حين تُغضِب الحقيقة: آیه الله خامنئي، ترامب، وسقوط الرواية الصهيونية

المحلل السياسي و الصحفي الإيراني جعفر یوسفی – في أجواء ما بعد الحرب التي استمرّت اثني عشر يوماً، لم تكن غبار الحقيقة قد هدأت بعد على وجه أغرب المعارك في تاريخ المنطقة، حتى بدأت الاعترافات غير المقصودة تتسرّب من أفواه كبار اللاعبين الدوليين. تصريحات لم تأتِ ضمن تقارير رسمية، بل انزلقت بين نوبات الغضب والانفعالات اللفظية لعدد من الساسة، وفي مقدّمهم دونالد ترامب، الرئيس الأميركي السابق، الذي قال الأسبوع الماضي وبأسلوب مفاجئ: “إسرائيل تلقّت ضربة قاسية جداً… يا فتى، تلك الصواريخ البالستية دمّرت العديد من المباني!”

لم تكن هذه العبارة مجرّد اعتراف متأخر، بل كانت بمثابة شرخ في جدار الدعاية المشتركة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وهو ما أكّده قائد الثورة الإسلامية في إيران حين صاغ الأمر بدقّة ووضوح قائلاً: “النظام الصهيوني تحت ضربات الجمهورية الإسلامية، كاد أن ينهار وسُحق فعلاً.”

لكن ردّة فعل ترامب على هذا التشخيص الدقيق، لم تكن ديبلوماسية، ولا حتى تليق بمَن شغل يوماً منصب رئيس دولة كبرى. إذ خرج بتصرفات هزلية، متّهماً القيادة الإيرانية بالكذب! وكأنّه نسي أنّ الرواية ذاتها قد صدرت عن لسانه قبل أيام. هذا السلوك لا يعكس موقع رجل دولة مسؤول، بل يعكس نفسية مُنهكة، مُستَلبَة من الإعلام.

في علم النفس السياسي، يُعدّ ترامب نموذجاً صارخاً لشخصية مهووسة بالظهور الإعلامي، إلى حدّ يجعله يُحوّل كل حدث إلى مسرحية “شو” يُظهر فيها ذاته المتمركزة حول الأنا. فالإعلام بالنسبة إليه ليس أداة نقل معلومات، بل مرآة نرجسيته. لهذا تحديداً، حين قامت الصحافية في شبكة CNN ناتاشا برتراند بنقل حقيقة فنية بسيطة مفادها أنّ الضربات الأميركية على منشآت إيران النووية لم تُدمّر البرنامج النووي، بل أخّرته لأشهر فقط، انفجر ترامب في نوبة غضب وكتب: “يجب طردها مثل الكلاب!” وهو تصريح يُعدّ تهديداً صريحاً لحرية الصحافة.

لكن في عقل ترامب المشوَّه إعلامياً، هذا الانفجار ليس سوى محاولة يائسة للعودة إلى صدارة العناوين.

أما الحقيقة، فهي أوضح من أن تُنكر: الضربة الإيرانية التي أصابت البنية الدفاعية والهيبة الاستراتيجية للكيان الصهيوني، تمّ الاعتراف بها حتى من خصوم طهران. من أوائل المحللين الأمنيين في تل أبيب، إلى تقارير “يو إس إيه توداي”، “أسوشيتد برس”، و”سي إن إن”، الجميع أشار إلى فوضى واضحة أصابت القيادة الصهيونية في الأيام الأخيرة من الحرب.

لكن ما أفقد ترامب توازنه فعلياً، لم يكن الواقع الميداني فقط، بل قدرة قائد الثورة في طهران على تسمية الأمور بمسمّياتها وبالاستناد إلى كلام ترامب نفسه! هنا، فقد ترامب السيطرة على السردية، وهو الذي اعتاد أن يحتكر رواية الأحداث من خلال إمبراطورية إعلامية متوحّشة.

من هذه الزاوية، لم يكن بيان التهنئة الإيراني مجرّد خطاب سياسي، بل كان إعادة رسم لخارطة الصراع السردي. ففي هذا الميدان، لم تعد الرواية حكراً على الإعلام الغربي، بل أصبح لإيران صوتٌ قادرٌ على مصادرة خطاب العدو، واستخدامه ضده.

في المحصّلة، غضب ترامب ليس من عبارة واحدة، بل من انهيار احتكار الرواية. ذلك الاحتكار الذي حفظته أدوات الدعاية الغربية لعقود، وها هو اليوم يتصدّع تحت وطأة الضربات الصاروخية… والكلمات الموجّهة من طهران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *