
إصلاح القضاء والأمن من أساسيات قيام الدولة الحديثة
من أساسيَّات قيام الدولة الحديثة بناء مؤسساتها، ورسم سياساتها العامة بما يحقق الصالح العام. بعد سنوات من الصراعات المسلحة والانقسامات في ليبيا، لازالت الحكومات الليبية المتعاقبة تكافح لبسط سيطرتها وكبح جماح الجماعات المسلحة، وقد أظهرت تجارب من بلدان خرجت لتوها من أتون الصراع أنّ الإصلاح الأمني والقضائي ضروري لضمان الاستقرار في البلاد، على أن يشمل هذا الإصلاح تفكيك الميليشيات وإعادة بناء القوات الأمنية وتعزيز استقلال القضاء.
يعتمـــد إصلاح القطاع الأمنـــي في ليبيا على كثيـــر من العوامل، أّهمّها الدعم الشـــعبي والإرادة السياســـية، ويمكن تلخيص التحديات التي يواجهها الهيكل الأمني في ليبيا بشكل عام بضعف الكفاءة والفعالية، إذ تعاني القوات الأمنية النظامية من نقص في التمويل والتدريب ومن الانقسامات الداخلية، كما أصبحت الخلافات السياسية تُثقِل المؤسسات الأمنية على مستوى القادة والمرؤوسين، ما أثر بشكل مباشر على الأداء الأمني بالمؤسسة الرسمي، كما أثّر انتشار الفساد المالي والإداري في الهيكل الأمني على قدرته على أداء مهامه، ومثّل هدراً لموارد الدولة دون الاهتمام بالأداء المؤسساتي.
لعلّ أولى خطوات الإصلاح الأمني هي تفكيك الميليشيات وإعادة دمج المقاتلين ووضع برامج لجمع الأسلحة من الجماعات المسلّحة مقابل تقديم حوافز اقتصادية واجتماعيّة وتوفير برامج تدريبية للمقاتلين السابقين لمساعدتهم على الاندماج في المجتمع وتقبّل الدولة النظاميّة ودمجهم في الجيش أو الشرطة على أن يكون ولاءهم للدولة دون سواها، ويستتبع ذلك إعادة هيكلية المؤسسات الأمنية وتوحيدها تحت قيادة مركزية بعيداً عن الانقسامات السياسية والقبليّة، والتعاون مع دول ومنظّمات دولية لإعادة تأهيل العناصر الأمنية وتدريبها على معايير الأمن الحديثة والحفاظ على حقوق الإنسان.
وإيقاناً منه بأهمية تحقيق الإصلاح الأمني في ليبيا، يُشدّد الدكتور الصديق حفتر على “ضرورة مكافحة الإرهاب والجريمة عبر تحسين التنسيق الأمني بين مختلف الأجهزة الأمنية وتبادر المعلومات مع دول الجوار والمجتمع الدولي لمكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات أو تمويل الجماعات المسلّحة” ويؤكّد الدكتور حفتر على “تطوير المنظومة التقنية لمكافحة الجريمة وتعزيز استقلال القضاء وفصله عن التدخلات السياسية والميليشياوية وحماية القضاة من ضغوط رجال الساسة ومن التهديدات الأمنية وتحديث القوانين والتشريعات وتفعيل دور المجلس الأعلى للقضاء وإعادة تأهيل المحاكم خاصة في المناطق التي تضرّرت من النزاعات وتعويض المتضرّرين وضمان عدالة الجميع دون استثناء، إضافة الى دعم لجان المصالحة الوطنية لحلّ النزاعات المحليّة بطرق سلمية”.
الإصلاح الأمني والقضائي هو حجر الزاوية لتحقيق الاستقرار في ليبيا وبناء الدولة، ولن يتم ذلك من دون إرادة سياسية قويّة محليّة يساندها دعمٌ دولي لضمان نجاحه على أرض الواقع.



