أخر الأخبار

بعد تحييد إيران.. الأهداف التالية لإسرائيل

خطوات إسرائيل ضمن مخطط "الشرق الأوسط الجديد"

عبد الله خلوف

يتابع العالم من فجر الثالث عشر من يونيو الجاري بدء إسرائيل حملتها العسكرية على إيران، والتي بدأت بضربات قاسمة، أنهت فيها عدداً من رجالات إيران من الصف الأول. وبين مؤيد ومعارض لهذه الحملة، يغفل كثيرون عن سؤال مهم إن لم يطرح نفسه وبقوة فيجب أن نطرحه في مثل هذا التوقيت، وهو: في حال سقطت طهران أو تم تحييدها، ماذا بعد التحييد؟

في حال حٌيِّدت إيران كقوة إقليمية بفعل ضربات إسرائيلية واسعة طالت منشآتها النووية وبُناها الصاروخية وميلشياتها الممتدة، فإن المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط لن يقف عند حدود طهران وبيروت ودمشق. إذ من الطبيعي أن تسعى إسرائيل، وقد تخلّصت من عدوتها الأولى، إلى إعادة تشكيل البيئة الإقليمية بما يتناسب مع مصالحها، ويمنع ظهور قوى جديدة منافسة، أو حتى معرقِلة لمشروعها الأمني والسياسي.

في هذا السياق، تبرز ثلاث قوى إقليمية تُثير قلق تل أبيب: تركيا، وقطر، والصين. هذه القوى، على تفاوت بينها في الموقع والدور، تشكّل من وجهة النظر الإسرائيلية عناصر ضغط ناعم أو خشن، تهدد مشروع “الشرق الأوسط الجديد” القائم على تقاسم النفوذ بين إسرائيل ودول التطبيع العربي، تحت مظلة أمريكية.

أولًا: تركيا… الخصم المؤجل

منذ سنوات، ورغم العلاقات التجارية المتواصلة بين تركيا وإسرائيل، تُبقي أنقرة على خطاب سياسي مرتفع اللهجة تجاه الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما في ظل الحكومات المتعاقبة لحزب العدالة والتنمية. ويتجاوز القلق الإسرائيلي من تركيا مجرد التصريحات؛ فأنقرة تملك مشروعًا إقليميًا واضح المعالم، يمتد من سوريا إلى ليبيا، ومن أذربيجان إلى القرن الأفريقي، ويتكئ على عناصر دينية وقومية وتاريخية.

الهاجس الإسرائيلي من تركيا يعود إلى رفضها التطبيع الكامل، ودعمها لحركات المقاومة، واحتضانها قوى الإسلام السياسي، فضلًا عن تدخلها العسكري المباشر في ملفات عدّة تمسّ المصالح الإسرائيلية، من سوريا شمالًا إلى البحر المتوسط غربًا. وبالتالي، فإن تحييد إيران لا يعني ضمان الاستقرار، ما دامت تركيا تطمح للعب دور قيادي في العالم الإسلامي، مستفيدة من تراجع أدوار العراق وسوريا ومصر.

لهذا ستسعى إسرائيل إلى تطويق النفوذ التركي عبر عدّة مسارات: دعم الانفصاليين الأكراد في سوريا، التحالف مع اليونان وقبرص ومصر في ملف غاز المتوسط، تعزيز علاقات أمنية مع أرمينيا وكردستان العراق، إضافة إلى تقديم الدعم السياسي لدول ترى في تركيا منافسًا مزعجًا، كالإمارات والسعودية.

ثانيًا: قطر… المال والإعلام والحنكة

قطر لا تمثّل خطرًا عسكريًا على إسرائيل، لكنها تؤدي دورًا إقليميًا يتقاطع أحيانًا مع مصالح تل أبيب، خاصة في ملف غزة. إذ تجمع الدوحة بين علاقة غير عدائية مع إسرائيل، ودعم صريح للفصائل الفلسطينية، خصوصًا حماس، وتوفّر منبرًا إعلاميًا عالميًا مناهضًا للاحتلال، هو “الجزيرة”، الذي لطالما أربك الرواية الإسرائيلية، وواجه مشاريع التطبيع.

ورغم محاولات التطويق الإعلامي والسياسي لقطر منذ أزمة الخليج عام 2017، فإن الدولة الصغيرة تمكّنت من الحفاظ على استقلالية قرارها، ومراكمة نفوذها في ملفات إقليمية متعددة، من أفغانستان إلى القرن الأفريقي، ومن غزة إلى اليمن.

ويبدو أن تل أبيب، في مرحلة ما بعد إيران، قد تجد نفسها أمام ضرورة تحجيم النفوذ القطري من خلال أدوات غير مباشرة: تقويض مصداقية الجزيرة، دعم منصات إعلامية بديلة ممولة خليجيًا، إحياء ملفات سياسية لخلق عزلة خليجية جديدة على الدوحة، أو حتى الدفع نحو تطبيع قطري “صامت” تحت الضغط الأمريكي.

ثالثًا: الصين… شريك المستقبل الذي لا يُطمأن إليه

الخطر الأكبر لا يأتي من الجغرافيا هذه المرة، بل من الاقتصاد. الصين، بقوتها الصاعدة، لا تنافس إسرائيل عسكريًا أو أيديولوجيًا، لكنها تخترق البنى التحتية في الشرق الأوسط بوتيرة متسارعة، عبر مبادرة “الحزام والطريق”، مستفيدة من هشاشة الدول النامية، والحاجة العربية المزمنة إلى التمويل والمشاريع.

الصين هي الممول الأول للمشاريع الاستراتيجية في إيران، وباكستان، والعراق، وتملك استثمارات هائلة في موانئ الخليج، وخطوط الاتصالات، والطاقة. هذا التمدد لا يقلق إسرائيل وحدها، بل يُثير قلق الغرب عمومًا، لأن بكين تقدّم نموذجًا تنمويًا غير ليبرالي، ما يضعف من الهيمنة الغربية الكلاسيكية على المنطقة.

من هذا المنطلق، ستسعى إسرائيل – بدعم أمريكي – إلى تقليص النفوذ الصيني بوسائل متعددة: التضييق على الاستثمارات الصينية في الخليج ومصر، استبعاد التكنولوجيا الصينية من شبكات الاتصالات، دعم مشاريع بديلة غربية – خليجية، وحتى إشعال اضطرابات سياسية في مناطق حساسة لعبور مشاريع الصين، كجنوب باكستان، أو سواحل أفريقيا.

إسرائيل ما بعد إيران

إن كانت إيران هي الخصم المباشر، فإن تركيا وقطر والصين تمثل تحديات غير عسكرية، لكنها أكثر تعقيدًا واستمرارية. وستكون المرحلة المقبلة، في حال تحقق السيناريو الافتراضي بتحييد إيران، مرحلة فرز جديد في المنطقة، لا تُستخدم فيها الصواريخ، بل الإعلام، والمال، والتكنولوجيا، والدبلوماسية الخشنة.

إسرائيل، وقد تصدّرت المشهد الإقليمي، لن تتردد في تفكيك أي مشروع قد يُعيد التوازن أو يُعطّل التفوق النوعي الذي تسعى إليه، سواء أكان هذا المشروع عثمانيًا، أو قطريًا، أو صينيًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *