مشاريع أخرى تشغلها، وﻻ تكن أدنى شعور بالحب تجاه ابن عمتها ما عدا مشاعر الأخوة التي ميزت دائما علاقتهما منذ استقباله في منزل أسرتها ليعيش في كنفها.

كان رد الأسرة بالرفض على طلب (ب.أ.أ) بالزواج من ابنتها البكر قاسيا جدا وصدمه بشكل رهيب، حيث عاش الأخير هذا الرفض الصادر من تلك التي أسرت قلبه واحتلت مساحة شاسعة من حياته العاطفية لدرجة أنه جعل منها الفتاة الوحيدة التي من أجلها وجد على قيد الحياة، إعتقادا منه بأن لديه كل الحقوق على بنت خاله وأن الأمر لا يعدو سوى طلب يدها ليكون له ما يريد…

النقطة التي أفاضت الكأس

منذ أن تلقى (ب.أ.أ) هذا الرد المؤسف، أصيب بخيبة أمل كبيرة لم تمهله كثيرا حيث أغرقته في حالة من الاكتئاب مغلفة بانهيارات عصبية متوالية ومتكررة التي تتأرجحه يوما بعد يوم حتى أدخلته في حالة من العزلة والكبث بحيث أن أي شخص من المقربين منه لم يتمكن من تفسيرها.

وفي أوائل شهر غشت من سنة 2011، وبينما كان (ب.أ.أ) يرتشف قهوته في جلسة عائلية دخل في نقاش عابر مع زوجة خاله، التي تربى بين أحضانها، بعد أن غادر خاله المنزل متوجها إلى المسجد المجاور لأداء صلاة الظهر، وفي لحظة من اللحظات جره النقاش إلى الحديث عن مشروع زواجه معبرا بأن منى حياته وحلمه الكبير هو اليوم الذي قد تتخلى فيه بنت خاله (ر.ه)، التي تصغره ببضع سنوات، عن رفضها وتوافق على الزواج منه. لكن ابنة خاله الصغيرة ذات الاثنا عشر ربيعا قاطعته على الفور خلال الحديث في هذا الموضوع، لترد عليه بأن شقيقتها لن تقبله أبدا كزوج ويبقى عليه الآن أن يبحث عن زوجة في مكان آخر. وعلى الرغم من رد فعل عصبي من جانبه، استمرت الصغيرة في ردها، مدعية أن شقيقتها البكر قد اختارت بالفعل عريسها في المكان حيث تعمل…

الحل النهائي

لما سمع (ب.أ.أ) بما فاهت به الصبية بخصوص موضوع رغبته في الزواج من أختها التي جن بها وهي مجنونة بغيره، نهض كالثور الهائج وأصيب فجأة بنوبة عصبية جعلته يقفز مسرعا إلى المطبخ حيث استولى على سكين مطبخ وجه بواسطته من دون أي تردد عدة طعنات إلى الصبية في مختلف أجزاء جسدها النحيل، مقرونة بترديده بصورة هستيرية يطالبها بعدم تكرار مثل هذا الكلام وإلا سيعاقبها أكثر من هذا العقاب. لكن شراسة الاعتداء ووحشيته أزهق روح الطفلة فجأة متأثرة بجراحها البليغة. ولما حاولت والدتها المذهولة من هول هذا المشهد الحزين وغير المتوقع تخليص فلذة كبدها من قبضة المعتدي، لم تسلم بدورها من اعتدائه، إذ لم يتردد (ب.أ.أ) في توجيه عدة طعنات بواسطة السكين نفسه إلى المرأة، التي استقبلته بالأحضان عندما كان عوده لا يزال طريا، لتلقى نفس المصير الذي لقيته صغيرتها.

وبمجرد انتهائه من ارتكاب هذه المجزرة في حق زوجة خاله وإبنته، تمكن من الحصول على حبل جعله يتدلى من باب الغرفة ولفه حول رقبته مستعينا بكرسي تخلص منه في الأخير ليترك جسده يتأرجح في الهواء مما تسبب في شنقه.

وعند عودة رب الأسرة من المسجد إلى منزله صعق من هول المشهد وهو يرى بيته يتحول في رمشة عين من فضاء ينعم بالهدوء والسكينة إلى مشرحة حيث جثتي زوجته وابنته مضرجتين في دمائهما وجثة ابن أخته متدلية من أعلى باب الغرفة. فترك ساقيه للريح متوجها إلى أقرب مركز للشرطة للتبليغ عن الكارثة التي أصابت بيته مطالبا بفتح تحقيق في النازلة للكشف عن الجاني أو الجناة حتى ينالوا ما إقترفت أيديهم من جرم.

وعلى ضوء نتائج التحقيق في هذه القضية، تمكن الأب من معرفة أن مرتكب المذبحة البشعة التي كان منزله مسرحا لها، ليس سوى ابن أخته (ب.أ.أ)، الذي أدخله إلى بيته منذ نعومة أظافره حيث تربى وترعرع في كنف أسرته ليقيه من براثين الفقر.

وهكذا، فبدلا من الانجرار أمام المحكمة المختصة لإدانته عن جريمة القتل المزدوجة التي ارتكبها، فضل (ب.أ.أ) أن يقاضي نفسه حيث نفذ حكمه بالإعدام شنقا في حق نفسه، علما أن أي محكمة ستتناول مثل هذه القضية لن تنطق في حقه

بأقل من هذا الحكم…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *