الهواري للجريدة العربية الاوروبية: المقاومة لديها من الآليات ما يمكنها من تعويض الخسائر القيادية
في مشهد صامت رهيب يحبس الانفاس، يظهر فيه رجل ملثم مثخن بالجراح، داخل منزل مهدم، يبدو انه قد خرج توا من معركة شرسة، بُترت احدى ساقيه، فيما كانت يده اليمنى تنزف، لم يبق ما يدافع به عن نفسه سوى عصا كان يحملها بيده اليسرى، ويلوح بها مهددا شخصا ما او شيئا ما، كان يتحاشى الاقتراب منه.
الرجل، لم يكن سوى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد البطل، مهندس طوفان الاقصى، الشهيد يحيى السنوار. والمكان هو تل السلطان في مدينة رفح، والذي لا يبعد سوى عشرات الامتار عن موقع لقوات الاحتلال الاسرائيلي متقدم في غزة.
اللافت في الفيديو، هو ان كاميرا “كواد كوبتر” التي وثقت المشهد، توحي للمشاهد، وكأن “الموت” كان يخشى ان يقترب من السنوار المضرج بالدماء، فنظرات السنوار الثاقبة من وراء الغبار والاتربة، كانت وكأنها تزرع الرعب في “قلب الموت”، الذي كان يخشى ان يقع في قبضة السنوار، الذي قذفه بعصا كانت بيده، ليتمم الاحتلال جريمته الجبانة عبر ضربة دبابة ليقضي على السنوار ويرتقي شهيداً.
لم يكن السنوار أول قائد في المقاومة الفلسطينية وغيرها من فصائل المقاومة في المنطقة قد اغتالته يد الغدر الصهيونية، ولن يكون الأخير في سلسلة جرائم اغتيال قادة المقاومة، إلاّ أنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه وأكثرها عزّة، ليغدو بطلاً عالمياً ورمزا للنضال ضد الاحتلال.
عن هذا الامر تقول الاعلامية والكاتبة المصرية البارزة علياء الهواري لجريدتنا: في خضم الصراعات الدائرة في المنطقة، يأتي اغتيال قادة المقاومة كجزء من استراتيجيات الاحتلال الهادفة إلى إضعاف الإرادة الجماعية للمقاومين وإرباك صفوفهم، حيث يشكل استهداف القيادات محاولة لإحداث فراغ في التخطيط والتوجيه وتفكيك الشبكات التنظيمية القائمة. ومع أن مثل هذه العمليات تؤثر على المقاومة، إلا أنها تحمل في طياتها تساؤلات حول مدى قدرة المقاومة على الاستمرار والمرونة في مواجهة التحديات.
هل يمكن أن يشكل غياب بعض القيادات النهاية لمسار المقاومة؟ أم أن هذه الاغتيالات ستدفع بالمقاومين إلى تطوير تكتيكات جديدة وأساليب غير تقليدية لمواصلة نهجهم؟ هذا ما سنتناوله في هذا المقال، تداعيات اغتيال قادة المقاومة على المشهد السياسي والعسكري في المنطقة، وأثر هذه الأحداث على مستقبل حركة المقاومة ومسارها في مواجهة الاحتلال.
الهواري توضّح بشأن تأثير جرائم الاغتيال بحق قادة المقاومة: اغتيال قادة المقاومة في المنطقة يمثل ضربة كبيرة بلا شك، لأنه يستهدف القيادات التي تمتلك الخبرات والتخطيط الاستراتيجي الذي يوجّه مسار المقاومة ويعزز من قوتها العسكرية والشعبية. الاغتيالات لها تأثيرات متعددة، أبرزها التأثير النفسي والمعنوي على المقاومين ومناصريهم، وكذلك الإرباك التنظيمي الذي قد يرافق استبدال القيادات وتعديل استراتيجيات العمل. لكن، وعلى الرغم من هذا، تُظهر تجارب سابقة أن المقاومة لديها من الآليات ما يمكنها من تعويض الخسائر القيادية، سواء من خلال إعداد كوادر جديدة أو بتنويع الاستراتيجيات التي تضمن استمرارية المقاومة.
من ناحية تأثير الاغتيالات على مسار المقاومة، قد يظهر في المدى القصير بعض الإضعاف أو التراجع في بعض العمليات. إلا أن هذه العمليات تدفع غالباً المقاومة إلى تبني استراتيجيات بديلة، مثل تحسين التكتيكات الدفاعية وزيادة العمليات النوعية التي تعتمد على اللامركزية. كما أن التأييد الشعبي للمقاومة قد يتزايد كردّ فعل على هذه الاغتيالات، مما يعزز من قدرة المقاومة على تجاوز الخسائر.
في المجمل، يُتوقع أن يكون الاغتيال عاملاً مؤثراً لكنه لن ينهي المقاومة؛ بل قد يدفعها إلى إعادة تشكيل بنيتها وإعداد قيادات جديدة، مما يضمن استمراريتها في وجه الاحتلال.
*دور مصر
الدور المصري المستقبلي في حل الأزمة الفلسطينية ووقف جرائم الاحتلال الصهيوني يحمل أبعادًا هامة تتوافق مع مسؤولية مصر التاريخية والإقليمية تجاه القضية الفلسطينية. إذ تسعى مصر، بفضل موقعها الجغرافي وعلاقاتها الإقليمية والدولية، إلى تكثيف جهودها لتحقيق التهدئة ودعم حقوق الشعب الفلسطيني في ظل تصاعد التوترات والأعمال العدائية من الاحتلال الإسرائيلي.
إحدى ركائز الدور المصري هي العمل على تعزيز جهود المصالحة الفلسطينية، من خلال احتضان مصر جولات الحوار الفلسطيني – الفلسطيني وتقريب وجهات النظر بين الفصائل، بما يسهم في بناء موقف موحد يمكنه المطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني دوليًا. هذه المصالحة ضرورية لتقوية الصف الداخلي الفلسطيني وتمكين القيادة الفلسطينية من التفاوض والتصدي للتحديات الإسرائيلية بفعالية أكبر.
علاوة على ذلك، تستمر مصر في بذل جهود دبلوماسية مكثفة مع القوى الكبرى والأطراف الدولية المؤثرة، وذلك للضغط على إسرائيل من أجل وقف الاعتداءات على الفلسطينيين والالتزام بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. ومؤخرًا، نجحت مصر في لعب دور الوسيط لوقف إطلاق النار في عدة مناسبات، مما يعكس مصداقيتها وقدرتها على التأثير في مسار الأحداث.
على الصعيد الإنساني، تعمل مصر على تقديم الدعم الإغاثي والطبي للشعب الفلسطيني، خاصة في الأوقات الحرجة. يتمثل ذلك في إرسال مساعدات إنسانية وفتح المعابر لتسهيل دخول الإمدادات الضرورية للقطاع المحاصر، وهو دور أساسي يسهم في تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.
أما في المستقبل، فتطمح مصر إلى تحقيق رؤية شاملة لحل القضية الفلسطينية تتضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، عبر مسارات تفاوضية تدعمها مصر وتعمل على تسهيلها دوليًا. ويتوقع أن تواصل مصر تعزيز التنسيق مع الدول العربية والإسلامية لخلق موقف قوي وموحد في المحافل الدولية، للدفع نحو إنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
يمثل الدور المصري ركيزة أساسية للاستقرار والأمل في المنطقة، ويعكس التزام مصر العميق بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وحقه في العيش بكرامة وأمن وسلام
واذا تحدثنا عن السنوار البطل ومايحدث بعد اغتياله: تحوّل يحيى السنوار، قائد حماس في غزة، إلى رمز دولي لمقاومة الاحتلال بالنسبة للكثيرين، خاصة بعد تصاعد استهدافه من قبل إسرائيل في الفترة الأخيرة. فحياته كانت حافلة بالنضال، ورمزية تواجده ومقاومته عبرت حدود فلسطين، مما رسّخ مكانته كأحد أبرز قادة المقاومة المعاصرين. اليوم، استشهاد قائد بمثل هذه القوة والكاريزما يحمل في طياته دلالات عميقة قد تجعل من ذكراه رمزًا أكثر تأثيرًا وإلهامًا على المستويين المحلي والدولي، فقد يصبح استشهاده دافعًا كبيراً.