بزشكيان في السياسة الخارجية.. أصولي إصلاحي

قليل من الناس توقعوا أن تكون الخطوات الأولى للدكتور مسعود بزشكيان كرئيس منتخب لإيران هي رسم بيان السياسة الخارجية تجاه الجيران ودول المنطقة والحلفاء وأوروبا وأمريكا؛ لكنه أجاب في الأسبوع الماضي على الأسئلة والشكوك التي أثيرت في الأوساط البعيدة والقريبة بعد ساعة من إعلان فوزه.


“الدكتور مسعود بزشكيان طبيب قلب وعضو في مجلس الشورى ووزير الصحة الأسبق”؛ وكانت هذه الجملة القصيرة هي كل ما عرفته وسائل الإعلام الرائدة في العالم عن المرشح الذي دعمه الإصلاحيون خلال السباق الانتخابي في ايران، على عكس ما يعرفونه عن سعيد جليلي الذي قاد لسنوات المفاوضات النووية الفاشلة على رأس أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي.

قبل إجراء الجولة الأولى من الانتخابات، انصبت الأوساط السياسية والإعلامية على رصد وتحليل مواقف ونهج سعيد جليلي وبدرجة أقل محمد باقر قاليباف، وعليه، بعد الإعلان عن اسم الدكتور مسعود بزشكيان الرئيس المنتخب لإيران، كانت هناك علامات استفهام كثيرة، من قبيل ما موقف الرئيس الإيراني الجديد من محور المقاومة؟ كيف ستسير المفاوضات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات في الحكومة الرابعة عشرة؟ هل يعني الرئيس الجديد أصدقاء وحلفاء جدد؟ ماذا سيحدث للملفات القديمة والمحادثات غير المكتملة؟ وأخيرًا، ما هو الاتجاه الذي ستتجه إليه إيران في عهده؟

ومن وجهة نظر بعض أنصاره، فإن مسعود بزشكيان هو المنقذ الذي يريد إنهاء الأزمات الاجتماعية والاقتصادية من خلال إصلاح جسور التواصل مع العالم، ومن وجهة نظر أنصار منافسيه خلال فترة الحملة الانتخابية هو الشخص الذي يريد منح امتيازات خاصة لأوروبا وأمريكا، يمكن بسهولة أن نجد آثاراً لكلا وجهتي النظر في مجال السياسة الخارجية في الحكومات الإصلاحية والأصولية السابقة؛ ومن معاداة الغرب إلى معاداة الشرق؛ ومن الاعتماد على المفاوضات مع أميركا وأوروبا في حكومة حسن روحاني إلى تطوير العلاقات مع روسيا والصين في حكومة الشهيد رئيسي ودعم مناطق العالم الجنوبي في حكومة محمود أحمدي نجاد.

طبقاً لهذا المسار التاريخي، كان يوضع باستمرار على طاولة بزشكيان خلال فترة حملته الانتخابية خياران، ويطلب منه تحديد وتوضيح مواقفه بناء عليهما؛ الغرب أم الشرق؟ صداقة أم عداوة؟ الأصولية أو الإصلاحية، التواصل أم العزلة؟ جسور أم جدران؟ إن الحالات التي على الرغم من مظهرها المزدوج، إلا أنها ذات طبيعة واحدة تحت عنوان سياسة “الخيار الواحد”، وفي هذا المجال الغرب والشرق أو المنطقة وخارجها، هي أجزاء متناقضة لا يمكن إثباتها إلا من خلال نفي الآخر.

ودافع بزشكيان خلال الانتخابات عن التفاعل البناء مع العالم المرتكز على المبادئ الأساسية المتمثلة في “الشرف والحكمة والمنفعة”، ورسم في الأسبوع الماضي خطوات مهمة لتوضيح المنظور الحركي لحكومته، كان أولها رسالة إلى السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، والتي بغض النظر عن المضمون، فإن دعمه لها كان علامة واضحة على أولويات الحكومة الرابعة عشرة؛ وهو الإجراء الذي تكرر وعزز في الرسالة الموجهة إلى إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).

التحرّك الثالث من الرئيس المنتخب تمثّل في رسالة باللغة العربية نشرها في صحيفة “العربي الجديد” الدولية، حيث كانت الأولوية القصوى لسياسة إيران الخارجية في حكومته هي توسيع التعاون مع جيرانها، ومقاله الثاني على الفور والذي نُشر باللغة الإنجليزية في صحيفة “طهران تايمز”، أضاءت آفاقا أخرى؛ أفق لم يُستبعد فيه سوى الكيان الصهيوني من التواصل والتفاعل.

وفي مداخلته الأخيرة، كشف مسعود بزشكيان عن سياسة «إنتهاز الفرص»، التي من خلالها سيعود «التوازن» إلى العلاقة مع جميع الدول؛ علاوة على ذلك، لا تزال الأولوية للجيران ودول المنطقة، وروسيا والصين صديقتان وحليفتان.

وفي خطابه إلى العالم الجديد، إستعرض بزشكيان أبرز أجندة السياسة الخارجية للحكومة الرابعة عشرة، من ضمنها العلاقة مع أوروبا وأميركا معتبراً أنها ليست طريقاً مسدوداً ولا طريقاً سريعاً؛ بل هو طريق شديد الانحدار يمكن أن يكون أكثر سلاسة مما هو عليه اليوم.

سواء في البيان الدبلوماسي أو في مقالاته حول أوروبا والولايات المتحدة، رد بزشكيان ضمنا على النهج الذي اتبعته أوروبا في الأسابيع القليلة الماضية، والذي كان يتحرك على مسارين: “معدل المشاركة في الانتخابات” و”الاستقبال البارد للرئيس الجديد» من أجل إعطاء الوهم بحاجة إيران إلى التواصل مع كل من أوروبا وأمريكا، رغم ذلك، أظهر بزشكيان أنه، مع اعترافه بطرق الاتصال، ليس لاهثاً وراء “سياسة المشاركة الهدامة” مع أوروبا، ويؤمن ومخلص لسياسة التعاون الجاد مع الشرق الجغرافي (وليس الشرق الإيديولوجي)؛ ومن هذا المنطلق، يمكن أن نشهد ميلاد رئيس أصولي إصلاحي في مجال السياسة الخارجية والتفاعل مع العالم، ملتزم بالمبادئ ومتمسك بالإصلاح.

المصدر: نورنيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *