إيران وتحديات النموذج التركي في كردستان العراق
بقلم: نجاح محمد علي - خبير في الشؤون الايرانية والإقليمية
إيران وتحديات النموذج التركي في كردستان العراق
بقلم: نجاح محمد علي – خبير في الشؤون الايرانية والإقليمية
التحدي الأكبر الذي تواجهه العلاقات الايرانية العراقية هو العلاقة بين طهران وإقليم كردستان التي كانت أكثر من ممتازة ، ويبدو أن هذه العلاقة شهدت تغيراً في السنوات الأخيرة.
كانت معارضة إيران لاستفتاء استقلال كردستان العراق بداية تراجع العلاقات بين الجانبين.
ولأكثر من عقدين، أثيرت دعم الاقليم للجماعات الكردية الإيرانية المسلحة باعتبارها تشكل “تهديداً للأمن القومي” لإيران، وتم التباحث بشأنها عدة مرات بين مسؤولين من إيران ومسؤولي الاقليم اضافة الى المفاوضات المستمرة مع الحكومة الاتحادية في بغداد.
يبرر الداعمون وجود هذه الفصائل في الإقليم بالقول إنهم متواجدون منذ سنوات طويلة كـ”لاجئين” في المنطقة الشمالية من العراق ويطلقون عليها تسمية الأحزاب السياسية الكردية ، لكن الايرانيين يتساءلون : وهل يحمل عناصر الأحزاب السياسية أو اللاجئون “السلاح”؟
هناك العديد من التساؤلات الأخرى والغموض بشأن استمرار تواجد هذه المجموعات في المنطقة الكردية شمالي العراق، و هناك احتمال وجود علاقات عميقة خلف الكواليس بين سلطات الاقليم وهذه الجماعات، وهذا هو السبب الذي يجعلها ترفض التعامل بحزم معها.
كما أن العلاقات القائمة بين قادة الجماعات المذكورة مع بعض الأجهزة الغربية والكيان الصهيوني هي سبب آخر لعدم تمكن مسؤولي أربيل الذين يملكون نفس العلاقات بل وأعمقها ، من تجاهل فوائد وجود هذه الجماعات كعملاء للأجهزة المذكورة .
لكن، رغم الأخذ في الاعتبار كل الاحتمالات والافتراضات، فإن ما حدث في واقع المشهد هو أنه تم عقد وتوقيع “اتفاقية أمنية” بين حكومتي إيران والعراق، وبموجبها فإن الطرفين ملزمان بأداء واجباتهما.
والمطلبان المهمان لإيران تجاه هذه الجماعات، و الموجودان أيضًا في الاتفاق، هما أن يقوم مسؤولو أربيل وبغداد باتخاذ إجراءات “لنزع سلاح أو طرد” هذه الجماعات حتى لا تكون مصدر انعدام الأمن وعدم الاستقرار في الحدود الغربية والشمالية الغربية ، وقاعدة لاستهداف أمن ايران القومي كما حدث في قضية مهسا أميني.
طوال الأيام القليلة الماضية ، بذلت الحكومة المركزية جهداً استثنائيًا لاقناع ايران بتأجيل تنفيذ تهديدها بشأن موعد نزع سلاح هذه الجماعات.
من هذه الجهود، وبعد التحذيرات المتكررة للحكومة الإيرانية من عدم تمديد “مهلة نزع سلاح الأحزاب الكردية” في إقليم كردستان، جاءت زيارة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى طهران ، وكان عنوانها العريض : “تجنب الصراع”.
وقال وزير الخارجية العراقي في مؤتمر صحفي إن العراق نقل معسكرات الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة للجمهورية الإسلامية “إلى مناطق بعيدة عن الحدود مع إيران”.
قبل ذلك تعمد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التواصل مع قادة الرأي و الإعلام الإيرانيين قبيل الموعد النهائي الذي حددته طهران لنزع سلاح جماعات المعارضة الكردية الإيرانية. وبالتوازي مع ذلك، تواصل قادة أكراد الأكراد عراقيون أيضًا مع الجمهورية الإسلامية لمعالجة المخاوف الأمنية الإيرانية، وتجنيب تكرار “النموذج التركي” الذي يعتمد على التوغل براً ومسك الأرض، ولدى تركيا بالفعل عدد غير قليل {42} من القواعد العسكرية داخل الاقليم .
يأتي ذلك في الوقت الذي أشار فيه قائد الحرس الثوري الإسلامي الإيراني إلى أنه سيتم استئناف الضربات على أهداف في كردستان العراق إذا لم يتم الالتزام بالموعد النهائي.
فقد استضاف محمد شياع السوداني مؤخراً وفدًا من الصحفيين الايرانيين في بغداد يوم 8 سبتمبر/أيلول.
• قال رئيس الوزراء إن حكومته تتابع “بجدية” الاتفاقية الأمنية الموقعة مع إيران في مارس/آذار 2023. وأُفيد بأن الصفقة تتضمن نزع سلاح جماعات المعارضة الكردية الإيرانية ونقلها بعيدًا عن الحدود مع إيران.
• أضاف السوداني أن بغداد أنفقت “أكثر من 200 مليون دولار أميركي” من أجل تنفيذ الصفقة والعمل على نشر أكثر من 3000 من حرس الحدود على طول الحدود مع إيران.
• كما أكد أن بلاده في إطار الجهود لتحسين الأمن الاقليمي، تقوم بالوساطة بين طهران وعدد من الدول العربية، لكنه لم يفصح عن مزيد من التفاصيل لكونها “سرية تماما”.
وفي اليوم التالي، أكد السوداني للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن أمن إيران مهم بالنسبة للعراق.
• أبلغ رئيس الوزراء العراقي ، رئيسي الذي التقاه أيضاً في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أن بلاده “ملتزمة بمحاربة العملاء والعناصر التي تهدد أمن المنطقة”. وأضاف أن “حكومة العراق تعتبر أن أمن إيران هو أمن العراق”.
• وفي إشارة واضحة إلى الفصائل الكردية الإيرانية المتمركزة في كردستان العراق، كرر رئيسي في نيويورك ما قاله سابقاً للسوداني في اتصال هاتفي أنه “لا يمكن التغاضي” عن أنشطة “الجماعات الانفصالية والإرهابية”.
•
• ذكر فؤاد حسين من جهته في لقاء على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ78 في نيويورك، ان”الجانب العراقي التزم بالاتفاقية الأمنية مع إيران، ونتمنى أن تلتزم طهران كذلك وأن لا تستخدم لغة العنف”.
• وأضاف، ان”العلاقة مع إيران جيدة.. ولكن هناك بعض المشاكل، التي يجب أن تحل عن طريق الحوار”.
ونقلت وسائل إعلام عراقية في 10 سبتمبر/أيلول أن بافل طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، وصل إلى طهران.
• أُفيد بأن طالباني ترأس وفدًا رفيع المستوى، ومن المقرر أن يعقد عدة اجتماعات “هامة” مع مسؤولين إيرانيين. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الوطني الكردستاني يتمتع منذ فترة طويلة بعلاقات دافئة مع الجمهورية الإسلامية، لكن السليمانية التي يسيطر عليها، تستضيف معارضين كرد ايرانيين.
• وفي اليوم التالي في 11 سبتمبر/أيلول، عقد سفير إيران لدى العراق محمد كاظم آل صادق اجتماعات مع كبار المسؤولين الأكراد العراقيين والتقى رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، الذي أكد أن أربيل ملتزمة بالاتفاقية الأمنية الإيرانية العراقية ولن تسمح لأي تهديد بالانطلاق من أراضيها.
• كما التقى آل صادق رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني، الذي يرأس مجلس أمن الإقليم الذي التقى أيضًا السفيرة الأميركية في العراق في اليوم نفسه، ما يشير الى دور أمريكي لافت في التهدئة مع طهران على ضوء تداعيات صفقة تبادل السجناء بين إيران والولايات المتحدة.
و عاد سفير ايران لدى بغداد محمد كاظم آل صادق ليعلن يوم الثلاثاء 19 سبتمبر أيلول أن إيران والعراق سيرسلان فريقا مشتركا إلى إقليم كردستان العراق للتحقيق في تطبيق الاتفاق الأمني والتحقق أنه قيد التنفيذ.
وقال آل صادق،لتلفزيون العالم إن حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد مصرتان على طرد الجماعات الانفصالية الإرهابية من المناطق القريبة من الحدود الإيرانية ونقلها إلى معسكرات لاجئين .
وكانت إيران قد حددت يوم 19 سبتمبر موعدا نهائيا لنزع سلاح الانفصاليين وطرد الجماعات الكردية من العراق. وانتهى الموعد النهائي وسط شكوك بشأن نزع السلاح الكامل للاتفاقية. وفي الفترة التي سبقت هذا التاريخ، أعلن العديد من المسؤولين الإيرانيين أن الموعد النهائي لن يتم تمديده، مما يشير إلى أن العمل العسكري سيحدث إذا لم يتم تلبية مطالب إيران.
وقبيل التواصل الكردي الإيراني، أطلق نائب شؤون العمليات في الحرس الثوري الإيراني، عباس نيلفروشان تهديدًا ضمنيًا حذر فيه من إمكانية استئناف الضربات على كردستان العراق إذا لم يتم الالتزام بالموعد النهائي في 19 سبتمبر/أيلول.
• وقال نيلفروشان إن إيران تتوقع من “إخواننا” في كردستان العراق عدم السماح “للإرهابيين” بالاستقرار في الإقليم وتحويله إلى “مركز عمليات ضد بلدنا”.
• أصر القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني على أنه إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء، “فإن الأمور ستعود إلى سابق عهدها، ولن يكون أمامنا خيار سوى حماية مصالح الأمة الإيرانية”.
• وكالة “تسنيم” الإيرانية المرتبطة بالحرس الثوري المعني بتنفيذ تهديدات ايران بشأن القيام بعمل عسكري كبير في اقليم كردستان، تعمدت من جهتها نشر مقاطع فيديو وصور عن قيام القوات البرية للحرس الثوري بنقل معدات عسكرية ومدرعات إلى الحدود، شمال غربي إيران، بالتزامن مع وصول وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الى طهران.
• وكتبت “تسنيم” أن شحن هذه المعدات تم مع اقتراب مهلة 19 سبتمبر (أيلول)، وهي “نهاية الإنذار الإيراني للعراق لنزع سلاح الأحزاب الكردية”.
• لم تقم إيران بشن أي ضربات على إقليم كردستان منذ توقيع الاتفاقية الأمنية مع العراق في شهر مارس/آذار الماضي. ويشير ذلك إلى أن طهران واصلت الضغط السياسي لإقناع الحكومة الاتحادية في بغداد وسلطات إقليم كردستان في أربيل بتنفيذ الاتفاق.
ولطالما اتهمت إيران جماعات المعارضة الكردية الإيرانية المتمركزة في كردستان العراق بالقيام بأنشطة انفصالية و”إرهابية” بالتعاون مع إسرائيل.
وتشمل المجموعات الكردية الإيرانية الرئيسية الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وحزب الحياة الحرة الكردستاني وحزب كومله وحزب الحرية الكردستاني.
• وقد استخدم الحرس الثوري الإيراني في السنوات الماضية الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة لاستهداف مواقع في كردستان العراق بحجة أنها تابعة لجماعات كردية إيرانية مسلحة أو أنها مرتبطة بعملاء إسرائيليين.
• كما اتهمت طهران جماعات المعارضة في الاقليم بإثارة الاضطرابات بعد اندلاع الاحتجاجات في سبتمبر/أيلول 2022 على خلفية وفاة شابة كردية إيرانية أثناء احتجازها من قبل شرطة الأخلاق. وقصف الحرس الثوري الإيراني مواقع مرتبطة بالجماعات الكردية بشكل متقطع لأسابيع.
وقد وجهت مجموعات سياسية عراقية مختلفة انتقادات للهجمات الإيرانية معتبرة إياها انتهاكًا لسيادة العراق.
• تذكر بعض التقارير أن الجماعات الكردية الإيرانية سيتم نقلها إلى معسكرات في غرب العراق بمجرد نزع سلاحها. ومع ذلك، فقد رفض ممثلو هذه الفصائل أي نزع للسلاح، وأشاروا فقط إلى استعدادهم للانتقال إلى مناطق أخرى داخل إقليم كردستان العراق.
تجدر الاشارة الى أن السوداني الذي تولى رئاسة مجلس الوزراء ممثلاً عن الإطار التنسيقي المتحالف مع ايران ، سعى إلى أن يُظهر لطهران أنه جاد في معالجة المخاوف الإيرانية. فبعد نحو شهر من توليه منصبه توجه الى طهران وناقش مخاوف إيران الأمنية مع قائد الجمهورية الاسلامية الأعلى آية الله السيد علي خامنئي، لأن الاتفاق الأمني بين إيران والعراق من شأنه أن يؤدي إلى تسريع الإجراءات التي طالما أرادت بغداد تبنيها بشأن الجماعات الكردية الايرانية وحزب العمال الكردستاني التركي الموجودة داخل العراق .
إن الموعد النهائي الذي حددته إيران لنزع سلاح الجماعات الكردية الإيرانية قدم للقادة العراقيين فرصًا وتهديدات على حد سواء.
• فنزع سلاح الفصائل الكردية من شأنه أن يعزز من مكانة السوداني كزعيم سياسي موثوق في طهران. وهذا بدوره يمكن أن يسمح له بمتابعة التواصل بشكل أوثق مع واشنطن في عملية توازن دقيقة لصالحه.
لكن إذا رفضت حكومة أربيل التعاون مع إيران، يمكن لبغداد أن تستغل هذا التحفظ كفرصة لتعزيز سيطرتها على إقليم كردستان من خلال مهاجمة الجماعات الكردية الإيرانية.
وبالنسبة للقادة الأكراد العراقيين، فإن الإذعان لمطالب إيران من المرجح أن يثير استياء الأكراد في الداخل . كما يمكن أن يحرم هؤلاء القادة من ورقة ضغط مهمة ضد الحرس الثوري الإيراني. أخيرًا وليس آخرًا، قد يفتح ذلك الباب أيضًا أمام مواجهة مفتوحة مع الجماعات الكردية الإيرانية.وكل هذا يستدعي بالضرورة الاستعانة بالولايات المتحدة التي سارعت كما هو واضح الى ايفاد السفيرة ألينا رومانوفسكي الى أربيل قبل توجه فؤاد حسين الى طهران.
و قد أكدت وزارة الخارجية الامريكية ، أنها تواصل حث حكومة بغداد ومسؤولي حكومة إقليم كردستان على حل نزاعاتهم المتعلقة بالميزانية بطريقة تعود بالنفع على المواطنين كما يتطلب الدستور العراقي.، فيما رفضت التعليق على مراسلات رئيس حكومة الاقليم مع الرئيس الامريكي جو بايدن.
تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قررت مؤخراً وبشكل رسمي إنهاء هيمنة الحزبين الكرديين الرئيسين ، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، على البيشمركة وتوحيد هذه القوة العسكرية (البيشمركة) تحت سيطرتها. فأمريكا هي التي تدفع للبشمركة وتزودهم بالسلاح. وهذا يدل على أهمية التفاهمات الإيرانية والأميركية ، وانعكاس هذه التفاهمات، مثل تبادل السجناء ، على وضع كردستان العراق والعراق بشكل عام.
أخيراً، المهم للغاية فيما يتعلق بإقليم كردستان هو أن الحرس الثوري الإيراني يبقي إصبعه على الزناد ويهدد بتكرار النموذج التركي.وتمتلك تركيا عشرات القواعد العسكرية في الإقليم ، وتربطها به أفضل العلاقات التجارية. أكثر من 75% من التجارة بين العراق وتركيا تتم في كردستان لصالح تركيا.