
غزة تتضور جوعاً وسط تقاعس عربي ومباركة أمريكية
بقلم الصحفي والكاتب
ستيفن صهيوني ،المختص بالشأن الأمريكي والشرق الأوسط
الأخبار اليومية من غزة لا تحمل جديداً سوى المزيد من الموت والجوع والمعاناة. فقد قُتل أمس ما لا يقل عن 32 شخصاً وأُصيب أكثر من 100 آخرين، بعدما فتحت القوات الإسرائيلية النار على حشود من الفلسطينيين الجائعين عند مركز توزيع الطعام المجاني في جنوب غزة، وهو الوحيد المتبقي في القطاع.
أفاد شهود عيان نجوا من المجزرة بأنهم تعرضوا لإطلاق النار، ثم ارتموا أرضاً، إلا أن الدبابات والآليات العسكرية وصلت وواصلت إطلاق النار على المدنيين المستلقين وجوههم على الأرض دون حماية.
يدار هذا المركز من قبل مؤسسة غزة الإنسانية )) المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل.
وقال شهود إن العديد من القتلى كانوا أطفالاً ومراهقين يبحثون عن الطعام لعائلاتهم.
في المقابل، نفت مؤسسة غزة الإنسانية في بيان رسمي وقوع أي وفيات في محيط منشآتها، وأضافت: “لقد حذرنا مراراً طالبي المساعدات من الاقتراب إلى مواقعنا ليلاً أو في ساعات الصباح الباكر”.
وحذّرت الأمم المتحدة من أن جميع سكان غزة البالغ عددهم 2 مليون نسمة باتوا معرضين لخطر المجاعة.
يشهد قطاع غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة، إذ تتصاعد المجاعة وسط استمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية والحصار. ويواجه أكثر من 100 ألف طفل خطر الموت الوشيك جراء الجوع وسوء التغذية، في ظل استمرار عرقلة المساعدات الإنسانية الحيوية.
وبحسب وزارة الصحة في غزة، ارتفع عدد القتلى إلى 58,765، إضافة إلى 140,485 مصاباً منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023. وقد تم تسجيل أكثر من 98 حالة وفاة و511 إصابة خلال الـ48 ساعة الماضية فقط، وسط انهيار في البنية التحتية للطوارئ، مما أدى إلى بقاء العديد من الضحايا تحت الأنقاض.
ومنذ بدء عمليات مؤسسة غزة الإنسانية في مايو 2025، تسببت حوادث وقعت قرب مراكز التوزيع بمقتل 891 شخصاً وإصابة 5,754 آخرين، من بينها حادثة مروعة في جنوب غزة حيث قُتل 39 شخصاً وأُصيب أكثر من 100 بعدما أطلقت القوات الإسرائيلية النار على المدنيين.
تأسست المؤسسة في ولاية ديلاوير الأميركية في فبراير 2025،وهي لتوزيع المساعدات في ظل أزمة غزة الإنسانية، بدعم من الحكومتين الإسرائيلية والأميركية، كرد على مزاعم إسرائيل بأن المساعدات يتم تحويلها من قبل حماس.
وقد تعرضت هذه المؤسسة لانتقادات شديدة
من قبل الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، التي اتهمتها بتسييس توزيع المساعدات، معتبرين أنها توفر غطاءً لإسرائيل لتنفيذ مخططها في إفراغ غزة من سكانها باستخدام الجوع كسلاح حرب. وقد دفع ذلك رئيسها السابق إلى تقديم استقالته.
ويرأس المؤسسة كل من المدير التنفيذي جون أكري، ورئيس مجلس إدارتها جونّي مور، وهو زعيم إنجيلي أميركي. ويؤمن العديد من الإنجيليين اليمينيين في أميركا بأن دعم إسرائيل للقضاء على الفلسطينيين سيؤدي إلى عودة المسيح، ويُعرف أنصار هذا الفكر الديني بأنهم “الصهاينة المسيحيون”.
وبحسب مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تم تسجيل 615 حالة قتل في أو قرب مراكز توزيع تابعة حتى 7 يوليو 2025. وقد أكدت وزارة الصحة في غزة أن 70% من الوفيات المتعلقة بالمساعدات وقعت قرب مواقع المؤسسة.
أما الجيش الإسرائيلي، فقد ادّعى أن قواته أطلقت “نيران تحذيرية” على “أفراد مشبوهين” قرب رفح، رغم إغلاق مراكز المساعدات خلال تلك الواقعة. وكررت المؤسسة تصريحاتها بأن المعلومات المتداولة حول توقيت وموقع القتل كانت “مضللة”، مجددة تحذيراتها بعدم الاقتراب من مواقع التوزيع خلال ساعات الليل.
وقد زادت الأزمة الإنسانية سوءاً بعد إغلاق إسرائيل جميع مراكز التوزيع مطلع يوليو، ولم يبق سوى مركز رفح في الخدمة، مما تسبب في انفجار الأسعار وشح الغذاء، حيث تجاوزت أسعار السوق السوداء القدرة الشرائية للمواطنين.
وقد أكدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) امتلاكها مخزوناً غذائياً يكفي لثلاثة أشهر، لكنها حثّت إسرائيل على إعادة فتح المعابر الحدودية. في المقابل، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود عن ارتفاع حاد في حالات سوء التغذية الشديدة، وحذّرت وزارة الصحة في غزة من أن مئات الأشخاص يواجهون خطر الموت لأن أجسامهم المنهكة لم تعد تتحمل الحرمان.
وفي تطور دبلوماسي مثير للجدل، أفادت تقارير بأن رئيس جهاز الموساد ديفيد بارنيع قدّم خطة إعادة توطين إلى المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، تقضي بترحيل الفلسطينيين من غزة إلى كل من إثيوبيا، إندونيسيا وليبيا. وأكدت المصادر أن المناقشات جرت فعلاً، دون التوصل إلى التزام رسمي من الولايات المتحدة.
وفي سياق متصل، أعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب اقتراح إخلاء سكان غزة وتحويلها إلى “ريفيرا الشرق الأوسط”، وقد قوبل هذا الطرح بإدانة دولية واسعة النطاق، فيما رفضت العديد من الدول استقبال لاجئين فلسطينيين.
وفي ظل استمرار التهجير، ارتفعت الأصوات الدولية المطالبة بالتحرك، خاصة أن عدداً متزايداً من الخبراء باتوا يصفون ما يجري في غزة بأنه حملة إبادة جماعية. وقد تعطلت الجهود الدولية، بما فيها اتفاقيات مساعدات الاتحاد الأوروبي، وسط اتهامات بالعرقلة السياسية من قبل الأطراف الإسرائيلية والأوروبية.
أما الأوضاع الإنسانية فتبقى في حالة تدهور شديد، حيث وصلت المستشفيات إلى مرحلة الانهيار، ونفدت الأغذية، ويواجه سكان غزة خطر المجاعة والتهجير والانهيار تحت وطأة الحصار. وإذا لم يتم التدخل بشكل عاجل، فإن عدد الضحايا مرشح للارتفاع بشكل كبير.
ولا يملك سلطة إنهاء الموت والجوع في غزة سوى البيت الأبيض والكونغرس الأميركي. لكن، هل يجرؤ أحدهم على الوقوف بوجه لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية AIPAC)؟
ستيفن صهيوني، صحفي وكاتب مختص بالشأن الأمريكي والشرق الأوسط



